الشاعر والأسد!

تواجد  الشاعر أدونيس بين الحضور  في جينيف , وابتعد عن  الحضور في باريس , على كل حال  لم يكن بالامكان  أن يرقص أدونيس  في كافة الأعراس  ,والأصح القول , لم يكن بامكانه   السير في جنازتين  بآن واحد ,حاله حال أهل سوريا , فمنهم من يجنز في دمشق  ومنهم من يجنز في حلب أو ادلب,  جنازة الزبداني كانت   يوم أول أمس جنازة  خاصة جدا  , ذلك لأن  القتلى في المدينة كانوا اثني  وعشرين قتيل , نصفهم   على الكمال والتمام أطفال , والنصف الآخر نساء…كلهم نازحون ,وقاتلهم كان  المركب الاجرامي  البعثي-الأسدي ,  والواقع  فان الفاعل الرئيسي  هو العنصر الأسدي  , الذي سار في جنازة البعثي   بعد أن ارداه  قتيلا ..بالتدرج  ..!

سألت نفسي  , لماذا يذهب أدونيس الى  المأتم السياسي؟؟ بالتأكيد لأنه حزين  ومفجوع , ولربما لأنه يريد أن يحاضر في علم الاجتماع أو علم الانسانيات  , وقد  أصاب لب الحقيقة عندما قال, على  أن الديكتاتورية  هي بالأساس  ثقافة وممارسةاجتماعية ,حيث لايعرف التراث العربي الثقافي قديما  أوحديثا  الا الثقافة الديكتاتورية , وذلك بعكس الديموقراطية , التي هي من خارج التراث الثقافي العربي ,   ومعه حق فالديكتاتورية هي ثقافةعامة  , وسوريا ليست منكوبة بديكتاتور واحد والى الأبد , وانما  يوجد في قلب ورأس كل سوري شيئ من الثقافة الديكتاتورية ,حيث أن  أكثر من 70%  من الشعب السوري ولد بعد عام 1963 , ومدارس الأسد  تخرج كل يوم دفعة جديدة من قطاع الطرق .

لا اريد القول مبدئيا على أن ملاحظة أدونيس هي دعوة   لانتهاج بعض التقبل  لديكتاتورية  للأسد , الا أن ماقاله  بعد ذلك  في سياق  تعليقه على الاشكالية السورية, يرفع من  الشبهة بأن أدونيس يرغب في  أن يترك  الأسد وشأنه ,حيث  يعطينا أدونيس الانطباع , على أن الفرق بين الأسد وغيره هو أمر نسبي ,وكل منا  قادر , اذا توفرت له الظروف , أن يصبح  أسدا  , ثم ان الأزمة  تجاوزت الأسد  بتحولها  الى  منازلة  في ميدان الجهاد الديني   , والى منازلة بين  اقاليم و وقارات المعمورة  , وأحد منتجات هذا النزال   الثانوية  هو  تخريب وتهديم سوريا . ويا سبحان مغير العقول  !هل من المعقول أن يصاب أدونيس  , كاتب الرسالةالناقدة  الى الأسد,   بغرام الأسد ,أدونيس يتقبل  الأسد الآن , لأنه لم يعد للأسد علاقة  بالمشكلة السورية , فالمشكلة تحولت إلى صراع إقليمي ودولي يتخطى إسقاط النظام إلى “تهديم سوريا وتحويلها إلى ميدان للجهاد الديني تشارك فيه جميع المعسكرات الأصولية في العالم.

ان تحول الأزمة الى صراع اقليمي يتخطى اسقاط النظام الى تهديم سوريا  وتحويلها  الى ميدان للجهاد الديني , لايعني , وأدونيس يعرف ذلك, على أن المشكلة الأساس لم تعدبحاجة الى علاج ..تم القفز فوقها !!وبالتالي  وضعها على الرف , وقد يفهم السيد الرئيس الأمر كذلك , وكأن  قصته انتهت  وحلت مشكلة أخرى مكان مشكلته  , وأظن جازما على أن أدونيس يعرف  على أن  عدد المشاكل تضاعف  , ولم تحل مسشكلة محل الأخرى , هناك “تراكم” مشاكل  ,مشكلة “شخص” الأسد هي أم المشاكل , وحلها لايتم الا باسئصال الأسدية   أشخاصا و ممارسة , وذلك للتمكن من حل  توابع الأسدية  , واذا لم يتم ذلك  , فستفرخ الأسدية مشاكل  كارثية  , وسيكون لبقاء الأسدية  عواقب  من الصعب تصورها ..حتى ان ماحدث لحد اليوم صعب التصور .

