تطورات الثورة القسرية ..من حيث لاتريد !

بقلم :تيسير عمار

تعرضت الثورة السورية  منذ اللحظة الأولى  لاندلاعها  الى  تاثيرات عديدة  قادت الى تطور هذه الثورة بالشكل الذي تطورت به , وأريد في البدء التشديد  على أن  ظاهرة التاثيرات  والارتكاسات والتطورات باتجاهات لم تكن متوقعة  ليست حكرا على الثورة السورية, فكل حركة تتحرك ضمن عالم  دائم الحركة و وكل  ماوصلت اليه الثورة  من انتصارات وانتكاسات  له  أسبابه  التي تتعلق بالثورة  وبما يحيط بالثورة , وما يحيط بالثورة ذو فاعلية  على تطور الأمور أكثر ارادة الثورة او الثوار.

ساذج من يعتقد  على انه كان بامكانية الثورة أن تبقى سلمية , فالثورة  اندلعت لتنجح  ولم تندلع  لكي  يلقى الثائر نحبه  برصاص السلطة  أو تعلقه السلطة على المشنقة  ,  الهدف كان ولا يزال  بتر  النظام الحالي  والغير قادر على التغير او التطور  من جذوره  , ولا مساومة على البتر  , ومن يساوم  ليس ثائر وانما محتج أو معترض , ومن طبيعة الاحتجاج  خاصة “المطلبية” , يطالب ببعض الأمور  التي  يريد أن تحققها السلطة له  , المحتج لايريد بتر النظام  , وانماتحقيق بعض الاصلاحات  , ومن هناكان تشديد ازلام السلطة على  نفي صفة “الثورة ”  عن الثورة السورية ,  واعتبارها  حركة احتجاج لها مطالبها المحقة ,والتي اعترفت السلطة دجلا بها , ثم أتت  حزم ورزم مراسيم الغش , فخورا قال وزير الخارجية على أنه لاتوجد دولة طورت نفسها بالشكل الذي طورت به السلطة الدولة السورية خلال أشهر  , طبعا على الورق , واذا..كان  هناك  أي  تطور  فالى الوراء .

تطور الثورة الى الشكل المعسكر  يمثل منطقيا وقبل كل شيئ  حيازة الثورة  للمقدرة على تطوير نفسها  باتجاه  التعسكر  , الا أن هذا التطور لم ينبثق من صميم  الثورة , وانما من الضرورة التي فرضتها السلطة على الثورة , فالسلطة  ارادت المنازلة العسكرية لسببين  , والسبب الأول هو  عدم امتلاك السلطة  لمنابع قوة  الا القوة العسكرية ,والثاني كان  ظن الأسد على أن فرض المعركة العسكرية  على الثورة   سيقود الى النصر , أخطأ الأسد في حساباته , فالشكل الثوري  للثورة السورية ديناميكي ويتطور حسب الحاجة , والحاجة أصبحت  عسكرية .

لما كان نجاح الثورة  واسقاط النظام هو الهدف الذي  التقت  به كل أطياف المعارضة  , لذا فانه  من المنطقي  القول  على أنه من مصلحة الثورة  أن تبقى سلمية  , ولولا  حلول الأسد الأمنية لبقيت كذلك , الا أن الجهة الأخرى ارادت ذلك  وفرضته على الثورة , التي لاخيار آخر لها في هذه الحالة .

اذا كانت العسكرة مطلوبة  وقد تحققت وأحرزت نجاحات على الأرض ,وهذه النجاحات  ليست كافية  لحد الآن لاسقاط النظام  واعلان  النصر , كما ان  خسارة النظام للكثير من المناطق ليس كافيا لاعلان  هزيمته,  أي أن  الاشكالية  تطورت  لتصبح مزمنة , وما يسببه الازمان واضح , فالازمان  يقود الى  تأقلم أشكال الممارسات الثورية مع ممارسات السلطة , وهذا التأقلم  قسري  , ويفرض نفسه بنفسه  , ولا توجد   مقدرة لتغييره الا مقدرة استسلام الثورة ,والتأقلم يعني جزئيا  التجانس   في الأساليب والممارسات  , لذا فانه من المتوقع ان ينتقل  اسلوب التوحش مثلا الى  الثوار , وقد انتقل بالفعل  ,  من يريد بتر النظام من جذوره  لايستطيع فعل ذلك في سوريا بغصن الزيتون , بل  بنفس وسائل النظام ..انه السيف الذي  أصبح  أصدق انباء من الكتب.

لا خطر على الثورة  من  السيف , ذلك لأن  لاعلاقة للارادة الثورية   بشكل   ممارساتها  بالدرجة الأولى  , الارادة الثورية تتكون  على أسس اغتراب النظام وكأنه اصبح استعمارا أجنبيا, أو بالأحرى امبريالية داخلية   ,فالنظام هو الذي خلق الحاجة الى تغييره ثوريا  , كما أن النظام هو الذي أعطى الثورة الشرعية , ذلك لأنه تحول الى  “لاشرعي” أو فقد الشرعية  ( ولم يكن  يوما ما شرعي ), كما أن النظام هو الذي فاجأ المجتمع بقناعه السوري ,سقط  القناع  السوري وظهرت علوية السلطة  , والجيش أيضا علوي , والوظائف للعلويين  بشكل خاص,  وريع الفساد للعلويين,  وفساد الجمارك حكرا على العلويين  , ومن هنا  تبلورت الثورة  ارتكاسيا  لتصبح  ظاهريا سنية بالدرجة الأولى , لها “مظهر” سني !!, الا أنها حقيقة ليست  ثورة طائفة على طائفة أخرى ,وانما ثورة المظلومين على الظالم , ثورة الديموقراطية على الديكتاتورية  , ثورة الكرامة على الذل  , وبمجرد  سقوط الاستعمار العلوي   سيتبخر   الوعي الطائفي  , لأن هذا الوعي ليس من مصلحة الأكثرية ويفتقد في سوريا  الى طائفية الوعي التي تنظمه , كما هو حال لبنان مثلا . , والأكثرية ليست سنية  وانما  سورية , بمجرد سقوط السلطة الطائفية , ستسقط المعارضة الطائفية , والمنتصر سيكون  الطرف الثالث , ومع الطرف الثالث سوف لن يكون هناك تذبيح  وقطع رؤوس  وتمثيل بالجثث , ثم ان الطرف الثالث هو الوحيد المقبول عالميا , وهو الذي يستطيع اعادة الاعمارالمستحيل دون  مساعدة غربية

لايقتصر تجانس الثورة القسري  على العسكرة وعلى  التوحش , الفساد  هو مجال مهم للتجانس , حيث لاتخلو ممارسات الثوار  من فساد  ليس له شبيها الا فساد السلطة ..العنف ..  الخطف .. ..التعذيب ..ومن المنتظر أن  نصل الى وقت  يصبح من الصعب به تمييز شكل  الممارسات السلطوية عن شكل  الممارسات الثورية , وبالرغم من ذلك  سوف  لن يكفر  معظم مؤيدي الثورة  بهذه الثورة  , لأن تأييد الثورة  ثانوي بالنسبة  لحجب التأييدعن النظام  الذي هو أولي   ,  النظام سيئ  أولا  وما سيأتي  سيكون بدون أدنى شك أفضل  , لأنه لايوجد أسوء من النظام

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *