بقلم:يوخنا أوديشو دبرزانا
استهلال :
في اجتماع للمؤسسات السياسية والاجتماعية بتاريخ 22 ايار 2014 في مقر المجلس القومي الاشوري في اللينوي طرحت على المجتمعين تساؤلا للمعنيين بالشأن المسيحي بشكل عام والاشوري بشكل خاص ليكون موضوع تقصي واستقراء لموقعنا في اجندة اللعبة الاممية القائمة و بصيغة صريحة هل مسيحيو الشرق بشكل عام و”الكلدان السريان الاشوريين” بشكل خاص مشروع حماية ام برنامج ترحيل ؟
البدايات :
لم يكن جمال عبد الناصر من اطراف مكة اومن الطائف, بل كان من الصعيد المصري حيث يمتزج احيانا صوت الآذان مع دقات اجراس الكنائس في البلدة الواحدة, ناهيك عن المدن الكبيرة وابن مصر وقائدها لم يكن خافيا عليه تاريخها وعراقة المسيحية فيها قبل ان يدخلها الاسلام المتزاوج والمتلازم مع العروبية ويمحي هويتها الفرعونية ولا اعتقده كان جاهلا بتاريخ سوريا ليتنكر لمسيحي سوريا وشعبهاالاصيل (السريان الاشوريين) الذي منح لسوريا تسميتها وخصوصيتها. تجلى ذلك في زيارته للقامشلي.
في عهد عبدالناصر كانت البداية, بداية التمييز الديني والعرقي المموه بالتقدمية الزائفة 1* وعمل به في عهدي صدام والاسد. ألم يسع صدام الى فرض تعليم الديانة الاسلامية على الطلاب المسيحيين ؟ وهل من يتنكر لمذبحة صوريا ومعركة الانفال واعتماد مبدأ الارض المحروقة في القرى الاشورية في الشمال بحجة ضرب الحركة الكردية لتهجيرهم الى الداخل العراقي اما حافظ الاسد فكان الاكثر دهاء ويكفي التذكير ببلدات ومدن الشريط الحدودي في الجزيرة في بداية عهده وانتهاء باحداث حريق سجن الحسكة 2* هل ينسى دوره القذر في محاولة انهاء الحضور المسيحي المميز في لبنان بدء من قتل الشخصيات المسيحية الفاعلة الى ضرب الاحياء الامنة وشراء الذمم الرخيصة ومن يتنكر لذلك انما يتنكر لانسانيته.
اما بشار فقد فاق اباه خبثا حينما خطط لزرع الالغام الموقوتة (حسب تعبير الشهيد معشوق الخزنوي)، بالتعاون مع بعض الاْئمة المواليين للسعودية في لجنة صياغة قانون جديد للاحوال المدنية وذلك في محاولة لتغيير القانون القائم المتعامل به اجيالا واجيال في محاولة لزرع الفتن وتخريب النسيج السوري. حصل هذا قبيل انطلاق الثورة وقد حورب المشروع من قبل الاتحاد النسائي اولاً وبعض الاساقفة وعلماء دين وقانونيين احرار ( وقد لعب الاستاذ ميشيل شماس دوراً هاماً في كشف عنصرية هذا القانون، الذي أعتبر المسيحي ذمي، والغى سلطة الكنيسة على الزواج والطلاق). بشار تراجع عنه مدعياً عدم معرفته بمكونات تلك اللجنة ولهذ السبب مورست كافة الضغوطات على المحامي ميشيل شماس واعتقلت ابنته يارا لتجرؤه في فضح القانون 3* قبل ان يحال الى ما يسمى بمجلس الشعب.
الامتداد:
انه سؤال مشروع وواقعي وبهذه الصيغة الجريئة : من الموصل وزاخو الى صدد واللاذقية ومعلولا هل استوعبنا الرسالة ؟
اعتقد ان التهجير القسري لاهلنا في الموصل(نينوى)، بعد دخول داعش أنسانا التهجير السابق عام 2008 خطف وقتل وتفخيخ وتفجير بيوت والعالم المتحضر صامت لم نسمع احتجاجا من متربوليت موسكو ولا صرخة من بابا الفاتيكان وكاْن الكهنة الشهداء لا يمتون لهم بصلة وتلتها فاجعة كنيسة سيدة النجاة وادم الطفل الملاك وبصرخته الثالوث كفى لم تشفع وبعدها احداث زاخو وسليمانية في اقليم الشمال، وعلى مرأى من القوى الامنية للاقليم الطامح بدولة كردية شرق – اوسطية مثالية أشبه بسويسرا. انها ذات الرسالة التي
القتها طائرة الميغ على ضيعة تل نصري القرية الاشورية الوادعة وعلى بعد امتار من كنيسة العذراءارتقى اليافع نينوس لينضم الى جوقة الشهداء 4*.
ماذا يعني سرقة وحرق كنيسة ام الزنار في حمص مزار المسلمين قبل المسيحيين لاهل حمص ؟
و(صدد) تلك المدينة العتيقة ليست موقعا استراتيجيا مميزا في تلك البادية بقدر ماهي عراقة مسيحية متشبثة بجذورها السريانية، واي كان وراء ماساتها، شلة النظام الفاجر أم كتائب العهر الثوري.
انها الرسالة ذاتها. في (معلولا) تجلت فصاحتها لكون معلولا رمز التجذر وحاضنة التراث، فأن معلولا وكنائسها امتداد لتلك الصومعات المنحوته في جبلها وقفت صامدة بلغتها السريانية الآرامية في وجه كل الغزاة، وقاومت كل الطغاة، اما بشار نال منها بدهاء حيث جعلها هدفا مستباح 5* بتمركز دباباته ومدفعيته حول المدينة، وعلى جوار أديرتها (ديرمارسركيس مثالا)، وكأنه كان على اتفاق مع خصومه. وما حدث ويحدث في اللاذقية من خطف وابتزاز مالي وقتل للمسيحيين خير دليل على ان الطرفين سائران على تنفيذ البرنامج. فاللاذقية نظيفة شوارعها من داعش والنصرة واخواتهما الا انها موسخة وموبوءة بشبيحة النظام وازلامه.
البرنامج اولا ً:
لنكن اكثر جراة ولنتمعن في تسلسل الاحداث منذ عبد الناصر الى بشار وداعش انه التهجير, احيان بنعومة مطلقة (الترغيب)، ومجمع الكنائس العالمي خير دليل، فسبعون بالمئة من مسيحيي العراق هجروا في السبعينيات من القرن الفائت عن طريق هذه المؤسسة. وما تصريح احد قادة الروس ان خمسين الفا من المسيحيين السوريين الارثوذكس تقدموا بطلب الحصول على الجنسية الروسية، ليس الا دعوة إغرائية للتهجير؟ ناهيك عن عروض الدول الغربية عروض فرنسا مثلاً (الام الحنون)، واحياناً بالارغام (الترهيب) كما حدث لمسيحيي لبنان. ياسرعرفات كان صريحا حين قال ان طريق القدس يمر من جونية، أما صواريخ وقذائف مدفعية حافظ الاسد كانت اكثر بلاغة في قصفها للاحياء المسيحية .
موصل عام 2008، وماقبل كانت خالية من داعش وكذلك الدورة وكرادة مريم وغيرها من احياء بغداد . اليوم يقترب اكتمال المشوار (البرنامج)، اليوم نينوى وغداً اين الدور؟
الخليفة وصل، وسؤالنا متى سيصل ميتروبوليت موسكو رئيس اساقفتها؟ أين روسيا العظمى التي طال انتظارها؟ ترى اليست مواقفها ايضا في حماية راس النظام الفاسد مساهمة أخرى في توافد الخفافيش (الدواعش)، وغيرهم من مصاصي الدماء؟ ولن انكر الغباء السياسي لبعض القوى السياسية المعارضة بترحيبها بالجهاديين عابري القارات، متناسية ان احداث الحادي عشر من ايلول المنعطف الرابع في حياة البشرية مطبوعة في الوجدان الاميركي والعالمي وكذلك دماء السفير الاميركي صديق الثورة الليبية لم تجف بعد عن جدران القنصلية في بنغازي.
الحماية أخراً:
هلل بعض مسيحيو الشرق بالدعم الروسي للنظام السوري والتباكي على مسيحيي سوريا ولسان حالهم مقولة (اشوريي هكاري: بانتظار قدوم روسيا) ابشروا روسيا قد وصلت ..! والسؤال متى كانت روسيا غائبة؟ ربما غاب قياصرتها لفترة لكن لم تغب امبراطوريتها. ترى، لم يكن تبنيها للماركسية وريادتها، وتبعية الاحزاب الشيوعية والانظمة المتبنية للشيوعية، حضوراً امبراطورياً قائماً ان لم نتجرأ القول استعمارا قائما بحد ذاته؟
تذكر اخيرا، ميطروبوليت موسكو متباكيا على مسيحيي سوريا متناسيا محنة مسيحيي العراق !!الم تطرد من الموصل عام 2008 الفان وخمسمائة عائلة بين عشية وضحاها؟ اين كان ضمير الميتربوليت وسواه من مسؤولي الكنائس الميسحية من الكاثوليكية الى البرتستانتينية ؟
من مولوتوف وترومان الى لافروف واوباما
في الخمسينات من القرن الماضي طرح مولوتوف وزير خارجية (الاتحاد السوفياتي) مشروعاً لتعديل ميثاق الامم المتحدة، متضمنا احداث قوة عسكرية دولية، للتدخل لحماية الاقليات الاثنية والدينية المتعرضة لاضهادات والمظالم في المنظومة الدولية، لكن الرئيس الاميركي ترومان رفضها، وكان المتوقع ان يحدث ذلك بعد غزو الكويت، وكان الرفض من الروس هذه المرة، فالمشاكل الاثنية والدينية ايام (السوفيات) كانت مكبوتة اكثر، مما كنا نعتقد انها محلولة وبرزت على السطح . بهذا الرفض تلافي روسيا التدخل الدولي في حل مشاكل مجالها الحيوي كالمشكلة الشيشانية مثلا, فاذا أعيد الطرح هذه المرة من قبل الرئيس الاميركي اوباما، سيكون الوزير (الثعلب الروسي) لافروف جاهزا لرفضه .
لن ادخل في حيثيات وتفاصيل مواثيق المنظومة الدولية، والقانون الدولي فكل ما يطرح حاليا من استحداث منطقة محمية دولياً، لابناء شعبنا الكلدان السريان الاشوريين في العراق، هو ضرب من الخيال وحقنة مخدرة لامتصاص المنا آنيا.
اين الحل ؟
في كل ما استعرضته أعود الى سؤالي واقول اذا كانت الغاية من تهجيرنا حمايتنا من الحرب الاسلامية – الاسلامية الشاملة، ونحن لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وكلنا عجز عن توفير البدائل التي لا بد منها, ولسان حالنا يقول: مكره اخاك لا بطل. نعم انها مجزرة بيضاء، لكن على الاقل سنوفر دماء ونشعر بأسى بالغ على اقتلاعنا، وسنبكي تاريخا وتراثا وترابا عشقناه، واحبة وجيرة واصدقاء سنذرف الدموع وستظل اغنية (دافيد ايشا: بيد دارين الخ يا نينوى خليتي…)، أي :ساعود اليك يا نينوى الحبيبة …* عزائنا واملنا بالعودة.
حماية المسيحيين مصلحة اسلامية، وهجرتهم بداية الخراب كما قال فضيلة مفتي لبنان في خطبة العيد. فهل وعي الاسلاميون بشكل عام والعروبيون بشكل خاص هذه الحقيقة ؟ اما اذا كانت الاجندة غير ذلك انا شخصيا اتفق مع الاستاذ ابرم شبيرا، واذهب الى الابعد فلنضم صوتنا الى صوت الاكراد، ونطالب باقليم مستقل ضمن دولة علمانية كردية، معترف بها دولياً، من خلال ميثاق دولي خاص بحمايتنا. لقد جربنا مع العروبة فهذه كانت النتيجة، منذ ايام الخلفاء الراشدين الى يومنا هذا، وحتى العهدة العمرية المتباهين بعدالتها وعدالة صاحبها، لم تكن الا اذلالاً واهانة لانسانية الانسان المسيحي. لقد تلازمت العروبة مع الدين، حتى في اوج طروحاتها العلمانية، واكبر دليل الناصرية والبعث، ويكفي ذكر شعار البعث… ( أمة عربية واحدة ذات الرسالة الخالدة )) فعلى ما يبدو ان العروبة غير مستعدة لفصل تلازمها مع الاسلام انطلاقا من قول الرسول ( اذا ذلت العرب ذل الاسلام ….واذا عزت العرب عز الاسلام)5* .
