ان كان عدد القتلى من الشباب العلوي 20000 (فؤاد حميرى) أو 46600 أو 33000 حسب مصادر أخرى , فهذا لايغيرعلى الفاجعة مطلقا , اضافة الى ذلك فان كان عدد القتلى من الأطفال 15000 أو أكثر أو أقل , فهذا ليس بالأهمية المطلقة , وانما النسبية , وان كان عدد القتلى من المدنيين 100000 أو 300000 , فالأمر مشابه , واذا بلغ عدد البيوت المهدمة 3000000 أو 6000000 بيت فالأمر نسبي , والكارثة حدثت ولو بهدم 3000000 بيت , ثم عن الجنود والعساكر والضباط والكره وتقسيم البلد , ثم عدد اللاجئين بالملايين , وعدد النازحين بملاين أكبر , وعدد من أصبح فقيرا معدما من الملاين أكبر .. وهل يجب أن يحدث أكثر لكي نستطيع القول على أن الحالة بمنتهى الكارثية؟.
ماحدث يكفي لتشخيص الكارثة الغير مسبوقة في هذه البلاد أو في بلد آخر , والسؤال هنا كيف حدث كل ذلك ؟.
كل ذلك لأن السلطة السورية ترفض أن تكون “طبيعية ” , وطبيعية السلطة السياسية تعني التزام هذه السلطة بقواعد الحكم الرشيدة , ومن هذه القواعد عدم التوريث في جمهورية , منها أيضا عدم السماح للفساد بأن يستشري , ومنه أيضا اطلاق الحريات وعدم كبتها حسب معايير مقبولة ومطبقة في دول العالم الأخرى , ثم النهج الديموقراطي , الذي أصبح من بديهيات الحكم , ولم يبق في العالم الا عدد من الدول (أقل من عدد أصابع اليد الواحدة ) تحكم بشكل مطلق وديكتاتوري من قبل ديكتاتور يريد تأبيده, وتصوروا لو تحقق ولو ربع ماذكر , هل يمكن عندئذ أن يحدث ماحدث ؟ .
لايمكن أن يحدث ذلك , والبرهان هومانراه ونلمسه في بقية دول العالم , لقد رأينا شبيها مصغرا عن ذلك في ليبيا , حيث القذافي , ونراه اليوم في سوريا حيث الأسد , ومن البديهي والحالة كما ذكرت , ان يكون القذافي السبب الرئيس للكارثة هناك , وبالتالي أن يكون الأسد السبب الرئيسي للكارثة هنا , هذا الأمر لايحدث في سنغفورة ولا في المانيا أو البرازيل أو الهند , لأنه لايوجد هناك شبيه للأسد ولا يوجد هناك شبيه للقذافي , في العراق كان هناك شبيه للسادة الرؤساء , انظروا الى العراق الآن , وهل يستطيع العراق , حتى بعد سنوات من رحيل صدام أن يقترب من “الطبيعية ” ؟.
لايمكن لشعب أن يبقى “طبيعيا” عند تعرضه ولعشرات السنين لأوضاع غير طبيعية , ونحن في سوريا لم نعد طبيعيين , لأن من عمره الآن أربعين أو خمسين عاما لايعرف الا الأسدية الواحدة المتحدة مع الفساد , لايعرف الكثير من الخبرات والممارسات , التي تحول الانسان الى مواطن يطالب بحقوقه ويقوم بواجباته , وما يعرفه الأربعيني او الخمسيني بشكل عام هو كيفية التعايش مع الفساد , ومن البديهي أن تكون طرق التعايش مع الفساد طرق غير طبيعية , فالذي يراجع دائرة حكومية يحضر نفسه للدفع , حتى أصبحت هناك تسعيرات معروفة , فمن يريد قرضا من بنك مخلوف المسمى البنك العقاري , يعرف على أن رأس المال أي القرض يساوي المبلغ المتفق عليه ناقص 20% للسيد مخلوف , أي أن السيد مخلوف يقبض من كل 100 ليرة 20 ليرة , وفي كل الحالات , يدفع المستدين في الربع الأخير من الزمن المقفق لتسديد القرض فقط عن المدير مخلوف , وهذا يعني الفوائد أيضا ل 20% من قيمة القرض , والأمر مشابه في القضاء وعند شرطة السير وفي التموين والمالية وكال دوائر الحكومة بدون أي استثناء .
عودة الى المسؤولية والسؤال عن المسبب لانحراف الانسان السوري عن طبيعية الانسان بشكل عام , المسؤول هو الذي بيده الحل والربط , انه الأسد أو بكلمة أخرى الأسدية , التي أفسدت بشكل غير من طبائع الانسان وخبراته وعاداته وقيمه وأعرافه , الأسدية الفاسدة أنتجت الانسان الفاسد , والانسان الفاسد لايقوى على بناء “دولة” , لذا فاننا في سوريا لانزال في مرحلة ماقبل الدولة , أي في مرحلة العشائرية والطائفية , وعلى الأساس العشائري والطائفي ستأخذ البلاد شكلها المرتقب , شكل دويلات على أساس عشائري -طائفي , وحقيقة لانستحق أفضل من ذلك .. الشعب الذي يستحق أفضل من ذلك , هو الشعب الذي يثور على الفساد ليس بعد نصف قرن , وانما بعد نصف عام , الشعب الذي يستحق أفضل من ذلك , هو الشعب الذي لايقبل ترقية وزير دفاع الى رتبة رئيس للجمهورية , بعد أن تسبب هذا الوزير بخسارة الجولان عام 1967 ,.
اننا ندفع الآن الفاتورة مضاعفة , ومن يشك بذلك عليه قراءة المقال مرة أخرى , خاصة عليه التعرف على الأرقام المدرجة , وعليه التأكد من صحتها , هذه هي الفاتورة .