بقلم:وليد البني
خابت آمال أبواق النظام ومحطاته الإعلامية بعد ان روت الأم بيلاجيا سياف ظروف الإحتجاز التي عاشتها وزميلاتها منذ أن تم اختطافهن من دير معلولا قبل أكثر من ثلاثة أشهر، لم تقل الأم بيلاجيا أنها تعرضت وزميلاتها للتعذيب والتنكيل والتجويع والإهانة، وبالعكس لقد شكرت محتجزيها على حسن معاملتهم، بالرغم من انها كانت قد خرجت من دائرة سيطرتهم، وأصبحت بعيدة تماما عن دائرة تأثيرهم. كانت الأم بيلاجيا تشعر بالفخر بأنها وزميلاتها كنَّ سببا في تخليص أكثر مائة وخمسين من مواطناتها من التعذيب والتنكيل والإهانات اليومية، من خلال انقاذهن من جلادي الطاغية وبغيهم، أنا واثق أنها شكرت ربها لأنه منحها هذه الفرصة. هي لم تقل ذلك علنا لكن الجميع قرأه في وجهها الطيب ونبرة صوتها الأمومية المليئة بالحنان والعزة، النبرة التي أعادت لي ولمعظم السوريين الأمل بسوريا الحلم، سوريا المليئة بالأمهات الشبيهات ببيلاجيا، أمهات يشبهن سوريا وينطقن بإسمها، عندما كنت استمع لكلامها كنت اتخيل انها سوريا، سوريا الوطن الذي طالما احتضن أبنائه بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم آو عرقهم
نعم أصدق أن معاملتهم كانت جيدة، فلو لم تكن كذلك لقالتها، وأصدق أيضا ما ُسرِّب عن قبولهن البقاء في الإختطاف حتى يسهلن إخراج ما أمكن من السوريات من جحيم أقبية الطاغية وجلاوزته. لم أرى الأم بلاجيا مختلفة كثيرا عن أمي رحمها الله سواء بحجابها أو بنور وجهها المليء بالحنان والأمل، ولا عن أم الدكتور عارف دليلة أو حبيب عيسى في قرى جبال الساحل اللتان توفيتا كما أمي، عندما كان أبناؤهن في سجون الطاغية ، الذي اختلف فقط لون الشال الذي يغطي الرأس، من الأسود الى الأبيض.
لقد أرعب صدقها وعاطفتها وسائل إعلام النظام وأجهزنه الأمنية، فهو كان يتوقع أنها ستنهال عليه بالمديح، وستتحدث عن بشاعة وشناعة وظلامية السوريين الآخرين، لم تفعل الأم جلابيا ذلك لأن ايمانها بربها ووطنها حقيقي لايشبه أبدا ايمان الطاغية والمافيا المحيطة به، ايمانها سوري صادق ينتمي لسوريا وأصالة شعبها، فهي نذرت نفسها وحياتها لربها ولشعبها، وليس لكرسي أو لمال منهوب على حساب عرق السوريين ودمائهم.
اتمنى ان تكون هذه المناسبة فرصة لكل سوري، لم يتلوث بالدم أو الفساد، في الداخل أو الخارج،مسلما كان أم مسيحيا سنيا أو علويا أو شيعيا، عربيا، كرديا تركمانيا أو الى أي عرق أو دين انتمى. لكي نتعاون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، لأن معركتنا الآن هي مع أقسى عدويين لوحدة وتقدم المجتمعات الإنسانية ، ظلم الإستبداد وظلام التطرف الديني
ففي حين لا يزال الطاغية مقتنع ورغم كل جرائمه انه قَدَر السوريين المحتوم وهو يستعد لإجراء انتخابات على انقاض الوطن وجثث ابنائه، يبشرنا البغدادي بدولته وجزيته وقطع الرؤوس والأيادي. بينما لا يخجل المجتمع الدولي من ابداء عدم إكتراثه بالكارثة التي تحل بوطننا ومجتمعنا. وبينما يموت سوريون من أجل بقاء طاغية وعائلة بالسلطة، مأخوذين بآلة دعائية تخيرهم بين الفناء أو إرسال ابنائهم للموت من أجل استمرار حكمه وفساده ، يموت سوريون آخرين إما ضحايا لعنجهية طاغية أو من أجل إعادة المجتمع الى العصور الوسطى مأخوذين أيضا بآلة دعائية أخرى اقنعتهم أن الله سبحانه وتعالى يقبل َقتلة وظلاميين في جنانه.
ما بين مطرقة الإستبداد وسندان التطرف سوريا الوطن والدولة تتلاشى، وحتى ننقذ ما يمكن إنقاذه علينا أن نرفض الإثنين معا، ونعمل لتوحيد جميع الجهود باتجاه الحفاظ على سوريا وطنا حرا لكل السوريين.
البعض يصف هذا الخطاب بالطوباوية والبعد عن الواقع، ولكن لا أتخيل وسيلة أخرى قادرة على تحقيق أهداف الثورة السورية وأحلام شهدائها الأوائل. لم يخرج السوريون قبل ثلاثة أعوام من أجل دولة داعش، ولا أعتقد ان هناك سوري مستعد للموت من أجل تقسيم سوريا أو إبقائها تحت سيطرة المافيا الأمنية الإقتصادية لعائلة الأسد. لم يفت الوقت بعد، ولكن ليس لدينا الكثير منه، لنتفق على الهدف المشترك ولنتجاوز على كل ما عداه عسى أن ننقذ وطنا بجمال سوريا وشعبا بعراقة شعبها.