نحن مجرد فراغ جغرافي: أرض تحتاج لشعب غير موجود..!
بقلم:فواز غادري
للمعري بيت من الشعر شغل الأدباء وأهل اللغة لزمنه حتى شرحه المعري . يقول :
ست إن أعياك أمري فاحمليني زقفونه
قالوا ومازقفونه يا أبا العلاء ..
قال : أن يحمل أحدهم الآخر ظهرا لظهر ويمشى به إلى الأمام. المحمول يمشي إلى الخلف ووجهه إلى الأمام.
هذا هو حال الأمة العربية. محمولة ظهرا إلى ظهر الغرب ويمشي بها ولأن وجهها إلى الأمام فهي تحسب أنها تمشى إلى الأمام ولكنهم يمشون بها إلى الخلف.
نحن أمة زقفونة يا أبا العلاء . يمشون بنا إلى الخلف ونحسب أننا نمشي إلى الأمام. مازلنا زقفونه يا أبا العلاء منذ ألف عام.
كان للصراع في سورية بعد الواقع الوطني: سنّة الحُلْم و علويي الحكم. انتهت هذه المرحلة. أصبحت اليوم صراع التاريخ ومن عهد علي ومعاوية حتى اليوم . كل شيعي يحسب نفسه عليا بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وكل سني يحسب نفسه ابن عمه معاوية بن أبي سفيان الذي ينافسه . ليس بين جماعة علي من هو بنظافته ونزاهته وصدق إيمانه، وليس بين جماعة معاوية من هو بحلمه وكفاءته. الفريقان يتقاتلان على الدنيا.
إنه صراع الزواني والحرامية. كلاهما في النار إلا من عصم ربك ونزّه يده ولسانه عن الفجر والولوغ بدم الناس والحرمات من هنا وهناك وهنالك وقاتل من أجل الحق والحرية. هؤلاء لهم الأجر.
لم يعد ممكنا مواجهة المشكلات التي طرحها الواقع السوري ببعدين اثنين: قومي، ومذهبي، بامتدادهما الإقليمي في لبنان والعراق اليوم والخليج غدا، بالرؤية والحلول التي أنتجهما الإستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، أو يقظة المشاريع النائمة: القومية والمذهبية، سواء بماتطرحه هذه المشاريع من انقسام وحلول أو بما تحمله من صراعات جديدة تشعل الحرائق وحروبها الأهلية.
على أرض الواقع في سورية يتصارع العنوان القومي: عرب- أكراد، والعنوان المذهبي: سنةـ علويون يستتبعون أنفسهم للشيعة استقواء بها وهم مختلفون.
أيضا على أرض واقع العراق تتصارع العناوين ذاتها بأبعادها القومية: أكرادـ عرب، والمذهبية: سنة- شيعة. ويمتد الصراع إلى الخليج ببعد المذهب: سنةـ شيعة. أما في لبنان فيضاف إلى العنوانين: العنوان الديني: مسيحي مسلم.
وبالرغم من أن الدولة الوطنية الحديثة قد استوعبت كل شرائح مجتمعاتها في الغرب فإنها أخفقت في عالمنا العربي الذي تتعايش أديانه ومذاهبة وقومياته فيما يشبه الإضطرار بحكم فقدان الدولة الوطنية والمشاريع الوطنية للعلاقات.
لا أحد يجهل أن دول المنطقة التي نتحدث عنها اليوم وأعني العراف سورية لبنان الأردن لم تكن دولا من قبل وأنها اقتطعت من الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وأقيمت دولها.
تتصل هذه المناطق من خلال العراق مع دول إسلامية ذات حضور قومي ومذهبي هي إيران تحاول أن ترث الإمبراطورية العثمانية الإسلامية السنية لتقيم امبراطوريتها الشيعية. إنه صراع التاريخ الذي تغذيه المصالح.
نحن أمام شرق أوسط جديد يتمزق ولا أحد يعرف بدائله بعد ولا إلى أين يقوده الصراع عليه من الخارج، أو داخله بين مذاهبه وقومياته.
السؤال الذي يطرحه هذا الصراع ببعديه: الذاتي، والخارجي هو: هل تستطيع الجغرافيا العربية بتقسيماتها اليوم المحافظة على وحداتها السياسية أم أنها مقبلة على إعادة تشكيلها وتقسيمها بأبعادها الجديدة..؟ وأين يتوقف هذا التمزيق.. وهل يبقى عربيا..؟
لم تستطع الدولة العربية في أي إقليم من أقاليمها أن تستوعب مواطنيها بنظامها السياسي المتخلف المذهبي والديني والأسري. إضافة للجغرافيا وموروث التاريخ الذي نوظفه في التقسيم لا في التوحيد.
