فعل طائفي وردة فعل طائفية

بقلم: صفوان ابراهيم

بالرغم من كون حكم الأسد طائفي حتى النخاع  , لم يأخذ الحراك الثوري في البداية , وأعني في الأشهر الستة الأولى أي بعد طائفي , الثورة التي تأخرت كثيرا هدفت وتهدف لحد الآن  الى  الحرية والديموقراطية والنعددية , الثورة ارادت للشعب  وتريد له  حتى الآن  الحياة   ليس تحت ظل اعراف الفساد  , وليس تحت ظل احتكار السلطة وتزوير الااستفتاء  واغتصاب القانون والتوريث في  نظام جمهوري ,وان تغيرت وتطورت  أساليب الثورة , فان أي من أهدافها لم يتغير مبدئيا , حتى وان تبلورت   بشكل  رفض قطعي  للأسد وزمرته  ,لقد نضج  القرار الثوري  بأنه لايمكن  التقدم في سوريا  مع الأسد  الذي أصبح  المشكلة , ولا يمكن للثورة أن تحقق أي هدف أساسي مع الأسد , فرحيله ورحيل نظام الأسدية  ومحاسبة  من أساء للوطن قضائيا  هو  المطلب الذي يوحد كافة أطياف المعارضة.

شكل الممارسة الثورية تأقلم مع معطيات  فرضها الأسد  وظن من خلالها  تحقيق انتصاره على  الثورة, الأسد مارس الحل الأمني  ,وهذا ما أرغم  أطياف عديدة من الثوار على  العسكرة  ,  التي هي وسيلة وليست هدفا , انها وسيلة لاسقاط النظام , الذي لايريد السقوط سلميا ,  النظام أشهر السلاح في وجه المواطنين  المتظاهرين بشكل  وقح وسافر وذلك منذ اللحظة الأولى  في شهر آذار عام ٢٠١١ , والسلاح  الذي وجهه الأسد الى صدور البشر لم  يكن  جديدا , فالسلاح موجه الى صدور البشر منذ نصف قرن  , والقمع عمره نصف قرن أيضا , وبالتالي فان عمر الحراك الثوري المعارض  أكثر من سنتين ونصف ,فالشعب  السوري  يحاول  منذ نصف قرن    ازاحة كابوس الاستبداد , الا أنه لم يفعل ذلك   بالتصميم  الذي نراه الآن  , وحتى آذار  ٢٠١١  كانت الثورة “باردة” مع تخللها لفترات ساخنة  كما حدث في حماه وفي تدمر  وصيدنايا .

العسكرة والعسكر  ليسوا بالضرورة  من طبائع الثورات والثوار   , وحاجة الثورة الى العسكر ليست الزامية , هناك ثورات بيضاء وثورات حمراء  , وكان للثورة السورية أن تتطور بيضاء , فمطالب الثورة  مشروعة ولا ينكرها حتى النظام  ,  والكل يعرف  قوة اللاعنف مقارنة بضعف العنف , وبالرغم من ذلك لم يكن هناك من مخرج الا  بالعسكرة المفروضة على الثورة  ,حيث  تعبر  الامكانية على التعسكرعن وجود نوع من المرونة والمقدرة على التكيف والتأقلم   مع  الوضع الذي فرضه الأسد على سوريا   , العسكرة موضوعيا  بعد  آذار ٢٠١١ هي  تطور  ضروري   وعقلاني  , انها في الحالة السورية    ultima ratio  , وحتى ان ممارسة   العسكرة من قبل بعض الفئات دون غيرها   لايدل  الا على  شمولية الحراك الثوري, هناك من يحارب  بالبندقية , وآخر بالقلم  ثم آخر بالتظاهر  والبعض بالصمت , والثوار هم الشعب بمعظم   بكافة أطيافه وفئاته   , الثوار هم  من يمارس اللاعنف , وهم من يمارس العنف , هم اليساري والشيوعي والمدني والأصولي والمتدين والحاقد  والغبي والذكي والمثقف  والجاهل  , الثوار لهم بنية كبنية الشعب , هم ليسوا فئة متجانسة  , وهذا مايميزهم عن ثورة حزب أو  مجموعة معينة  , الاختلاف  الذي يفرز أحيانا خلاف  هومن طبيعة الثورة السورية , ولا يجوز  وصف  المعارضة الثائرة بأنها “مشرذمة” , المعارضة لم تكم “واحدة” لكي تتشرذم .

