كلما تطورت الحالة السورية ,تتوضح بعض جوانبها أكثر , بحيث يمكن القول على أن السلطة ساقطة في النهاية , حتى ولو كلف ذلك حربا تطول الى خمسين سنة ,سقوط السلطة هو أحد الثوابت , ولا أظن على أن هناك اختلاف حول هذه النقطة بين المؤيد والمعارض , السؤال كيف ؟ ومتى ؟ خاصة كيف سيكون الوضع بعد السقوط الحتمي ؟
سقوط السلطة الحتمي لايمكن ان يتم بدون القوى الاسلامية المؤهلة للصراع العسكري , الذي فرضته السلطة على الثورة , السلطة ارادت عامدة متعمدة العسكرة , ظنا منها على أنها تسطيع القضاء على الثورة المعسكرة بسهوله ,اضافة الى كون القضاء على الثورة السلمية سهل جدا , حيث تتم لملمة السلميين وزجهم في السجون , وبذلك ينتهي كل شيئ وينعم الأسد بولاية أو ولايات عديدة , الا أن حساب البيدر اختلف عن حساب الحقل , والسلطة الآن في ورطة كبيرة.
القوى الاسلامية موجودة على الأرض , وبقاء الأسد زاد من اسلمة هذه القوى بشكل ملحوظ , ولما أصبح الصراع عسكري في معظمه , لذا فان السقوط لايمكن له ان يتم الا من خلال القوى العسكرية , التي تأسلمت بشكل أكبر , وهذا أيضا ثابت من الثوابت الذي لاجدل حوله , السؤال في أي مرحلة من مراحل ازدياد قوة التيار المتأسلم سيتم السقوط , هل يتم في مرحلة مبكرة , حيث يمكن التعامل مع التيار الاسلامي بسهولة بعد السقوط , أو يتم السقوط في مرحلة تكون بها قوة التيار الاسلامي في أوجها , عندها يصبح التعامل مع هذا التيار أصعب بكثير , عندها سيفرض هذا التيار شروطا أعظم , وهذا منطقي بعض الشيئ , لأن التيار الاسلامي قدم الضحايا بشكل رئيسي ,وفي هذه الحالة ليس من المؤكد على أن الدولة السورية ستبقىى قيد الوجود, هناك خطر كبير على الدولة من الاندثار .
الرئاسة السورية , التي تدعي حرصها على الوطن , لم تدرك الحقيقة التي تقول على أن استمرار السلطة في الوجوديزيد من قوة التيار الاسلامي , ولو رحلت السلطة قبل عام ونصف لما كان هناك أي خطر من تزايد الأسلمة , ولبقي دور التيار الاسلامي هامشي , الا أن الأسد حقيقة غير مهتم بكل ذلك , وهمهه الأساسي هو البقاء , حتى لو احترقت سوريا ..قيل ذلك بصراحة ووضوح , ثم ان الأسد لم يفعل شيئا لاضعاف التوجهات المذهبية في البلاد , على العكس , اعطى الانطباع بأن السلطة علوية , مما قاد الى الارتكاس السني والى الحرؤب الأهلية الطائفية التي تدمر الوطن , أو دمرته بشكل رئيسي.
على الرغم من الاشكالية المنتظرة في التعامل مع التيار الاسلامي , يبقى مبدأ السقوط أولا قائم , ويبقى الاجماع على ذلك أيضا قائم , اذ أنه لايوجد أسوء من بقاء السلطة بأي شكل ما , والتحالف مع الاسلاميين في سياق اسقاط السلطة يبقى الوسيلة الأقل ضررا من أي شيئ آخر , وذلك على الرغم من كون هذا الحلف يحل مشكلة ويسبب مشكلة أخرى , فاضافة على غربة التيار الاسلامي عن معالم الحياة الحديثة , لم يسمح الأسد لهذا التيار أن يجمع خبرات سياسية في ظل المادة 49 من قانون العقوبات , التي تعاقب مجرد العضوية في جماعة الاخوان بالموت شنقا , الاخوان يتصرفون وكأنهم جدد على السياسة بلا خبرة , وعلى هذه النقطة برهنت اساليب عملهم بما يخص اعلان دمشق عام 2005 , وما يخص حلفهم مع رجل السلطة خدام عام 2006 ’, وتقلباتهم التي لاتعرف حدودا , العمل معهم مربك , والعمل لاسقاط السلطة بدونهم مستحيل .
من أهم الأمور التي من الواجب التنبه اليها , هي قضية الالتزام بالديموقراطية , والتيار الاسلامي يظهرقدرا كافيا نسبيا من الالتزام , فالديموقراطية هي الصخرة التي تتكسر عليها امواج التيارات الغيبية الدينية المذهبية , تقتيل الاخوان في جو ديكتاتوري وتشريدهم وسجنهم وشنقهم حسب المادة 49 لايؤدي الا الى تقويتهم , وهذه حقيقة أخرى لم يدركها نظام مدمن على العنف ولايفتقر على الغباء .
سوريا ستدفع الكثير من الفواتير , لعلها تقوى على ذلك قبل أن تعلن افلاسها .