مازلت أذكر حديثا في احدى الأوراق اللتي وقعت تحت يدي بين أكرم الحوراني وميشيل عفلق وصلاح البيطار حول الوحدة العربية قال فيه أكرم: لو أننا خففنا من حديث الوحدة قليلا لأنني أخشى أننا لن نستطيع المحافظة عليها في سورية لنذهب بها أبعد إلى العالم العربي بمكوناته المختلفة. وقد لايعرف الكثيرون أن الحوراني كان متحفظا ذاتيا وداخليا في موضوع الوحدة مع مصر ويعتبرها وحدة قاد إليها حضور عبد الناصر أكثر من شروطها الجغرافية والموضوعية. وقد أكد الإنفصال فيما بعد هذه الحقيقة.
الثورة السورية والنظام السوري فضحا حقائق المجتمعات العربية وأنها تذهب أكثر إلى الإنفصال والإنقسام منها إلى الوحدة . الوحدة مجرد فكر وحلم. أما التقسيم والإنفصال فهو حقائق المخزون التاريخي من الأديان: يهودي- مسيحي- مسلم، ومن المذاهب: سني- شيعي/ علوي- درزي .. ومن القوميات : عربي ـ كردي … لكل جماعة خلف هذه الأسماء شخصيتها المستقلة ومخزونها الفكري وربما مشروعها الوطني .
صحيح أن اليد الخارجية تلعب وتحرك. ولكنها لاتخلق أو توجد هذه العناصر لأنها موجودة وكانت تتعايش بحكم القوة والدين وهي تتمزق من الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم ، ويزيدها التدخل الخارجي ونقص الوعي الوطني وتاريخها الذي يتم توظيفه اليوم، يزيدها تمزقاً.
إعادة انتاج الشرق الأوسط:
أنتجت الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبرطورية العثمانية عالمنا العربي بحدوده اليوم، وأنتجت الثانية أنظمته وعلاقاته الإقليمية والدولية.
اليوم يعاد إنتاج أنظمته وحدوده وعلاقاته في ضوء مستجدات الواقع الدولي ذهبت فرنسا. انكمشت إنكلترا. تصاعد الدور الأمريكي بديلا من الإثنين. تقدم الدور الروسي لزمن قصير ثم انسحب من الصراع بسقوط تجربته الشيوعية.
اليوم تعاد صياغة علاقات المنطقة بذاتها وجوارها وعالمها المركزي الجديد: واشنطن . يفرض هذا إعادة ترتيب كل شيء، بما في ذلك كثير من الأنظمة الأدوات والرجال والقيادات. هل ذكرت الفكر والمشاريع والأحلام..؟
إذا كانت إعادة صياغة الشرق الأوسط بجغرافيته ودوله هي الهدف الذي انطلقت منه الحرب الأمريكية على العراق فإن هذا الهدف لن يتحقق بين يوم وليلة ولا بالإتفاق . إنه مشروع حروب طويلة تحدد بانتصاراتها وهزائمها، وبعضها مصنوع، حدود دوله القادمة وأنظمته ومشاريع توسعها أو انكفائها وجغرافيتها . هذا يعني ربع قرن من الحروب والهزائم وصراعات الطوائف والكتل البشرية ، وتحدد انتصاراتُها وهزائمُها، في منتصف الصراع ، أهدافها ثم تقيم في نهايته حدودها وأنظمتها وعلاقاتها .
لا أتحدث من خلال تقييم ذاتي لما قد يحدث بل من تقييم أجهزة الرصد وتقييم المصالح وشروط القادم بالممكن. في كل هذا لايغيب المشروع الإسرائيلي ولا البعد الإسرائيلي ولا تمزيق الوحدات الجغرافية العربية تحديدا عن الجديد القادم من الدول الجديدة وجغرافياها وقومياتها وأنظمتها. الأسر الحاكمة وأحزاب المشاريع هي التي ستغيب. الطوائف ونزاعاتها ستحل محلها. رجال الدين سيكون لهم موقع متقدم.. وهم يملأون ساحة العرض بديلا من الأحزاب التقليدية أو أحزاب الأمل. أيضا بديلا من الأسر الحاكمة. لا أتوقع هذا.. بل أُقدر لهذا بربع قرن.
إذن نحن مازلنا في أول الطريق.!
آن أوان البحث في إقامة دولة مدنية موحدة وطنية بديلا من هذا الواقع المهترئ. أو فاذهبوا إلى دول الكانتونات الدينية والمذهبية والقومية دون حروب.
سأقول هذا لأولادي ليحدثوا به أولادهم وأحفادهم القادمين. ربع قرن يعني جيلا ثانيا- ثالثا بعد جيلنا..؟. لاتستعجلوا التسويات والحلول. كلها موقوت بحساب اللاعب الكبير.