اتخاذ قرار ما من قبل مجموعات غير متجانسة صعب  , اما اتخاذ قرار من قبل النظام فهو بمنتهى السهولة , وما على الأسد الا أن يتخذ قرارا ما , ليكون هذا القرار  هو قرار السلطة  وبدون أي نقاش أو معارضة , انه الفرق بين الديكتاتورية  والتعددية الديموقراطية ,  هو الفرق بين رئيس الى الأبد وبين  سلطة جماعية  يتغير من يراسها كل ستة أشهر ,  ومن يطلب من المعارضة  أن تكون واحدة في الرأي   , انما يطلب منها أن تكون ديكتاتورية  وأن يرأسها ديكتاتور , وهذا ما انتقده حضرة السيد بشار الأسد  في المعارضة , التي اراد لها “رأسا”  لربما كرأسه ,  وقرارا كقراره   وتسلطا كتسلطه  وديكتاتورية كديكتاتوريته .

اذا استبطن النظام بعدا طائفيا واضحا  , فكيف لنا أن  ننتظر  من الثورة   أن لايكون لها أيضا بعدا طائفيا ,  والبعد الطائفي لنظام الأسد  سهل الاكتشاف بالرغم من محاولات التمويه , فصلاة الاسد سنيا  هي محاولة لذر الرماد في العيون , واعتماد الأسد جزئيا  على  التكنوراطيين السنة والمسيحيين وغيرهم  ليس برهانا على عدم طائفيته , تأملوا الجيش والأمن  وكل وظيفة مهمة في البلاد  حيث لاتجدون الا العلوي , وما هي دلالة كون رئيس الوزراء سني  أو غيره من الوزراء  , كل الوزارة هي  مكتب تنفيذي لتنفيذ قرارات الأسد  وأخيه  وابن خالته وصهره  ..الخ ,  رئيس الوزراء  وغيره يملكون ولا يحكمون , وكل ذو بصر وبصيرة يعرف ذلك تماما , ويعرف على  أن   كل سياسات البلاد مصدرها الأسد  وشلته.

العديد من أفراد الطائفة العلوية يعترفون بأن الأسد لص وسارق ومجرم , ويعترفون بأن الأسد  ورطهم  في حرب أهلية, ويعترفون بأن هدف الأسد هو الكرسي  ومصالح العائلة والمقربين منه   ,  ويعترفون على أنهم يشعرون بالخوف  ,لذلك يقاتلون معه  , لأنهم يظنون على أن  مصيرهم بدون القتال مع الأسد  مظلم , فالأسد نجح في تجنيدهم للحرب من أجله , أما المعارضة فلم تنجح في تجنيدهم من أجل الوطن , ولم تنجح في ازالة عنصر الخوف  من عقولهم , وبالعكس فقد ساهم البعض  في  تخويف العلويين  وبذلك  برهنوا لهم صدق  تحذيرات الأسد  وادعائه بأنه حامي الأقليات , والقصد عمليا  من كلمة “أقليات ” هي الطائفة العلوية حصرا , حيث لاتوجد بين السنة والطوائف الأخرى أي مشكلة معلقة, بينما مشكلة الحسن والحسين ويزيد بين الشيعة والسنة لاتزال معلقة , وهناك من  يريد المحاسبة والتأر  بعد  ١٤٠٠ سنة, وهناك الاستبداد السني قبل  مئات السنين والميول العلوي  لتجنب استبدادا سنيا بممارسة استبداد  علوي ,

قد يسأل  البعض عن الحل لهذه المشكلة النفسية  ومشكلة  انعدام الثقة بين السنة والعلويين , وقد يكون انتقاء رئاسة شخص علوي للمرحلة الانتقالبة   جيدا و الا أنه سيصطدم حتما  بتخوينه من قبل طائفته , التي خونت غيره من المعارضين العلويين , الحل  صعب  جدا  , وأظن على أن  اعطاء ضمانات دولية  ووجود  جنود من الأمم المتحدة في سوريا  لمنع  عمليات الثأر  والتقتيل  هو الطريق الوحيد  الكفيل  بالتفرغ الى بناء البلاد،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *