بقلم: حازم صاغية
ليست كارثة حمص الأخيرة غير فصل من فصول المأساة التي أطلقها وجود نظام كالنظام السوريّ. والحال أنّ كوارث هذا النظام الذي يدمّر شعبه وبلده، بدأت تتعدّى سوريّا إلى جوارها، لا سيّما لبنان.
يكفي النظر، إذا ما وضعنا جانباً مسائل أخرى كثيرة، إلى مسألة التهجير ووصول عدد المهجّرين واللاجئين السوريّين إلى لبنان إلى مليون ونصف المليون، أي إلى أكثر من ثلث اللبنانيّين مجتمعين.
فهذا الوضع غير الطبيعيّ قد ينقل الاحتراب والتنازع، لا إلى اللبنانيّين والسوريّين فحسب، بل أيضاً إلى طوائف اللبنانيّين أنفسهم. وإذا صحّت التقديرات التي تقول إنّ الكثيرين ممّن يُهجّرون لا يعودون إلى البلدان التي هُجّروا منها، وهناك تجارب سابقة تدلّ إلى ذلك، فهذا يعني العيش طويلاً مع تأزّم عميق ومفتوح.
لقد حالت الأصوات العنصريّة المناهضة للسوريّين ولكلّ “غريب”، وكذلك الأصوات التي تذهب في تماهيها مع الثورة السوريّة إلى تجاهل المشكلة، دون طرح التحدّيات الجدّيّة الملقاة في وجوه اللبنانيّين وتركيبة مجتمعهم واجتماعهم واقتصادهم.
لكنّ شيئاً واحداً ينبغي قوله في هذه الغضون، وهو إذا ما قيل صوّب الطريقة التي تُناقَش المسألة فيها، كما خفّف الاحتقانات التي تحفّ بنقاش كهذا.
والمقصود تحديد المسؤوليّة عمّا حصل، والإقرار بأنّ نظاماً كنظام بشّار الأسد هو المسؤول الأوّل إن لم يكن الحصريّ. ذاك أنّ هذا النظام قادر، بحكم تكوينه، على إنزال الأذى بجرعات هيوليّة وعلى نطاق جغرافيّ يتعدّى حدوده الوطنيّة.
هكذا يتبدّى أنّ كلفة النظام المذكور، وامتداداً لها كلفة إطاحته، لا تقلّ عن تحوّل يكاد يكون من طبيعة جيولوجيّة، تحوّلٍ قد يطال المشرق العربيّ برمّته. وهذا ما جعل الثورة السوريّة ذات تداعيات أعمق وأوسع نطاقاً بكثير من تداعيات الثورات العربيّة الأخرى في سائر بلدانها. فتبعاً لطبيعة النظام السوريّ نفسه، في كبته قضايا الشعوب والجماعات، وقفزه فوق الحدود الوطنيّة، وصايةً على اللبنانيّين ومصادرةً لقرار الفلسطينيّين وتمريراً للإرهاب إلى العراقيّين، إنّما أُسّس لسيولة مدهشة في حركة الأزمات وفي انتقالها من مكان إلى آخر. وفي المعنى هذا يأتي الخلط الراهن للاجتماع المشرقيّ، بما فيه من احتمال دفع الجماعات إلى صراعات مفتوحة، بمثابة الوجه الآخر للسياسات التي جسّدتها عناوين “وحدة المصير والمسار” و”الشعب الواحد في دولتين”.
فاللبنانيّون قد يندفعون، تحت وطأة التحوّلات السوريّة، إلى مفاوضة اجتماعهم السياسيّ مجدّداً. لكنّ المؤكّد أنّ ثمّة درساً غنيّاً جدّاً لا بدّ من استخلاصه لبنانيّاً، هو أنّ تأييد الاستبداد في سوريّا لا تقتصر نتائجه على تدمير السوريّين وبلدهم، بل تطرح أيضاً تدمير اللبنانيّين وبلدهم كأفق محتمل.