رفض الاستبداد برفض الغزو الأمريكي
بقلم:الفضل شلق
تُقرع طبول الحرب الأميركية ضد سوريا، أو ضد نظامها، أو ضد الاثنين معاً. لا ندري ما هي أهداف الحرب، ولا ندري إذا كان الذين سوف يأخذون القرار بشأنها سيلتزمون بأهدافهم أو سوف تجرهم عملية عسكرية إلى عمليات أخرى، أو أن حرباً محدودة سوف تقود إلى حروب غير محدودة تعم المنطقة.
العرب منقسمون حول الحرب. فريق يرى فيها خلاصاً من نظام ظالم؛ وفريق آخر يرى فيها تدخلاً إمبريالياً خارجياً في شأن داخلي يجب أن يقرره الشعب السوري، أو الشعوب العربية على العموم. الجميع يخرج باستنتاجات تنبثق من موقف مسبق، والقليل منا يتساءلون انطلاقاً من الشك والمعرفة، أو من الشك طريقاً إلى المعرفة.
أسئلة كثيرة تتعلق بالدور الذي تعطيه الإمبريالية لنفسها في الدفاع عن حقوق الإنسان وفي العقلانية. والكل يعرف أن حقوق الإنسان هي وريثة الرسالة التمدينية في تبرير فرض السيطرة الخارجية. أما كان الغرب، منذ فرض حكمه على الشعوب الأخرى، أي منذ بداية عهد الاستعمار، يعتبر نفسه أكثر مدنية ويعتبر الشعوب المغلوبة على أمرها بربرية تحتاج إلى من يرشدها إلى طريق المدنية؟
ما من حجة تقنعنا بأن القرارات التي يتخذها أولياء السلطة في الدول الإمبريالية تستند دوماً إلى أحكام عقلانية. أما نشبت الحرب العالمية الأولى نتيجة حوادث صغرى كاغتيال الدوق النمساوي في بلاد الصرب؟ والحرب العالمية الثانية كانت حصيلة قرارات أخذها أطراف البلدان المسيطرة على العالم الآن من دون حساب عقلاني للأرباح والخسائر. وحرب فيتنام كانت تورطاً بدأ بإرسال الأميركيين بضعة مستشارين عسكريين بعد انسحاب الفرنسيين، وانتهت إلى وجود ثلاثة أرباع مليون عسكري أميركي في فيتنام، وإلى خسارة هؤلاء أكثر من خمسين ألف قتيل، من دون حساب عدد القتلى من أهل البلاد الذين اعتبروا بنظر الأميركيين ممن لا يستحقون أن يحسب لهم حساب.
قبل الذهاب بعيداً في التحليل. هل كان العراق أكثر خراباً وقتلاً وتدميراً قبل الغزو الأميركي أم بعده؟ أما كان بعض العرب يرون في الغزو الأميركي أملاً بالخلاص من الطاغية، فجاءت النتائج مخالفة لتوقعاتهم، إذ غرق العراق في حرب أهلية لا تكاد تنتهي.
لا أحد يضمن إذا كان النظام السوري سوف يخرج من الضربة العسكرية أقوى أو أضعف، وما إذا كان الطغيان سوف يزداد أو ينخفض، وما إذا كان النظام سوف يزداد تصلباً أو يستجيب لدعوات التفاوض. الحل السياسي هو أفضل المسارات في جميع الأحوال؛ فهل وضع أصحاب القرار في حسابهم أن النظام السوري قد خسر إلى درجة الاقتناع بأن لا شيء بقي لديه ليخسره، وأنه سوف يتخندق في مواضع يطلق منها النيران في جميع الاتجاهات. نيران الصواريخ لا تتطلب الكثير، لكنها تطال القريب والبعيد. وبين جيران سوريا من يتربصون بها وبالعرب. فهل تدخل المنطقة في حرب الجميع ضد الجميع كنتيجة للغزو الأميركي المحتمل؟
هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن أن تُطرح حول الغزو الأميركي المحتمل لسوريا. وهو إذا كان جويا فقط أو جويا وبريا فإنه سيقود إلى النتائج عينها. غزو إمبريالي لبلد تتنازعه حرب أهلية ساهمت الإمبريالية وعملاؤها من المواطنين والدول العربية في تحويلها من ثورة إلى حرب أهلية. بالأحرى، ساهمت جميع الأطراف المتنازعة في تهميش الناس، وبالتالي تهميش الثورة بغرض استخدام السلاح عليها.
ما يدفع إلى الأسى هو أن الإمبريالية ما زالت تقرر مسار الأمور في بلادنا، وما زالت تغزوها فلا تقدر هذه البلاد على الرد من دون دعم أجنبي. بذلك تصبح بلادنا مسرحاً للصراعات الأجنبية (الإمبريالية). وعندما يكون البلد كذلك فإنه فاقد الحرية، خاصة أن طريق التنمية مغلق. استطاعت اليابان وألمانيا تحقيق التنمية وبعض الحرية في ظل الاحتلال بعد الحرب العالمية الثانية. ليس لنا أمل بذلك. تبقى بلادنا مستباحة بالاحتلال بعد الغزو، وبالاستبداد قبل الغزو. بيد أنهما متحالفان على أن تبقى بلادنا كذلك.
إن موقف العداء للاستبداد لا يعني تأييد الغزو الإمبريالي مهما كان. فإما أن ترفضهما معاً، أو أن ترفضهما معاً. أما إذا قبلت بأحدهما فإنك تقبل بهما كليهما ولو كانا متصارعين.
ولما كانت الإمبريالية هي التي تدير العالم، فإن رفضها هو موقف من الأسباب. أما الاكتفاء برفض الاستبداد فإنه ينحصر بالنتائج والمظاهر العرضية.