ماهي الثورة ؟ ومن هو الثائر ؟
بقلم: عبدو قطريب :
اشتعلت الثورةالسورية عندما بلغ النظام درجة “الاستحالة” , فمن المستحيل اصلاح النظام , ومن المستحيل التعايش معه , أيضا من المستحيل الاستمرار في الحياة في اطار الفساد , من المستحيل تحمل الاستعباد , ومن المستحيل تحمل السجون والتعذيب والصمت تجاه ذلك أصبح من المستحيلات , كما أنه من المستحيل تحمل مجزرة اغتيال العقل ومنع الفكر ,كما أنه من المستحيل التوقف عند ذكر ماتم ذكره .. قائمة المستحيلات طويلة جدا , , واشتعال الثورة تأخر جدا , بحيث استحال الصبر أيضا , لقد انسدت كل الطرق أمام الفرج والانفراج , ولم يعد هناك من سبيل الا الثورة , لذا ثار الناس وبعضهم كانوا مكرهين على التظاهر , وغيرهم كان مكرها على حمل السلاح , وآخرون كانوا مكرهين على ممارسة الصمت والخنوع , احتقنت الكلمات في حلق المواطن واستحال الاحتقان على التحمل , انفجر الناس وانفلتت الألسنة , وكلهم يريدون اسقاط النظام , كل له سببه وكل له رغبته الخاصة , ولكل رؤيته المستقبلية , منهم من يريد التسامح ومنهم من يرفضه , منهم يرفض الاستعانة بالغير ومنهم من يريدها , لقد تباينت الارادات وتباينت سبل الانفراج وتباينت الطرق والوسائل , تباينت حدة الرفض , وتباينت حدة التقبل , افترق الناس وتفرقوا في مختلف الاتجاهات , الا أنهم اتفقوا على اتجاه واحد ,وهو اتجاه رفض النظام .
تفنن النظام ومؤيدوه في تعريف المعارض , حيث خضع “تعريف المعارض” الى العديد من الاعتبارات , ومن أهم هذه الاعتبارات كانت مسألة المفاضلة , فأمام النظام ومؤيدية طيف واسع من المعارضات , والنظام اختار من المعارضة مايناسبه في حساب المفاضلات , لقد اختار من هو أسوء منه , ادعى على أن المعارضة هي داعش , أو ان المعارضة هي النصرة , وتجاهل عمدا المعارضات الأخرى التي لايستطيع الأسد المزاودة عليها كالمعارضات ذات العلاقة باعلان دمشق واعلان بيروت , ثم معارضات أخرى مدنية وعلمانية أو يسارية كياسين الحاج صالح الذي لايمت للدواعش بصلة , وكذلك ميشيل كيلو , ولم يكن القتيل مشعل التمو داعشي , كما ان وسام سارة لم يكن داعشي ووالده أيضا , وعبد العزير الخير ليس داعشي , كما ان حسن عبد العظيم لم يعرف داعش , ولا علاقة لكامل هيئة التنسيق ومنهم هيثم مناع والائتلاف والجبهة الوطنية وكمال اللبواني وعائلة البني وأعضاء الحزب الشيوعي والكثير غيرهم بداعش والنصرة , الا أن النظام يصر على أنه لاتوجد معارضة , وانما توجد عصابات مسلحة ممولة من الخارج المتآمر في اطار مؤامرة وحرب كونية على سوريا ,فرأس النظام يعتبر نفسه محبوبا جدا من الشعب , دون أن يسأل رأس النظام نفسه عن موجبات هذا الحب , رأس النظام يراهق ويعتقد على الشعب مراهق أيضا , والمراهق لايعرف كيف يحب ولماذا ؟ .
الشعب لم يراهق ولن يراهق , الشعب يريد الحاكم الذي يراعي مصالحه , ولما ليست هناك مصلحة للشعب في حاكم فاسد ومفسد وفاشل , لذا فانه من المستحيل أن يريد الشعب بأكثريته بشار الأسد , صحيح على أن الشعب لايتكلم ولا يكتب في الداخل , والشعب يصفق للقائد الى الأبد , فالكلام ممنوع في سوريا الأسد ! والتصفيق مرغوم في سوريا الأسد , انه جاهل أو يتجاهل , والأسابيع الأخيرة قدمت عينة من مركبات عقل بشار الأسد , فبشار الأسد على سبيل المثال لايعرف شيئا عن البراميل المتفجرة ولم يسمع بها , وبخصوص انكار وجود معارضة يعتمد بشار على نتائج تزويرة استفتاء , أين هي معارضة رئيس نال ٩٨٪ من الأصوات ؟.
ماهي الثورة ومن هم الثوار ؟
الثورة تعريفا هي النقيض للوضع الذي تثور عليه , الثورة هي عدالة لطاما لم يعدل النظام , الثورة هي ديموقراطية لطالما أمعن النظام في ديكتاتوريته , الثورة استقامة لطالما كان النظام اعوج وأعرج , الثورة أخلاق لطالما فقد النظام أخلاقه , الثورة حضارة لطالما أصبح النظام رمزا للانحطاط , الثورة شرعية لأن النظام فقد شرعيته , الثورة علمانية لطالما كان النظام طائفي , الثورة حرية لطاما مارس النظام الاستعباد , الثورة شعبية لطالما كان الحكم فردي ..الخ , وكل ماذكر من قيم الحضارة والحرية والديموقراطية والاستقامة والأخلاق ..الخ هي أمور نظرية افتراضية لطالما لم تصل الثورة الى سدة الحكم ,وقبل ذلك لايجوز تقييم الثورة تقييما نهائيا وانما مرحليا , وما تحقق لحد الآن بالنسبة للثورة السورية هو أمر أكثر من جيد , الثورة ليست نزهة وانما عراك مع ذاتها وعراك مع النظام , والثورة لاتملك مالا ولا ثروات ولا حصانة ولا حقوق ولا جيش نظامي ولا جهاز اعلامي ولا ..ولا .. في الثورة حرب بسبب تباين الوسائل والطموحات بين أطيافها المتعددة , وعلى الثورة أن تنجح في حربها ضد النظام , الذي لايتصف بتحرره وديموقراطيته ولا يتصف بسعيه الى تقدم البلاد , الهيمنة وريعها هو مايهمه , النظام متوحش وفاحش ولا شيئ يردعة عن ارتكاب الاجرام لطالما ابقاه ذلك على الكرسي .
لايجوز تعريف الثورة من خلال طموحات البعض, فالبعض يريدها مثلا اسلامية , وذلك بالرغم من عدم ضرورة ثورة من أجل الاسلام , الاسلام ترعرع جدا في العهد الأسدي , بنيت المساجد ومدارس تعليم القرآن وانتظم الدستور الجديد في صفوف المدرسة الاسلامية (المادة الثالثة مثلا ) , بالرغم من ذلك يعاني الاسلامي من الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية ومن القهر والاستبداد وغياب الديموقراطية والحرية وله الحق بالمطالبة بكل ذلك , ومطالبته بكل ذلك لاتنم عن ازدواجية ,فليس من الضروري أن يكون الثائر المطالب بالديموقراطية ديموقراطي(أدونيس),الانسان يعيش في ظروف قاهرة تجبره على التصرف بعكس مايريد … موظف ذو دخل لايكفيه لأكثر من ثلاثة أيام في الشهر , جاع أولاده فسرق , وممارسة السرقة ضرورة قد تصبح هواية , هل مطالبة هذا الانسان بمكافحة الفساد ازدواجية ؟ مكافحة الفساد لاتقتصر على افتتاح السجون وانما تتطلب العديد من الاجرآت , منها مثلا تأمين دخل منطقي ومناسب لكل مواطن , الجائع سيسرق ولا فائدة تذكر من المواعظ والتنظيرات .
من غير الممكن أن تكون الثورة نقية من الحثالات , ولا يمكن القول على أن الثورة داعشية لأنه هناك فصيل داعشي يحارب الأسد , بل بالعكس لايمكن للثورة السورية أن تكون داعشية , ذلك لأن الثورة “الداعشية” لا تستطيع ازالة نواقص النظام , انها موبوءة بنواقص شبيهة جدا بنواقص النظام , فبين داعش والنظام يوجد العديد من القواسم المشتركة ..منها التنكر للحرية والديموقراطية , ومنها الطائفية , ومنها استخدام العنغف العدمي , ومنها الترهيب عن طريق استخدام المشهدية في ممارسة العنف , وعن التوحش فحدث ولا حرج .. مجازر ومجازر واستباحة للانسان ثم التفنن في اذلاله, فالتشابه البنوي والمسلكي بين داعش والأسدية لايمنع حدوث صدام عسكري بين الداعشية والأسدية ..انها الرغبة الغريزية البدائية الجامحة في التسلط , فلماذا بشار وليس أبو بكر .. ؟انه التنافس على الفريسة ..انها آلية خلافات اللصوص عند تقاسم الغنيمة .
شمولية الرفض للأسدية هي من ايجابيات الثورة السورية , ففي صفوف الثوار نجد العديد من أطياف وفئات الشعب السوري , هناك الاسلامي وهناك الشيوعي ثم المدني والمثقف والرسام والممثل وأستاذ الجامعة ..كلهم يرفضون الأسدية , فالثورة لاتقتصر على فئة واحدة أو حزب واحد أو جماعة واحدة ومتجانسجة , انها لاتمت للانقلاب العسكري من قبل خمسة ضباط بصلة , ولا تمت للحوثية أو لأهل دافور أو جنوب السودان أو البربر أو الأكراد بأي صلة , جامعة وشاملة لمعظم أطياف وفئات الشعب السوري باستثناء أكثرية العلويين , انها بالتالي جامعة لكافة تنافضات وتباينات فئات الشعب السوري , وهذا ماتسميه الأسدية انشقاق وتحاول عن طريق هذا الادعاء دمغ الثورة بدمغة سلبية , الا أن الأمر ليس “انشقاق” وانما تعدد وتباين طبيعي للفئات واحترام الفئات لبعضها البعض , وهذا ما يؤكد قابلية الثورة لممارسة الديموقراطية , فاثورة لها أسس متعددة وليس لها رأس وقائد ابدي أزلي , أما الأسدية الغير مؤهلة أو قابلة لممارسة الديموقراطية فهي عبارة عن رأس جسده مرتزقة , ومن الطبيعي هنا أن يكون الرأي واحد والقرار واحد والهدف واحد , وحدانية القرار والرأي هي من أهم معالم الديكتاتورية , تباين واختلاف الآراء وحترام الاختلاف هو من أهم خصائص الديموقراطية , وثورات الربيع العربي تتميز كلها “بالنفور” من شخصية الزعيم أو القائد , الشعوب في لاشعورها وفي عدم امكانيتها على التعبير أحيانا تمتلك غريزة حب الابتعاد عن الشر , وهل كان الزعماء والقادة العرب الا من أعتى الاشرار ؟.