“نحن الشيعة” في سوريا

بقلم: غدي فرانسيس

 منذ أن أعلن السيد نصرالله وبكلماته المحددة “نحن شيعة علي ابن أبي طالب”.. في أحد الخطابات، شعرت أن حزب الله فجأة اتسع، وبات رداءاً يشمل كل شيعة سوريا والعراق لبنان والبحرين واليمن. و “نحن الشيعة” نزداد إصراراً في عاشوراء لأن الدم ينصرنا. و “نحن الشيعة” نزداد قوةً في سوريا لأننا نقدم الدم. و”نحن الشيعة” من زينب ولها وزينب في دمشق..و”نحن الشيعة” لن ندع دمشق تسقط لأننا حلفاء الدولة السورية ضد أعداؤها التكفيريين المتشددين، وندعم ونؤيد الحوار السياسي…

على وقع عاشوراء، يرتسم القلق مع كل حرف. كلّ نفر منهم خط تماس. كلّ طفل منهم خط تماس. كل رضيع. من يومهم إلى هذا اليوم، عقيدتهم هي ذاتها. عقيدة الموت لأجل الحياة. يموتون بدفعات وجرعات. يركضون نحو الشهادة لأجل ما يمثلون. وقفة وحكمة وواقعة دموية تاريخية، هي مصدر ثورتهم، وثباتهم، وانضباطهم. عقيدة كربلائية..

 بالأمس في سهول الجنوب اللبناني وجبال عامل، حملوا هذه العقيدة وأثبتوا فيها أنهم ينتصرون على أعتى جيوش العالم.

واليوم، يبدو أن تلك العقيدة تشفع بالجبهات الممتدة من الهرمل إلى الشام مروراً بالقلمون ولا يستبعدَنّ أحد وصولها إلى حلب.

في المقام عاشوراء

هنا في مقام السيدة زينب، قبل أن نصل إلى العتبة سقطت قذيفة صاروخية يدوية الصنع على ساحة النساء. جرحت القذيفة 8 نساء ولم تحصد أرواحاً أو شهداء. فأعيد ترتيب الحياة. أخليت الشوارع بعد دقائق، تحسبّاً للمزيد من القذائف. أغلق المقام لتطهيره من الدم.

قذيفة تقول للزائر: لا تحسبن عاشوراء ذكرى ومضت، نحن قوم نستمر في القتال. وهذا الدم هو البرهان.

على الباب يبدو شاب عشريني لبناني “دعوني أدخل لأزورها…سفري كان طويلاً”..

يأتي الرد من البزة العسكرية الموحّدة: ألا ترى ما يحدث حولك، إصبر قليلاً.

يمشي ذهاباً إياباً سرب من هنا وسرب من هناك، عمامة سوداء تتفقد المقام، عمامة بيضاء تنظّفه. أكتاف شهداء أحياء ، تمشّط أمنه. يد تضمّد عنق الجريح، ويد تحمل اللاسلكي: أضرب.

إمرأة ثكلى تبكي على الباب “قولوا لي أين زوجي”.. يخرج لها من الداخل شاب يبدو أنه مثلها من قرية “نبل” من حلب. “يا أم حيدر، هلق شفتو لعلي، ما في شي ارجعي عالبيت.”.. “ما بدي أروح، بدي أطمن عليه”..

 تمسح دموعها وتعود: مع خوفها اليومي، من الخبر الآتي والمنتظر: “استشهد علي”..سيستشهد علي لأنه يقف حيث يقف من يطلب الشهادة. سيستشهد علي لأن المعركة لم تكمل شوطها الأخير. والملحمة المترقبة لا تزال مترقبة. من نبّل الحلبية إلى السيدة زينب.

حزب الله علناً

الآن وأنا أكتب هذه الحروف تتلبّك بي السطور، فقد يخرج لي جارب سياسي من زقاق للبترودولار السعودي في شمال لبنان ويستخدم كلامي ويخرج متعنّتاً متعوهراً “أرايتم ما يفعل حزب الله والحرس الثوري الإيراني”. ثم يرد له الجارب الآخر من الرجل السعودية نفسها في سوريا “إنهم الفرس يحتلون بلادنا ويقاتلون الثورة الشعبية”..

لم أر أفواج حزب الله اللبناني حملت زوادتها ونزلت من قرى البقاع والجنوب إلى دمشق. بل رأيت أغصاناً تطلع من الأرض السورية لابسة رايات الحزب. سوريون يوالون الحزب أكثر فأكثر يوماً بيوم. ينتدبونه لإحقاق النصر إيماناً منهم به. كشافة الولاية وكشافة المهدي، تستقبلنا مع الأطفال المرددين للشعار التالي “خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود”.

بعد الأطفال، تبدأ البزات العسكرية بالأنواع. يتمشون مسلحين في الأحياء. فصائل متنوعة ربما لكن رأسها واحد كلّها توجّه عيونها إلى الأفق في فلسطين وظهرها إلى القيادة في مدينة قم الإيرانية المقدّسة. أصل إلى مكتب الحماية الرسمي لأخذ إذن بالتصوير، اللهجة لبنانية. في الحديث أسأل عن لواء أبو الفضل العباس وهو لواء من المقاتلين العراقيين ، فيرد الجديون في المكاتب: من يعمل لا يتكلّم.

 لا يمارسون الرقابة الإعلامية المشددة التي يمارسها حزب الله في لبنان. تركوا لنا حرية التنقل مع الكاميرا في الأحياء. لكنّهم لم يتركوا لنا أن نصوّر القذيفة ولا مكان سقوطها كما فضلوا عدم تعميم الخبر في حينه. لأن الغرائز المذهبية وخاصة في عاشوراء، تزداد. يريدون الحفاظ على الهدوء في صفوفهم.

لا يتكلمون في ما هو ليس اختصاصهم. سألنا عن المعارك العسكرية، فنادوا على زميل لهم من أمن الدولة السورية.. أنظر إلى أعلى المكتب. تفهم.

 صورة السيد موسى الصدر وصورة للسيد علي الخامنئي وصورة للسيد حسن نصرالله. أنظر إلى باب المكتب. إنها الراية الصفراء. وليس هذا بسرٍ أمني أو إعلامي. لا بد أنني في مكتب حزب الله.. في مكتب لا يمانع بكشفه حزب الله. لكن علاقته او قيادته هنا تشبه الجنوب. أي، الجيش اللبناني ينتشر في كل بقاع الجنوب اللبناني، لكن السلطة الأمنية المحورية لمن؟ لمن يتمدد على الحجر والبشر.

لم أر اعداد المقاتلين كما يروى. حتى في الإنتشار الواضح في كل الأحياء، من يلبسون العسكر سوريون بالدرجة الأساس. وما الحاجة للبنانيين من حزب الله إلا في القيادة ربما أو التوجيه أو العمل المكتبي المحوري؟ وهل سيستقدم الحزب من يحمون جبهاته الداخلية في لبنان للقتال في سوريا؟ لماذا؟ لديه نحو 400 ألف شيعي سوري يوالونه وينتشرون.

 
لولاك يا زينب

سوريون عراقيون لبنانيون..تتلاحم البنادق هنا حول هذا المقام باسم آخر..

 أنظر حولي، هنا اللبناني والإيراني والسوري والعراقي والباكستاني واحد في التصنيف المذهبي. لكن لكلّ نوع عمل ومهام. السوري هو الأصيل والباقون حلفاء.       

معركة وجودية وميدانية في آن معاً. بالدم يتعمدون سوية. هنا، يتمازجون في هوية واحدة.. النظام السوري تفصيل، والمقام الشيعي تفصيل، وجبهة النصرة تفصيل. هنا ثلة من الرجال اجتمعوا حول ذخيرة مقدّسة وحجرة أساس لها عمق تاريخي وجيوسياسي أيضاً. لولا مقام السيدة زينب وناسه في الغوطة الجنوبية من دمشق، لاتصل اليرموك والحجر الأسود بالديابية والسبينة وشبعا، بالغوطة الشرقية.. يعني، لو لم تكن زينب في زينب، لربما سقط مطار دمشق ضمن محيطه الجغرافي الذي كان ولا يزال حاضنة إستخباراتية وحياتية للآتي من السعودية عبر الأردن ودرعا.

المقام مغلق لعموم الناس، وفي الظروف العسكرية وفي هذه الليلة من محرّم، يقيمون جلسة تقول للدنيا سرهم وسرها. مجاهدون مجتمعون ينشدون حول وهج السيدة زينب. سحناتهم وخجل عيونهم جنوبي لبناني. ندبياتهم أعرفها. دموعهم تشبه دموع تموز. وجوه بلا أسماء. عيونهم أسماؤهم. يمشون كأنهم شهداء أحياء. عابرون من هنا إلى العلى. حولهم شعاع من أرواحهم، من إنعتاقهم في قضيتهم. وهج البطولة ربما، وهج الفداء. بصمتِ الليل إلا من الراجمات. يجلسون في دائرة. ويصبح وسطهم المقام كالعين مرتفعة إلى الله بهم ومنهم وإليهم… يصلّون عن جميع من يتوق للصلاة، وغداً، يعبرون إلى الموت لأجل بقاء الآخرين في الحياة.

الآن وانا على هذه العتبة، قد ينزل صاروخ يدوي الصنع ويصبحون فتات وأشلاء. قد تخطئ الراجمة وتنفجر إلى الخلف لا إلى الأمام.. لكن في مثل هذا المقام.. الموت أبلغ كلمات العبادة.

الموت احتمال دائم وبسيط. هنا يلعبون لعبة الموت مع كل شهيق وزفير يتنفسونه. على بعد أقل من كلم واحد، ثمة جبهة نصرة تدير ظهرها لمخيّم اليرموك. أسأل نفسي، هل أن القدرة الإلهية تحمينا، أم أن جبهة النصرة لا تملك صواريخاً تضر المقام أكثر؟ أم ان لحظة الصفر لم تأت بعد؟

المعارك  التي لا مفر منها

وتأخذني الأفكار والتفاصيل الميدانية في الأحياء. أمشي وحولي رايات كشافة الولاية وحزب الله وصور السيد نصرالله. أمشي فألمح وجوهاً بسحنات مختلفة. من كل حدب وصوب، ها هم هنا. تحميهم ويحمونها. تحملهم ويحملونها. تدور بهم الأرض معاً. وتتحول السيدة زينب، أخت الحسين المسبية مع موكب عاشوراء إلى بلاد الشام، تتحول إلى القلعة الشيعية الكبرى، التي حفظت تاريخ النكبة وقيمته. تتحول إلى زينب المواجهة والصمود معاً. فيقفون، بلباسهم العسكري وتشكيلاتهم. كل ابنائها هنا، بإسمها يرمون النار، ولأجلها يتلقّون النار أيضاً.

لن يستكينوا. ترج الأرض بالراجمات. سوف يدخلون إلى الحجيرة والحجر الأسود. سوف يريحون زينب من جنوب دمشق. أما من شمالها. فالعمامات السود تصل بعلبك بالنبي شيت بالزبداني. سألت إبن الزبداني وأكد ان معارك سوريا لن تمتد إلى لبنان، لكن كيف تفصل مقالب الجبل. سألته إن كانت النبي شيت تمتد إلى القلمون كما امتد الهرمل إلى القصير. نظر إلى الأعلى، “الله أعلم” قال.. ورجّ المقام فينا. ها هي قذيفة أخرى..

السعودية من القلمون

من الشمال وقرب عرسال، منذ أيام قليلة أعلنت دكانة من دكانات جبهة النصرة السعودية أنها استولت على مخزن سلاح للجيش السوري في “مهين” في حمص. وتلك المنطقة تحديداً هي العقدة الجنوبية لحمص والشمالية للقلمون. هو برغي آخر على الجبهة التي ينتظرها ويترقبها الجميع. جبهة القلمون. وما أدراكم ما القلمون.

المخزن الذي تم الإستيلاء عليه هو 39 هنغار سلاح بحسب المصادر التي كشفت أن فيه صواريخ وقذائف 107 وغراد وأيضاً صواريخ قد تطول مدى 40 كلم.

في يد من وقع هذا المخزن؟

يقاتل في تلك البؤرة لواء الإسلام، الذي يحكمه “زهران علوش” بعديد 8000 مقاتل، وزهران علوش سوري من “دوما” وهي بؤرة مسلحة شمال الشام . وفي القلمون ألوية أخرى منها مثلاً “مغاوير القصير” و”أحرار بابا عمرو” التي يقودها المدعو رائد الجوري. تلك فيها نحو ألف مقاتل أيضاً وهي تبنّت اغتصاب معلولاً. وأيضاً ثمة سرية تدعى “سرية مروان حديد” وتلك التي تبنّت قصف بعلبك من جرود رنكوس السورية.

والحبل يمشي مع الجبل.

صيدناية هي الرادع بين القلمون ودمشق، ومنذ أيام اعلنت القوات النظامية تقدمها، والدولة السورية بسطت مدافعها على تلة الشيروبيم جيداً. من هناك، تغلق المسرب الجنوبي إن استطاعت..

أين سيذهب كل السلاح والمقاتلين المنتشرين في القلمون؟ وما الدور الذي ستلعبه عرسال وهي امتدادهم. علينا أن نشاهد الأيام المقبلة ونحفظ الخريطة الحدودية من الشمال إلى الجنوب

القصير- قارة-السحل-النبك- يبرود-فليطة-عسال الورد-رنكوس-زبداني

وفي مقابلهم على الخد اللبناني: القاع- راس بعلبك-عرسال-بعلبك-النبي شيت- بريتال-مجدل عنجر

من يلغي من، ومن يساوم من، ومن يستسلم لمن.

السيد نصرالله قال إن المعارك باتت في “الربع ساعة الأخيرة”…

ربما تكون الربع ساعة ربع سنة..فالمعركة الدائرة معركة وجودية وإقليمية. وما نحن سوى بأرقام وصفحات، يرسمها خط النفط وأخواته.

لا تحزنوا على لبنان، فلبنان يعرف طائفيته ومحاصصاته ويعرف أن يحبها ويزهو بها. تعوّدت عليه وتعوّد عليها. لكن إحزنوا على سوريا. لأنه وبينما يموت من يموت ويقاتل من يقاتل، ثمة شاب أرعن من بلدة الزهراء في حلب. حوصر أهله فظن أنه ينتمي لكربلاء، ووقف إذ يلعب بهاتفه متبجحاً “أنا حزب الله”.. وهو لا مرّ من جانب الحزب ولا مرّ من جانب الله، إحزنوا لأن هناك من

يصدقه… إحزنوا لأنه دائماً يبقى من يستثمر ويسيء لكل القضايا والشهداء والدماء

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *