ما الذي يمكن أن يعزي الإنسان به زميلا في رزيته، ومن يبكيه مات في المعسكر الآخر؟ في سوريا كلها معسكرات موت متشابهة، كلها تفيض بالدم والحزن والأكاذيب. نقول للزميلة في جريدة «النهار» فاطمة عبد الله التي نعت أخاها الذي قتل مع حزب الله في سوريا، كلهم مثل أخيك الذي تبكينه ماتوا بلا سبب، ماتوا فقط. لا نملك ما نقوله لمن يموت هناك، في سوريا حيث يقتتل الأهل، كلهم قتلى، وكلها جثث، حربها حرب تفيض بالأنانية، ونزاع على مجد شخصي. أخو فاطمة هو مثل عشرات، بل مئات الآلاف من الإخوان والأبناء والنساء الذين ماتوا عبثا، دون تزيين أو تبرير، ماتوا صغارا، وكبارا.
سموهم ما تشاءون، سموهم أبطالا، شهداء، كلهم ضحايا.
ما كتبته فاطمة، آلمنا وأبكانا جميعا، هي حكاية الكثيرين اليوم، حيث يلف الموت ويهدى للناس كالورود، ويزف الميت بالعطر والأهازيج والتبريكات. ما قالته فاطمة في أخيها، وعن أمها: «نحن نبكي فقط، فيما هي تكوى. سأترك جانبا بأي الطرق يخفف عن (أم الشهيد)، وكيف تلقن (الصبر). سأترك ذلك للجميع، وأحدثك عنها من دون تحميلك ذنب وجعها».
ونحن أيضا، لا نريد أن نحمل كتف أحد خطأ، ولا أن نزين صدر أحد بالأوسمة والنياشين، في سوريا بركة دم هائلة، سواء من مات فيها من هؤلاء أم من أولئك. هذه حرب ظالمة كان يمكن أن تحسم بلا موت أو حزن، وكان لمئات الآلاف من الناس أن يعيشوا مع أمهاتهم وبين إخوانهم وأخواتهم.
لماذا مرثية الزميلة فاطمة أحزنت وآلمت أكثرنا، في وقت ظننا أن المشاعر تبلدت، بعد ثلاث سنين من فيضان لم ينقطع يوما واحدا من صور الموتى والجرحى والثكلى؟ السبب أنها لم تكتب لتتكسب سياسيا أو تؤثر في أحد منا عاطفيا، عبرت كأخت فقدت أخاها لم تمل إلى موقفه إن كان له موقف، ولم تحاسب الرصاصة التي سرقت روحه، لم تمنحه أيضا الشهادة، ولم تبرر له أو لمن بعثه للموت هناك. هذه المرثية الصادقة جاءت وسط خراب عريض وقوافل طويلة من الموتى، قيلت بتجرد موجع ومباشر. ومع هذا الصفاء في مرثيتها انتقدت بشراسة، لماذا هذا العنف ضد أخت تبكي أخاها؟ ذلك لأنها ناحت بصدق عرى دعاة الموت والمستأجرين من فرقة النوبة.
أختم بما تختم به فاطمة: «أقبل وجهك المحطم وقدميك اللتين اختارتا طريقهما. أقبل روحك التي توجع روحي وحذاءك الذي تركوه لنا وكل صورك».