ماذا عن ‘ممانعة إسرائيل’ و’حماية الأقليات’ عند الأسد؟!

بقلم :سليم البيك

عربياً، بُنيَ الخطاب الإعلامي لنظام الأسد على ركيزتين: ممانعة إسرائيل وحماية الأقليات. ركيزتان لا بدّ أن تشملهما أي حجّة يتلفّظ بها أي موالٍ لهذا النظام، بغض النظر عن موضوع الجدال.
بالنسبة للأولى، فقد صارت مفردة ‘الممانعة’ نكتة سمجة، ما جعلها متداولة على ألسنة معارضي النظام في وقت تكاد فيه تختفي عن ألسنة الموالين (اختفت تماماً عن شاشاتهم)، لتفريغها من مضمونها المفتعل والمدّعي أولاً ولتكشّف معناها الحقيقي منذ بدايات الثورة ثانياً، وازداد هذا التكشّف، أو التعّري أو الانفضاح، مع تقدّم الثورة، مروراً بقصف النظام لمخيم اليرموك قبل أكثر من عام، إلى حصار المخيم وتجويع أهله وقتلهم فوق ذلك قصفاً، هم وأبناء مخيمات أخرى منها خان الشيح الذي هدّمته البراميل. نضيف على ذلك كله حالات الاعتقال العشوائية والمنظّمة لنشطاء مدنيين ومسعفين وفنانين ومثقفين فلسطينيين، عدا عن ألوف الفلسطينيين العاديين غير العارفين بأسباب اعتقالهم كمئات الألوف من السوريين منذ اليوم الأول للثورة.
أضف على ذلك مجمل ممارسات النظام وتبرير إعلامه لها ولَي عنق الحقيقة لتناسب هذه السياسة، وهذا القصف والحصار والقتل تعذيباً، لتناسب ‘ممانعة إسرائيل’، العنوان الذي ما يزال حتى يومنا هذا يبرّر به إعلامُ النظام، السوري منه واللبناني، جرائمَ الحرب التي يرتكبها بحق السوريين والفلسطينيين.
قد نضيف على ذلك حقائق قديمة متجدّدة كأن يكون النظام فعلاً الحامي الأكثر إخلاصاً وتفانياً لحدود إسرائيل، وكأن نقرأ عن مصادر أمنية إسرائيلية ما يفيد بضرورة بقاء النظام حرصاً على الأمن القومي الإسرائيلي، وكأن تحرص مؤسسات الدولة العبرية الخبيثة على ضرب صيت الثورة ودعم ‘ممانعة’ الأسد لها، كونها ممانعة تقتصر على خطاب إعلامي تمارسه قنواتٌ بتكرارٍ علّنا نصدّقه. وغيرها مما يمكن تسميتها بسياسة ‘حكّلي تأحكّلك’ بين النظام السوري ودولة الاحتلال.
بعد أن انفضح الخطاب الإعلامي لهذا النظام في ما يخص ‘الممانعة’، من خلال السياسات التحريرية الدعائية الرثّة ‘لألسنة حاله’ كقنوات ‘الإخبارية السورية’ و ‘الميادين’ وغيرها من غير الممانعة بضرب الفلسطينيين كما السوريين، تكشّفت أكثر كذلك منذ أيام ادعاءات النظام بحماية الأقليات فيسوريا، وهي الركيزة الثانية التي حاول النظام، مخاطباً العرب قبل غيرهم، أن يبرّر بها بقاءه.
بعد فضيحة قنوات موالية للنظام كـ ‘الجديد’ وتابعة له كـ ‘الميادين’ في اللقاءات التي أُجريت مع راهبات معلولا حالما تم الإفراج عنهن، محاولين إجبار الراهبات على التلفّظ ولو بكلمة تسيئ لجبهة النصرة، أو بعبارة شكر لجيش النظام السوري، وبعد عدم انجرار الراهبات لذلك وحمدهنّ بـ ‘استضافة النصرة’ لهن (أؤكد على أن الخطف بحد ذاته جريمة)، ثم بعد ذلك ما تمّ من تخوين للراهبات في النسخة السورية من إعلام النظام، ‘سما’ و ‘الإخبارية السورية’، لم يعد هنالك ما يمكن أن يثرثر به كثيراً هذا الإعلام بخصوص حماية المسيحيين، وتحديداً بعد ظهور موالين للأسد على قنوات سورية موجّهين كلامهم للراهبات كأنهن في سوريا، الملكية الخاصة لآل الأسد وأتباعه، ضيوفاً وكان لا بدّ من ترحيلهن بعد أن أنكرن جميل الأسد وحسن استضافة نظامه لهنّ، لا كغير سوريات، فهن كذلك، بل كمسيحيات.
اليوم نشاهد تقارير تلفزيونية عن التركمان في سوريا، من بينها كان تقرير لقناة ‘أورينت نيوز′ ينقل تهديد موالين للنظام (الشبيحة) للسوريين التركمان ‘بإبادتهم وطردهم من سوريا’. نعود للفكرة ذاتها وهي أن البلد ملكية خاصة لآل الأسد وأن أهالي البلد ليسوا سوى طارئين عليها، ليسوا سوى ضيوف عند آل الأسد الذي يطردهم (إن لم يقتلهم) ما إن أساؤوا التصرف في ضيافة الأسد ونظامه، وليست هذه بفكرة جديدة على المجتمع السوري الذي أُجبر على تعوّد سماع وقراءة ‘سوريا الأسد’ أينما حل داخل الحدود السورية. هذا كلّه عدا عن تشكيل كتائب تركمانية مقاومة للنظام على غرار كتائب الجيش الحر، وموقف التركمان السوريين من النظام، هم بالنهاية سوريون وقع ويقع عليهم ما وقع ويقع على باقي السوريين المحكومين بنظام هو الأشد وحشية في السلم كما في الحرب.
أضف على ذلك كله أن الكثير من العلويين بدأت (متأخرين) تتكشّف لديهم حقيقة أن الأسد غير قادر وغير معني بالأساس على أن يكون حامياً لهم، لكن ممن؟ ولماذا أساساً؟ الكثير من العلويين وعوا مؤخراً إلى أن النظام خطفهم كرهينة في السنوات الثلاث الأخيرة تحديداً، وأنه تسبّب بهذا الخوف لديهم من التكوينات الاجتماعية الأخرى في سوريا، من طوائف وعرقيات، وأنه احتاج تخويفهم وعزلهم عن باقي هذه التكوينات.
كذبة حماية حتى الطائفة العلوية، دون غيرها بدأت تتكشّف مع بدء معارك الساحل بين الجيش الحر وجيش النظام، ليس لأن الأخير ما استطاع حمايتهم من الأول، بل لأن الأول، أي الجيش الحر، غير معني بالتعرض للعلويين، غير معني بالانجرار للمعادلة/الكذبة التي حاول النظام وإعلامه إيهام العلويين وكل السوريين والعرب بها، أنه حامي الأقليات، حامي العلويين. أرجع وأسأل: ممن؟
التخوّفات الآن هي أن يضرب نظام الأسد، جيشاً وشبيحة، أهالي الساحل من علويين وتركمان وغيرهم، لمبرّر واحد هو أنها الفرصة الأخيرة التي يمكن أن يعطي فيها نفَساً أخيراً لكذبة حماية الأقليات، لتحكي آلته الإعلامية الدعائية عن: انظروا ما الذي حصل بالعلويين والأقليات بعدما دخل الإرهابيون الساحل؟ هي السياسة ذاتها بالمناسبة كلّما دخل الجيش الحر أو تنظيمات غيره إلى مناطق تواجد فيها أقليات. جيش الأسد يضرب وإعلام الأسد يتّهم ويمهّد، ثم ليضرب جيش الأسد المكان بمن فيه.
ليست هذه إلا نقاطا سريعة مبنية على أخبار الأيام القليلة الماضية، قليل من التأني ومساحة أوسع قليلاً ستسمح بلائحة طويلة لانفضاح كذبتَي ‘ممانعة إسرائيل’ و ‘حماية الأقليات’.

