بين العلوية والأسدية ..شجون !
سمير صادق:
يتبختر الأسد ويفخر بكونه حامي الأقليات , وليس من الصعب فهم مايقصده رأس النظام السوري بعبارة “أقلية ” , فالقصد هنا أقلية دينية , أي أنه ينطلق من أن المكونات الانتمائية للشعب السوري هي الأديان والمذاهب , ثم يقول لنا السيد بشار الأسد على أنه رأس آخر معاقل العلمانية في الشرق الأوسط. فكيف تستقيم علمانية السيد بشار الأسد , مع تشريحه الاجتماعي السياسي لمكونات الشعب السوري؟ , من جهة يعتبر الشعب السوري مكون بنيويا من مذاهب وأديان , ومن جهة أخرى يقول على أن نظامه علماني صرف وبدون أي شائبة , والنظام العلماني لايعتبر الشعب سياسيا مكون من مذاهب , ولا يؤسس لمذهبية التداول السياسي في الدولة , وانما يؤسس لمكونات مدنية سياسية , ولا يمكن أن يكون الأسد هو المؤسس للمكونات المدنية السياسية , لأن الأسدية هي التي حاربت وجود هذه المكونات عن طريق الغائها للسياسة ومحاربتها للأحزاب السياسية , وعن طريق دسترة الديكتاتورية بواسطة المادة الثامنة , التي أمنت للبعث ابدية القيادة للدولة والمجتمع , وهذه الأبدية ورثتها الأسدية وخاصة العائلة وبالأخص شخص بشار الأسد , الذي يريد أن يبقى الى الأبد.
قد يقال على أنه لاحطأ في تعريف الأسد للشعب على أنه شعب الفئات المذهبية , لأن الشعب فعلا مؤلف من أطياف مذهبية دينية , نعم لقد أخطأ سياسيا ,لأن الانتماء المذهبي هو انتماء شخصي وخاص , ولا علاقة لذلك بموضوع الانتماء السياسي , ولا يمكن للانتماء المذهبي الخاص والشخص ان يفرز حالة حرب بين جماعات , الا اذا طيفت هذه الجماعات انتمائها السياسي , وسيست انتمائها المذهبي , وهذا مانلاحظه في تطور البعث , الذي تطيف وأصبح سياسيا وكيل الطائفة العلوية وراعيا لمصالحها ومسيرا لأعمالها , والطائفة العلوية تسيست وأصبح اسمها البعث , والحرب في سوريا هي صورة عن التطييف السياسي وعن التسييس المذهبي, نعم لقد أخطأ الأسد عن جهل , فمن يخلق وضعا طائفيا لايستطيع الا التفرج على الحروب الطائفية الحتمية , الأسدية خلقت الاسلام السياسي العلوي- الشيعي في سوريا , وتعجب من اشتعال نيران الحرب , الحرب الأهلية هي النتيجة المنطقية والحتمية لما قامت به الأسدية ,للأسف لايستطيع رئيس الجمهورية استيعاب ذلك .
