لاعنتريات ولا بندريات !

بقلم:جورج بنا

خطب الرئيس بشار الأسد  أو بالأحرى قراءة هذه الخطب لكاتبتها  بثينة شعبان  هو أمر تاريخي  , فتاريخ سوريا الجديد جدا بدأ بخطبة القسم  , حيث قرأ  السيد  الرئيس  أمام   المحتفين بولايته الثالثة  ماكتبته بثينة  من  عبر  وحكم  بطلاقة  من لايميز بين الفاعل والمفعول به  ,في تطوير ابداعي للغة الضاد   فتح الرئيس الفاعل وضم  المفعول به  وأهمل فاعلية حرف الجروقواعد المعطوف والمعطوف عليه  , في مقولة لاعنتريات ولا بندريات  يعطف الرئيس بندر على عنتر  وذلك بحرف الواو,  لم يتقيد الرئيس بأحكام قواعد  اللغة العربية  “قراءة” ناهيكم عن  عدم  التزامه “كتابة”  , الا أنه يجوز للرئيس  ما لايجوز لغيره  , انه المعيار  وما يتمنطق به  صحيح  حتى ولو اعترض سيبويه عليه .

قصد الرئيس بعبارة   لاعنتريات ولا بندريات  انه  ليس كعنتر  ولايشبه بندر , لايريد أن يكون كعنترة  , ولا يريد  أن يكون كبندر بن  سلطان , يريد أن يكون موضوعي وواقعي ومنطقي  اضافة الى كونه علماني حتى النخاع  واشتراكي  ثم قدوة في الديموقراطية  , ثم  انه  بنفيه  كونه كعنتر  يريد الاجابة على  اتهامه بالعنترة كما جاء على لسان شاعر عراقي   بقصيدة جميلة , حيث شبه   الشاعر أحمد مطر بشاربعنتر   قائلا :

مقاومٌ بالثرثرة

ممانعٌ بالثرثرة

له لسانُ مُدَّعٍ..

يصولُ في شوارعِ الشَّامِ كسيفِ عنترة

يكادُ يلتَّفُ على الجولانِ والقنيطرة

مقاومٌ لم يرفعِ السِّلاحَ

لمْ يرسل إلى جولانهِ دبابةً أو طائرةْ

لم يطلقِ النّار على العدوِ

لكنْ حينما تكلَّمَ الشّعبُ

صحا من نومهِ

و صاحَ في رجالهِ..

مؤامرة !

مؤامرة !

و أعلنَ الحربَ على الشَّعبِ

و كانَ ردُّهُ على الكلامِ..

مَجزرةْ

فالرئيس يصول ويجول حسب رأي  الشاعر أحمد مطر  في  شوارع الشام كسيف عنترة  ,اضافة الى أن  أتباعه  يدعون على أنه  كسيف ذو الفقار …. لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا بشار  …, والخلاصة هي أن الرئيس يتعنتر   بالرغم من رفضه العنترة , وبذلك تتحقق به معالم “الانفصامية ”  التي أكدتها مسلكياته  الأخرى , انه لاير الواقع كما هو , وانما كما تراه مخبلته وأحلامه , وبناء عليه فان مانراه اليوم  في سوريا ليس الا  نتيجة حتمية   لقيادة البلاد من قبل  مريض , فكيف لنا والحال كذلك توقع غير مانراه  هذه الأيام.

ليس العنترة   هي المرض الوحيد  الذي ألم بالسيد الرئيس , فالسيد الرئيس  مصاب  بمرض  “انتفاخ الأنا”  , فهو لايريد أن يكون كبندر , ولماذا  ياترى  ؟؟؟ هل القى الأسد بشار  نظرة تأملية على ماجنت يداه  , وهل يدرك  معنى مقتل مئات الألوف من البشر ببراميله  وسجونه  ثم تشريد نصف الشعب السوري  بين نازح ولاجئ ؟, وهل يدرك الانفصامي دلالات ملاحقته من قبل  القضاء العالمي ؟ , انه لايدرك  شيئا من هذا القبيل  لأنه منتفخ  “الأنا” ولا يرى من شدة انتفاخه  الا نفسه ..لايرى في ذاته  الا  الممانع  والمقاوم  , الا أنه  لاير  فراغ  ممانعته ومقاومته  من  أي مقاومة أو ممانعة  , ولا يسأل نفسه ذات يوم  عن نتائج مقاومته وممانعته  , فأين هي الأمتار التي  استرجعها من المحتل  عن طريق مقاومته وممانعته ؟  لو  أدرك  الدرك المنحط الذي  وصلت أيه البلاد تحت قيادته الحكيمة لانتحر.

 من يتحدث عن الشاعر أحمد مطر  , لايستطيع الا  تذكر شاعر آخر هو نزار قباني  ,   وهؤلاء جميعا هم من  قوم  الهاربين من الديكتاتوريات  , ملاذهم الاخير كانت لندن  حيث عاشوا   وكتبوا  وماتوا ( قصة وفاة  أحمد  مطر  كانت على الأرجح اشاعة !!!)  ,  ولا أعرف سببا وجيها  لاستحضار  شخصية  عنترة  والصاقها  بالأسد الا الاستهزاء بالأسد , فعنترة كان حقيقة  شاعر كبير  وفارس مغوار , أما  رئيسنا  فلا هذا ولا ذك , حديث نزار قباني عن العنتريات  ففي قصيدته  حول الشقة المفروشة قال نزار قباني :

هـذي البـلاد شـقـةٌ مفـروشـةٌ ، يملكها شخصٌ يسمى عنتره

يسـكر طوال الليل عنـد بابهـا ، و يجمع الإيجـار من سكـانهـا ..

و يطلب الزواج من نسـوانهـا ، و يطلق النـار على الأشجـار …

و الأطفـال … و العيـون … و الأثـداء …والضفـائر المعطـره …

هـذي البـلاد كلهـا مزرعـةٌ شخصيـةٌ لعنـتره …

سـماؤهـا .. هواؤهـا … نسـاؤها … حقولهـا المخضوضره …

كل البنايـات – هنـا – يسـكن فيها عـنتره …

كل الشـبابيك عليـها صـورةٌ لعـنتره …

كل الميـادين هنـا ، تحمـل اسـم عــنتره …

عــنترةٌ يقـيم فـي ثيـابنـا … فـي ربطـة الخـبز …

و فـي زجـاجـة الكولا ، و فـي أحـلامنـا المحتضـره …

مـدينـةٌ مهـجورةٌ مهجـره …

لم يبق – فيها – فأرةٌ ، أو نملـةٌ ، أو جدولٌ ، أو شـجره …

لاشـيء – فيها – يدهش السـياح إلا الصـورة الرسميـة المقرره ..

للجـنرال عــنتره …

فـي عربـات الخـس ، و البـطيخ …

فــي البـاصـات ، فـي محطـة القطـار ، فـي جمارك المطـار..

فـي طوابـع البريـد ، في ملاعب الفوتبول ، فـي مطاعم البيتزا …

و فـي كل فئـات العمـلة المزوره …

فـي غرفـة الجلوس … فـي الحمـام .. فـي المرحاض ..

فـي ميـلاده السـعيد ، فـي ختـانه المجيـد ..

فـي قصـوره الشـامخـة ، البـاذخـة ، المسـوره …

مـا من جـديدٍ في حيـاة هـذي المـدينـة المسـتعمره …

فحزننـا مكررٌ ، وموتنـا مكررٌ ،ونكهة القهوة في شفاهنـا مكرره …

فمنذ أن ولدنـا ،و نحن محبوسون فـي زجـاجة الثقافة المـدوره …

ومـذ دخلـنا المدرسـه ،و نحن لاندرس إلا سيرةً ذاتيـةً واحـدهً …

تـخبرنـا عـن عضـلات عـنتره …

و مكـرمات عــنتره … و معجزات عــنتره …

ولا نرى في كل دور السينما إلا شريطاً عربياً مضجراً يلعب فيه عنتره …

لا شـيء – في إذاعـة الصـباح – نهتـم به …

فـالخـبر الأولــ – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …

و الخـبر الأخـير – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …

لا شـيء – في البرنامج الثـاني – سـوى :

عـزفٌ – عـلى القـانون – من مؤلفـات عــنتره …

و لـوحـةٌ زيتيـةٌ من خـربشــات عــنتره …

و بـاقـةٌ من أردئ الشـعر بصـوت عـنتره …

هذي بلادٌ يمنح المثقفون – فيها – صوتهم ،لسـيد المثقفين عنتره …

يجملون قـبحه ، يؤرخون عصره ، و ينشرون فكره …

و يقـرعون الطبـل فـي حـروبـه المظـفره …

لا نجـم – في شـاشـة التلفـاز – إلا عــنتره …

بقـده الميـاس ، أو ضحكـته المعبـره …

يـوماً بزي الدوق و الأمير … يـوماً بزي الكادحٍ الفـقير …

يـوماً عـلى طـائرةٍ سـمتيـةٍ .. يوماً على دبابة روسيـةٍ …

يـوماً عـلى مجـنزره …

يـوماً عـلى أضـلاعنـا المكسـره …

لا أحـدٌ يجـرؤ أن يقـول : ” لا ” ، للجـنرال عــنتره …

لا أحـدٌ يجرؤ أن يسـأل أهل العلم – في المدينة – عن حكم عنتره …

إن الخيارات هنا ، محدودةٌ ،بين دخول السجن ،أو دخول المقبره ..

لا شـيء فـي مدينة المائة و خمسين مليون تابوت سوى …

تلاوة القرآن ، و السرادق الكبير ، و الجنائز المنتظره …

لا شيء ،إلا رجلٌ يبيع – في حقيبةٍ – تذاكر الدخول للقبر ، يدعى عنتره …

عــنترة العبسـي … لا يتركنـا دقيقةً واحدةً …

فـ مرة ، يـأكل من طعامنـا … و مـرةً يشرب من شـرابنـا …

و مرةً يندس فـي فراشـنا … و مـرةً يزورنـا مسـلحاً …

ليقبض الإيجـار عن بلادنـا المسـتأجره

رئيس هذه البلاد  متعنتر  وليس بعنتر , كما أنه ليس لرئيس هذه البلاد  الحق  في التكبر على أحد  ,  حتى على بندر ..حتى على أبو بكر  ..اته المعلم كما يدعي أتباعه .  هل هو معلم في الاعمار  ؟ أم أنه معلم  في  ضمان حريات الناس   وفي تحقيق العدالة الاجتماعية  , هل هو معلم  في الديموقلااطية  , بدون شك أنه معلم الفساد والطائفية والديكتاتورية والاجرام ..معلم في سرقة البلاد  وتجميع المليارات, ..هذي البلاد كلها مزرعة شخصية لعنترة…!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *