لم يعد حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” بحاجة إلى تورية لتغطية مشاركته في الحرب على الشعب السوري، التي يديرها حلف الممانعة، فالأمور تكشفت وباتت من الشفافية والوضوح بما لايمكن معه الإفادة من حالة النكران والتواري التي مارسهما الحزب وزعيمه طوال السنتين الماضييتين. الجنازات كانت خير إنباء من ألف خبر وتقرير، وقد توزعت على كامل جغرافية البيئة الوالية للحزب، كما ان طبيعة الوظيفة الملقاة على عاتق الحزب، في المقتلة السورية، باتت تحتم عليه كشف الاقنعة عن وجهه والظهور الصريح والعلني، وخاصة بعد أن تبين أن إنتشار يغطي كامل التراب السوري من أقصاه إلى أقصاه، وللقارئ أن يقدر الرقم الحقيقي لعناصر الحزب المنتشرين في سورية بما يتجاوز عشرات الألاف، في حين قامت الدنيا ولم تقعد على مشاركة ما بين ثلاثة إلى خمسة ألاف مقاتل متعاطفون مع الثورة، بإعتراف الخصوم قبل الأصدقاء. إذأ، القضية ليست قضية قرى لبنانية داخل سورية، وهي ذريعة تكاد تلامس الأحجيات، حيث أننا كسوريين لم نكن قادرين على فهم هذا الأمر. كذلك ليست قضية مزارات وعتبات مقدسة” السيدة زينب” وسواها من مئات الأضرحة والمقامات الموجودة في سورية منذ مئات السينين ولم تظهر للوجود مع إنطلاقة الثورة الثورة السورية؟. المسألة بإختصار، وحسب أخر تخريجات زعيم الحزب، أنه لن يسمح بسقوط حليفه بدمشق، ولن يدع سورية تسقط في إسرائيل وأميركا والتكفيريين!. من الواضح هنا أن نصر الله تعمد هذه العبارة التي تطوي في مضامينها العديد من المفاهيم والدلالات والإشارات. لقد تقصّد نصر الله إتهام الثورة السورية بأنها ثورة لا وطنية وأن غايتها الوحيدة جلب سورية للحضن الإسرائيلي والأمريكي، طبعاً ذنب الشعب السوري الوحيد هنا أنه ثار على ظلم وفساد بشار الأسد وطغمته وحاشيته، وهي موبقات يعرفها القاصي والداني، إضافة إلى كون السوريين لم يتركوا باباً أو وسيلة إلا وجربوها من أجل إقناع حكومة أل الاسد وجماعتهم بالتخفيف من حدة إستهتارهم بكرامة السوريين، وما كانوا يزدادوا إلا صلفاً وعنجهية. كلام نصر الله ليس جديداً، فهو يغرف من إناء مفاهيم ومصطلحات حلفه الممانع، قبل أيام ” وبمناسبة مؤتمر إسامي” تحدث معلمه الخامنئي من طهران، عن مؤامرة الشعب السوري على بلده ومشاركة أشقائهم العرب في ذلك!، لكن الغريب أن الصبي ومعلمه يتعمدان إغماض العين عن المقتلة السورية، ربما لأن ضحاياها ليسوا من أحفاد أل البيت القرشيين، الذين إكتسبوا الجنسية الفارسية في أخر الزمان!. أما عن تعمد نصر الله الإشارة إلى أنه يحارب التكفيريين في سورية، فهو أراد من وراء ذلك ذر الرماد في عيون الرأي العام الموالي له، والذي يقدم له الدعم والحاضنة، ليقنعه بأن السوريين شعب يستحق الذبح والقتل لأنهم مجموعة من الهمج التكفيريين الخطيرين، ووليسوا شعبا حضاريا قام بانتفاضته للتحرر من الهمجية التي يمثلها حليفه المذهبي بعد قهر وإذلال على مدى 43 عاما.
ولا تبدو خافية على أحد هذه التقنية في الخطاب السياسي، الهدف منها شيطنة الطرف الأخر لتبرير قتله وذبحه بمختلف الوسائل وبدون رحمة أو إختلاج ضمير، ببساطة، السورييون حسب توصيف نصرالله يمكن تصنيفهم في ثلاث مجموعات لاغير:
– مجموعة خونة وعملاء كل هدفهم إطاحة نظام وطني ومقاوم، خدمة لأهداف وغايات الصهيونية والإمبريالية، وهؤلاء يتوجب قتالهم وذبحهم بسبب سقوط الشرعية الوطنية والأخلاقية عنهم، فالخائن وحسب كل القوانين والشرائع منبوذ ومهدور دمه.
– مجموعة تكفيرين وظلاميين، وهؤلاء بشر من خارج سياق العصر ويتوجب قتالهم وذبحهم درءاً لأخطارهم وحماية المكونات الأخرى من شرورهم، ولا يحتاج قتلهم لإذن من أحد بإعتبارهم هاجس السياسة الدولية وأرقها الدائم. – المجموعة الثالثة هم عوام الشعب السوري، وهؤلاء لا يعدون أن يكونوا مجاميع من السذج والبسطاء الذين لا يعرفون أين تقع مصلحتهم، لذا تصبح الوصاية عليهم واجبة، ومن خير من أركان حلف الممانعة للقيام بمهة الوصي؟. وخلاصة الكلام أن نصر الله الذي إنحدر إلى مستويات متردية من المذهبية والإنحياز، يعلنها صراحة أنه ينحاز إلى حليفه المذهبي بشار الأسد، ويهدد ويزبد بأنه لن يسمح بإسقاطه وإستلام السنه السوريين للسلطة، طالما هم خونة وظلاميين وسذج، تلك كانت أخر تجليات نصرالله بعد غيبة طويلة في نفق المقاومة والعروبة؟. وقد لايشكل إصطفافه إلى جانب حليفه المذهبي مشكلة للسوريين، إذ أن بشار الأسد يقف وراءه حلفاء أقوياء يدعمونه، وهذه كلمة الصدق الوحيدة في خطاب نصر الله، لكن الإشكالية تكمن في نمط الإستهتار بشعب” لن نقول أنه عظيم وجبار وسواها من مواصفات الفخامة والنرجسية، لكنه على الأقل شعب بنى وعلّم وصنع وصبر وحلم، مثله مثل كل شعوب الدنيا، ويعرف كيف يحب بلده ويعشق فلسطين التي قدم لها قوافل الشهداء، هذا الشعب أكثر وطنية وعروبية ونضالاً من حسن نصرالله الذي لا يعدو، وبإعترافه هو نفسه، أن يكون سوى جندياً في مشروع الولي الفقيه الإيراني.