لقد أحكم الأسد الطوق حول عنق الشعب السوري , وهدد الشعب السوري بالحرق والخنق اذا لم ينصاع لارادته , اما الأسد أو لا احد ! , شعار يوازي في فداحته نظيره الأسد او نحرق البلد !, وقلما كان بامكاننا التعرف على شعارات مشابهة و بتلك الوضاعة والوضوح والانحطاط في تاريخ الجمهورية السورية القصير نسبيا أو حتى في تاريخ الدول الأخرى , الشعار وتوأمه مثير للتعجب في احتقاره للشعب السوري, واحتقار الشعب السوري هو لب وقلب الفلسفة السياسية للأسدية ؛ وهو عمليا المبرر لعمليات التنكيل بالشعب السوري, , هو المبرر للنظر للشعب السوري على أنه قطيع غير قادر على ممارسة الديموقراطية والحرية , الشعب طائش ومنحط وقد بقي في نطوره في الحضيض ورئاسة العبقري بشار الأسد لهذا الشعب مذلة له , اذ يمكن له أن يكون رئيس العالم (حسب رأي أحد اعضار مجلس الشعب ), ثم أين هي أهمية مقتل ٥٠٠ طفل في الغوطة بغاز السيرين ؟, هؤلاء سيصبحون ارهابيين على أي حال وقتلهم واجب , والتخلص منهم في مرحلة الطفولة أفضل من التخلص منهم بعد أن يصبحوا ارهابيين ووهابيين, الشعار التوأم عدمي , لأنه يضع اعدام وافناء الشعب السوري لسبب يتعلق بوجود الأسد أمرا ضمن المحتمل والمعقول والممكن, وليس أمر خيالي , الشعار وجودي ومضامينه ثم الممارسات التي تستقيم معه هي واقعية تماما ..مدن بأكملها تصحرت وباتت أنقاضا وهرب سكانها الذين تحولوا الى لاجئين أو نازحين بالملاين , مئات الألوف من القتلى من جراء القصف العشوائي , ومن لم يقتل بالصاروخ أو البرميل , يتم قتله بالغاز أوتحت التعذيب في السجن أو بالتجويع , شعار يتم تطبيقه بحذافيره وبانضباط , وعلى العكس من شعار “وحدة , حرية , اشتراكية ” الذي لم يحظ بتلك العناية الأسدية ولم يتم تطبيق حتى ١٪ منه .
كون انسان سوري علوي أو مسيحي أو سني أو شيعي هو أمر خاص به , وفي الخمسينات قيل عن الشيوعيين مثلا على أنهم أقلية سياسية , الا أنه كان بامكان الشيوعي أن يغير انتمائه السياسي ويصبح بعثي أو عضوا في حزب ناظم القدسي , وبذلك يتحول هذا السوري الى واحد من الأكثرية, المدنية العلمانية لاتفرز أقليات ثابتة جامدة كالمجموعات الدينية, لذا فان علمانية بشار الأسد تعصى على الفهم , ولا أظن على أن بشار الاسد يدرك تماما مايقوله بشأن علمانيته الضبابية , العلوي الذي يريد للعلوي أن يهيمن على غيره ويستعبده ليس علماني قطعا .
الأسدية تريد من الطائفة العلوية أن تهيمن على غيرها , وبالمقابل تهيمن الأسدية على الطائفة العلوية …سعر معقول !, وبالنتيجة تهيمن الأسدية على الجميع , وهذا هو أصلا ماتريده , الا أنها بهذه العملية أوقعت الطائغة في المطب , الطائفة اسيرة عند الأسدية من ناحية ,من ناحية أخرى تدفع الطائفة ثمنا عاليا لهيمنتها على الآخر , الثمن هو العداء التاريخي مع الآخرين ..هو عدد الضحايا من الطائفة , الذين يقدرون بحوالي ٥٠ ألف شاب قتلوا من أجل الأسدية , وحتى ماديا بقيت مكاسب الطائفة ككل متواضعة جدا , فعدد الذين أثروا من الطائفة لايتجاوز ٣٪, ناهيكم عن مضار الانخراط في كار الأمن وفي كار الفساد والبراطيل , انخراط أفرز بشرا بدون تعليم وبدون مهنة محتلرمة , وبالمقارنة فقد تيمزت الطائفة العلوية سابقا بكثرة المثقفين والمتعلمين والشعراء والمفكرين , والآن تتميز بكثرة ضباط الأمن والمخابرات, ماذا سيفعل هؤلاء الضباط ورجال المخابرات في سوريا الجديدة ؟ لقد حولتهم الأسدية الى فائض بشري , وهل يعقل أن تكون سوريا المستقبل الديموقراطية بحاجة الى مئات الألوف من المخبرين والقتلة والشبيحة ..سيصبحون حقيقة فائض وسيشكلون طبقة من المافيا في البلاد , وسيكو ن تأهيلهم لممارسة حياة منتظمة مدنية مستحيل , فمن مارس مع علي بابا السرقة أربعين عاما لايمكنه الا أن يبقى في مؤسسة علي بابا والأربعين حرامي