ادونيس يعيد ويكرر في كل مناسبة , على أن حل المشكلة الأسدية  لايقتصر على تغيير النظام  , لأن المرض  هو في الرأس وليس في الكرسي , وان الاصابة بوباء الفسادوالديكتااتورية  لايقتصر على بشار الأسد  ..اننا أمام  “تراث” الفساد والديكتاتورية ,,اننا أمام “ثقافة ” الفساد والديكتاتورية , لاشك بصواب تقييمه للحالة  , ولا أظن على أن احد يعاضه فيهذه الفكرة ,  للتمكن من  نشر حضارة جديد  , لابد من  ازالة العائق , الذي هوالأسد ولا بد من  قرن  مشروع تغيير السلطة أو النظام السياسي اقترانا عضويا بمشروع آخر هو تغيير المجتمع سياسيا وإداريا وثقافيا واجتماعيا”.ا

يقول أدونيس “العمل من أجل سوريا ديمقراطية ومن أجل دولة مدنية فيها يبدأ بأن نرفض قطعيا تحول سوريا -بحجة تغيير النظام- إلى ساحة لمباريات القوى الأجنبية الاستعمارية في تدخلها باسم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن نرفض تحويلها -باسم هذا التغيير أيضا- إلى ميدان للجهاد الديني تشارك فيه جميع المعسكرات الأصولية الإسلاموية في العالم”” ويصعب علي تفهم  هذه العبارات  , التي لاتميز  بين  “الممكن” والذي يمكن التحكم به , وبين  “الممكن”  الذي لايمكن التحكم به , لقد  كان  توريث الرئاسةعام 2000  “ممكن”, الا أنه  لم يمكن التحكم به  والسيطرة عليه ومنعه , ولم يكن بالامكان منع بشار الأسد من الانزلاق في  لاحضارة الأسدية  , ولم يكن بالامكان  تفادي عسكرة  جزء من الثورة , ولم يكن بالامكان منع ممارسة التوحش  , ولا تحاشي ولادة “النصرة ” , ولم يكن بالامكان  منع  الاستقطاب الطائفي  , وتحويل المشكلة  جزئيا الى مشكلة فقهية  وذج الحسين ويزيد بن معاوية بها ,ولا قيمة عملية لرفضنا تحويل سوريا الى  ملعب    لعسكر الغير , فالأسد هو الذي فعل ذلك , وهو الذي جاء  بالايرانيين  وجماعة حزب الله والروس ,  , لذلك كان على الجهة الأخرى , اما أن تستسلم أو تقبل تدخل الغير , وبشكل عام  وضع الأسد تطورات البلاد في اطار “قسري” , من الصعب تجاوزه , الانسان السوري ضعيف الامكانيات , وضعفة هو صورة عن ضعف الدولة  ,والدولة تضعف عندما  تكون سياسة السلطة التي تدير أمور الدولة  قاصرة  , والسياسة الأسدية  انهكت الدولة  في كل المجالات  اقتصاديا  وسياسيا وعسكريا واجتماعيا ,  وكيف يمكن  أن تكون الدولة قوية عندما يحكمها  ديكتاتور   وبالتوريث اضافة على ذلك ,الدولة القوية هي  دولة الحريات والديموقرلااطية , ودولة الفساد  ودولة اللادستور لايمكن أن تكون قوية, سوريا مستعمرة  عن طريق امبريالية داخلية ومصير السوري للأسف   ليس بيده ,لايمكن للسوري  أن  يكون له قرار مستقل الا بعد أن يصبح مستقل ,  أي بعد تحريره من استعباد الأسد .

ثورة الانسان السوري  ضد العبودية , تعني على أنه يريد الحرية  , وارادة الحرية شيئ  , ثم المقدرة على تحقيق الحرية شيئ آخر,وأدونيس ليس على حق عندما يقول بأن المجتمع لايتغير بتغيير حكامه ,  فالمقدرة على تحقيق الحرية  في دولة ما  تتناسب طردا  مع  تحرر الحاكم  وديموقراطيته ونزاهته , وعكسا مع الديكتاتورية  , وللديكتاتوريات  درجات  , وديكتاتوريتنا  من  أسوء اشكال الديكتاتوريات في التاريخ ,  وأعجب من  “المحرك ” الداخلي,  الذي  يدفع أدونيس  احيانا الى تبوء موقف  فيه  بعض التفهم للديكتاتور السوري.

أخيرا يتساءل أدونيس عن جدوى الثورة السورية , وغيرها من الثورات  , اذا لم تؤسس هذه الثورات الى تحرير وتحرر الفرد ,فهناك الكثير من الحركات  , التي تسمى ثورات , والتي تؤسس الى استعباد الفرد , منها  ثورة الثامن من آذار وثورة القذافي  وغيرهم , الثورة السورية الحالية هي ثورة للحرية والتحرر,لانها اندلعت ضد العبودية والاستعباد , ولا يستطيع أحد ضمان استقامة مسيرتها , لأن هذه المسيرة معرضة الى الكثير من التأثيرات  السلبية والايجابية  , ولا أظن  على أن الأسد  سيحترم ماطالبه به أدونيس  بخصوص حريات الشعوب , سوف لن  يعط شيئ طوعا , ولا يمكن للحرية التي صادرها  ان تعود الى أصحابها الا قسرا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *