بقلم:أحمد عمر
***
إذا نفذت “دولة التنظيم” وعيدها فإنّ نصف السوريين سيمشون في الشارع بنصف شارب، بعضهم سيعلق في أذنه بعراً، وبعضهم سيلبس زي النساء، بسبب النذور. ويبدو أنّ دولة التنظيم تدرك هذا لذا فهي تمتنع عن الرد على إسرائيل رأفة بكرامة ما بقي من شعبها، أو بما بقي من كرامة شعبها! دولة التنظيم، اسم مقتبس، مقلوباً ، من “تنظيم الدولة” بعد تصويبه سياسياً، هي الحاكمة في سوريا، وهي تمارس العادة “السورية” مع العدو الغاشم.
أحسن ميشيل كيلو عندما كشف أنّ النظام لا يزال يتصرف كتنظيم سري بعد عقد مؤتمر البعث الأخير في دمشق! السلطة، حكماً وإدارة وقضاء ومخابرات، ومعاهدات بما فيها المعاهدة التي تخلت فيها عن لواء اسكندرون لتركيا الصديقة سابقاً، والعدو الأول حالياً ، كانت كلها من مناسك ممارسة العادة “السورية” داخلياً، وهي الموروثة من أيام ” آلاموت” والصباح والحشاشين. لكن أشهر عادات العصبة الحاكمة السرية عند وقوع العدوان الإسرائيلي “الغاشم” هو الفزع إلى ضباب التعابير والاصطلاحات الغامضة والتهديد “بالرد في الزمان والمكان المناسبين” !
كان السكوت السابق يبرر، بأنّ سورية المقاومة والممانعة، تقاتل عن طريق طرف ثالث هو حزب الله، وتحافظ على معاهدة فض الاشتباك حتى وإن خرقت من طرف العدو عشرات المرات! سورية الأسد تحفظ العهد مع العدو الغادر المغتصب، هل رأيتم وفاء مثل هذا! مع أنها تزيد اسرائيل سكاناً خمس مرات، وليس بها حاجة إلى السلاح الكيماوي الذي ضحت به، على اعتبار أنّ السلاح الكيماوي محرم دولياً و”شرعياً” وخطر على شعبها، و أنّ في سلاح البراميل الكثيرة والصواريخ غنىً وذخيرةً وكفايةً، كما أن سورية العشوائيات لا تحتمل “وخزات” إسرائيلية، لهشاشة بنيتها الصناعية والوطنية، فانقطاع كابل كهربائي يصيب مدناً كاملة بالعمى ، وأنّ الحرب ستعلّق متابعة مسلسل السهرة، أما وأنّ سورية تتدمر، وأنها تحارب 100 دولة بينها دول عظمى مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا فلم لا تضيف إليها العدو الأساسي والوجودي، وتجعلها مائة ودولة، وتضيف الجولان إلى قائمة القرى والبلدات المحررّة مثل الشيخ مسكين والحارة و نوى، وتكذب العذول، أو تخلط الأوراق، كما فعل الرفيق صدام حسين في أواخر أيامه. فمقاتلة رأس الافعى خير من مقاتلة ذنبها.
سبعة اعتداءات إسرائيلية موزعة على سنوات طوال، انتهت كلها برفع تهاني بأسمى آيات “التهديد والاستنكار”، الذي كان يجعل اسرائيل شعباً وحكومة لا ينامون الليل خوفاً! والغريب أنّ الاعتداء دائماً خائب في الإعلام الرسمي، ودائماً يقع على المواطنين الآمنين المسالمين المحبين للمسلسلات الكوميدية وحلويات “رماك الهوى يا ناعم”، ودائماً ينتهي من غير خسائر، فإما أنّ الإعلام السوري يخفي الخسائر، أو أن ّاسرائيل مصابة بعمى الالوان، وتتعمد قصف مجسمات صواريخ اس 300 المصنوعة في استوديوهات هوليود! ولو كان ثمت خسائر، فالويل والثبور وعظائم الأمور. اكتفت المتمنعة في آخر اعتداء، بذكر الاعتداء من غير تهديد هذه المرة! ولعلها أرادت الظهور بمظهر الضحية الكاملة.
في الأفلام العاطفية، تمانع الحبيبة الاغتصاب، وما أن يقبلها الحبيب عنوة حتى تسكر بشهد الرضاب، وتستسلم ويصفق المشاهدون! وكانت دولة التنظيم عقب الاعتداء تدين وتشجب وتقدم شكوى رسمية إلى مكاتب الأمم المتحدة، وقد فعلتها مثل كل مرة بمنتهى الفروسية ! عندما يصبح إيضاح الواضح من القبائح لا بد من اللجوء إلى السخرية. ولهذا اكتظت صفحات الفايسبوك بزفرات السوريين الساخرة: زفرة أولى: واخ عيني.. العدو الإسرائيلي يعتدي على العدو السوري. وثانية: ردَّ العدو السوري على العدو الإسرائيلي بضرب حماة ودرعا وأورشليم الزور والرقة. الجواب ما تراه لا ما تسمعه يا أنتن اليهود. ثالثة: سامحتك سامحتك .. كتير. رابعة: ضرب الحبيب زبيب. خامسة: جبناء.. ردوا مرة واحدة، ولو بمدفع رمضان. سادسة: وفي الحروب نعامة .. عفواً زرافة. سادس: نيران صديقة.. النتائج هي أن سورية الأسد تحولت من دولة خارجية في مرحلة الأمن والاستقرار إلى دولة داخلية في مرحلة الثورة. الزمان السوري المعاصر عائم، الشعب السوري غارق أما في البحار أو في الدماء. عاش الشعب والنظام خارج إحداثيات الزمان والمكان، فتاريخ سورية النظام يمتد حسب إعلامها إلى عشرة آلاف سنة، والمكان هو تحت سقف الوطن.
إسرائيل بلا حدود جغرافية، أما سوريا فبلا حدود دستورية .. “العادة السورية” لا تقضي وطراً، ولا تنجب مولوداً، لا أظن سورياً ناسب مكانه وزمانه يوماً في نصف القرن الماضي. النتيجة عقم. والسوريون يرشحون جنرال القدود الحلبية صباح فخري لمنصب وزير الدفاع، إذ لطالما غنى للحبيبة القاسية: ردي عليه ردي..لنتخيل قنبلة كلور، وليس سارين، تسقط على سكان الجولان “الحبيب” الآمنين الذين يمارسون هواية التزلج على الثلوج في هذا الوقت الحرج من التاريخ! واخ عيني.
*** علي فرزات