(اني امنح فرصة للمزايدين وابطال الانترنيت، وبالاخص خريجي اكاديميات الفروع الامنية، في كل من سوريا والعراق لجلدي وصلبي لكن لا يهم ساقول كلمتي وامشي)6*
نعم لنا مع الاكراد تجارب ماساوية، وصفحات سوداء في تاريخ علاقاتنا، منذ احداث 1846 وما تلاها، لكن كان لنا ايضا صفحات بيضاء، فما زال بعض احفاد اشوريي هكاري، يكررون كلمة (بازكا) اي الحليف. ذاك الميثاق العرفي الرائع الذي ساد العلاقات الكردية الاشورية . ولا ننسى كاشوريين، وكنتيجة لاحتكار الكنيسة للغة والالحان لجوء الفنان الاشوري لصياغة الحانه باللغة الكردية، فغنى العاشق الاشوري حبه بهذه اللغة فاثر فيها وتاثر بها. انه دليل التعايش والتمازج الثقافي. لن ادخل في التفاصيل فليستفد كل من الاكراد والكلدان الاشوريين السريان، من تجارب الشعوب والامم المتحضرة اوربا مثلا، ها هي المانيا تتبوء الريادة في المنظومة، رغم تسببها بكوارث ومآسي للدول الاوربية خلال حربين عالميتين، ضحاياها ملايين البشر. انها مصلحة كردية، وذلك لنيل رضى وقبول العالم المتحضر، بالدولة الكردية الفتية النافية عنها اي صفة تزمتية دينية، والشوفينية القومية من جهة، ولافتقار الشرق المتوسط لدولة متحضرة متقبلة للاخر، وكذلك لتجنيبها تداعيات الحرب الاسلامية الشاملة، ومن جهة اخرى، ان تعترف وتقر بحق اي من الكلدان السريان الاشوريين، من المهجرين في اصقاع العالم رعايا وابناء هذه الدولة، وسيكونون سفراء لها في دول الاغتراب. من مصلحة العالم المتحضر قيام دولة قوية علمانية قادرةعلى التوفيق بين الديمقراطية والتوزيع العادل للانتاج لضمان استقرارها مما يسهل سبل التعامل معها.
وأخيرا أناشد
اناشد اولا، وادعو المسلمين بشكل عام، والاخوة العرب بشكل خاص، الى ثورة منهجية على مسلمات خاطئة غير متماشية، وروح العصر الذي نعيشه . ادعو الاخوة لبناء جسور الثقة والتفاهم بتشريعات ارضية ضامنة لحقوق الجميع، انه زمن التواصل والاخاء الانساني. وهذه الاوطان تتسع لجميع مكوناتها الاثنية والدينية ولم تكن يوما حكرا لفئة معينة .
اناشد كذلك، مؤسساتنا السياسية اولا والكنسية ثانيا، لدراسة الحالة بواقعية والاستعداد لكل الاحتمالات والعمل يد بيد بروح اخوية صادقة للخروج من الازمة في اسوء احتمالاتها باقل الخسائر. العالم غير مكترث على ما يبدو، وسائر في مخططه ،فالقضاء على داعش لا يحتاج الا لقرار اممي، كقرار تحرير الكويت ويكلف القوة العسكرية للحلف الاطلسي وروسيا ساعتين عمل لا اكثر وستكون سهول سوريا والعراق حيث زخمه، مقبرة التنظيم الا اذا كان بقاء هذا التنظيم ضرورة لحين.
اثمن عاليا دور كل المؤسسات في المسيرات الاحتجاجية في مدن وعواصم العالم, نعم انها صرختنا، وليس من غيرنا لصرختنا سامع الآن مع الشكرلكل المتعاطفين . آن الاوان لبداية صياغة مزمورنا الخاص، وحلم العودة دافع للعمل البناء، ونحن ايضا بحاجة لتلك الثورة المنهجية في بعض من مسلماتنا الخاطئة لنكون على موعد مع نبوءة 2050 لشاعرنا المرحوم لنينوس آحو. وليبقى حلمنا الاسمى بعودة الامن والسلام لربوع اوطاننا لتكون بيتا للجميع دعائمه العدل والمساواة وسقفه الحرية.