أردوغان يعادي ‘تويتر’ و’يوتيوب’

لا يمكن لأي نظام قمعي إلا أن يضيّق (إيده وما تعطي) على الإعلام، صحفاً وتلفزيونات، وانترنت حيث اجتمعت الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، مضاف عليها وسائل الإعلام الجديد من ‘تويتر’ و ‘فيسبوك’ و ‘يوتيوب’..
ومدى قمعية أي نظام يمكن (بكل أريحيّة) قياسها بمدى عدائها لهذه الوسائل، ويمكن تلخيص ذلك كله بمدى عدائها للإنترنت. لكن الحديث هنا ما زال محصوراً بأنظمة اقتصرت ممارساتها على القمع والاعتقال والفساد والاستحواذ على الدولة كملكية خاصة، وهو حال نظام الأسد ما قبل الثورة، حيث كانت سوريا غائبة تماماً عن ‘الفيسبوك’ و ‘تويتر’ و ‘يوتيوب’ التي حظرتها الدولة (كما كانت وما تزال تحظر ‘القدس العربي’)، وأذكر أني وكلّ من أراد الدخول إلى أي من هذه المواقع كان يلجأ حتماً لطريقة ‘يكسر بها البروكسي’.
اليوم حكومة أردوغان في تركيا تخنق لا وسائل الإعلام جميعها فحسب، بل تخنق المجتمع التركي وشبابه بقرارها بحظر ‘تويتر’ و’يوتيوب’. باتت وسائل الإعلام الجديد متنفّساً سياسياً واجتماعياً لا بدّ منه لكل المجتمعات النشطة، باتت وسيلة المعارضة الأشد تأثيراً، ولاحقاً فتكاً، وليس حظرها من قبل أي حكومة أو نظام إلا خطوة أولى لا لإسقاطها ولا لإسقاط وسائل الإعلام كافة، بل لإسقاط الحكومة ذاتها. فليس في كتم الصوت إلا ترقّب الكاتم لصرخة ستودي به.
لستُ مع أي نظام حكم ديني، لكني ومع ذلك أقرّ بأن الحكومة التركية كانت الأكرم في استضافة اللاجئين السوريين، وكانت الأقرب من حيث السياسة والدبلوماسية لثورة الشعب السوري، لكني ومع ذلك لن أتفهّم أن تحظر هذه الحكومة وغيرها وسائل إعلام، وتحديداً اجتماعية وحرة ومجانية كوسائل الإعلام الجديد التي أتت بمفردة جديدة إلى معاجمنا هي ‘الصحافي المواطن’.
ما زلت أتحدث هنا عن نظام اكتفى بالقمع والتضييق على الصحافة والحريات، أقول ذلك لأني أُفحمت بآراء لممانعين قالوا إن الأسد (بجلالة قدره) لم يرتكب إثم أردوغان بحظر كهذا، حتى الأسد لم يفعلها! ما يحيل إلى أن الأسد، أمام أردوغان، قطّ فارسي.
هذا مثال على المقارنات الخلّابية النابعة من ممانعين كهؤلاء تحملنا إلى حالة تَنعّمٍ بوداعة بشار الأسد وأجهزته الأمنية، المخابرات الجوية خاصة، أففف شو وديعة!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *