طريق الموت إلى السجن الأحمر

بقلم:فادي الصالح

ثلاثون كم يبعد عن قلب العاصمة دمشق، مرتكزاً عند أكبر هضاب جبال القلمون، ظاهراً منه بناء على شكل نجمة ثلاثية, هو سجن صيدنايا أو ما يعرف بـ “السجن الأحمر”. تضم زنزاناته أكثر من عشرة آلاف معتقل، تنوعت مدة أحكامهم بين ثلاث و خمسة عشر عاماً، منهم من حُكم بالمؤبد أو لم يعرف مدة حكمه, بينما تُختصر التهم الموجّهة إليهم بجملة واحدة هي الخروج عن طاعة “القائد”. أما انتماءاتهم فقد تنوعت بين معتقل سياسي طالت إقامته منذ استلام “الأسد الأب” لسدّة الحكم؛ وبين ضباط وجنود أحرار رفضوا تنفيذ الأوامر بقتل إخوانهم في أيام ثورة الكرامة.

بين الفرع والقاضي:

يبدأ الطريق إلى السجن الأحمر عبر المرور بعدد من الأفرع الأمنية منها الفرع (248- أمن عسكري)، الفرع (291- أمن عسكري) وغيرها، وذلك بعد فترة إقامة طويلة فيها، باتجاه القضاء العسكري “معصوب العينين ومكبّل اليدين”، حتى الوصول إلى قاعة الانتظار داخل “محكمة النيابة في القضاء العسكري” التي تعجّ بعشرات الحالات المشابهة، متفائلين بأنهم سيمثلون أمام قاضٍ يحترم حقوق الإنسان، أو يكون أكثر رحمة من عناصر الأفرع الأمنية. يعدّون الساعة تلو الأخرى للوصول إلى غرفة قاضي النيابة العسكرية، يرددون بأذهانهم آلاف الكلمات لإدلائها أمامه, إلا أن أحدهم ما إن يدخل غرفة القاضي حتى يأمره بالصمت، ويتلو عليه عدة أسطر مما ذكر في محضر الفرع الذي قدم منه، ويصدر أحكامه بناء على ما ذكر فيها من اتهامات وربما أحكام لا يعلم الموقوف عنها شيئاً سوى ما سمعه عن لسان القاضي, خاصة وأن ما يعانيه من ذل وتعذيب خلال فترة إقامته في تلك الأفرع قد يدفعه ليعترف بأنه هو من استخدم النووي في هيروشيما!. هي دقائق قليلة أمام القاضي كفيلة بالحصول على مذكرة توقيف غير محددة المدة في سجن صيدنايا، أو ما يسمى بـ (كرت طيارة إلى السجن العسكري الأول), ليعود بعدها محمّلاً بصدمته وآلامه في وقت واحد، محاطاً بأصدقاء عرفهم للتو، يضمّدون جراحه وأحزانه، مخففين عنه قسوة الحكم.

الترحيل إلى السجن الاحمر:

99تدق الساعة الثالثة عصراً، يعلو صوت في المحكمة منادياً بنوع من السخرية والاستهزاء: “طيارة صيدنايا وصلت… الركاب يجهزوا حالهم”، وهنا تبدأ رحلة الموت المؤجل داخل صندوق معدني كبير محكم الإغلاق إلا من نافذتين صغيرتين (10*40)، يتزاحم المعتقلون للوصول إليهما مودّعين شوارع العاصمة وهواءها، متسللين بين طيّات جبال القلمون حتى الوصول إلى باب السجن الرئيسي الذي يبعد حوالي 3 كم عن بناء السجن، يصحبهم في هذا الطريق عدد من عناصر الشرطة العسكرية، يتناوبون على الشتم والسب لكل من خالف أوامر “القائد”، حتى الوصول إلى غرفة الاستقبال، حيت يتوجّب على جميع السجناء الجدد خلع كافة ملابسهم حتى الداخلية منها والجلوس في وضعية القرفصاء تارة و وضعية الجثو تارة أخرى، وفي كلتا الوضعيتين ينهال السجّان بسوطه على كافة أنحاء الجسد وصوته ينبح بشتائم ولعنات, ولا تغيب عن ألسنته عبارة: “قول ربك بشار يا واطي”…!. تستمر هذه المعاناة في غرفة الاستقبال حتى نهاية التفتيش, ليبدأ السجناء بعدها بارتداء لباسهم بالمقلوب، واضعين أحذيتهم في أفواههم بعد أن ملأها مسؤول السجن بالماء، يتابعون مشيهم بوضعية الجثو وأيديهم خلف رؤوسهم باتجاه الزنزانات. يستغرق الطريق من طابق إلى آخر حوالي الساعة، مارّين بمعظم السجّانين وسياط التعذيب المتوفرة لديهم، كلٌ على هواه يضرب وينكّل في أجسادهم، أما من وقع حذاؤه من فمه فينال تعذيباً أكثر بقدر حقد السجّان ولؤمه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *