بمناسبة انتقال البطريرك هزيم الى رحمة الله !
توفي يوم أمس البطريرك هزيم في بيروت اثر جلطة دماغية , للمتوفي الرحمة !
في الوقت الذي توفي به البطريرك هزيم عن يناهز التسعين عاما , يقتل في سوريا يوميا مئات السوريين غدرا ,منهم اطفالا ومنهم رجالا ونساء وشيوخا , لهم الرحمة أيضا , لا بل المزيد من الرحمة , ذلك لأنهم قتلوا على يد الاجرام , ليس اثر جلطات دماغية , ولكن بالرصاص عمدا وغدرا .
لقد انتظر المواطن السوري من الكنيسة , التي لايخفى عليها تدني عدد رعاياها الى النصف في الأربعين سنة الماضية موقفا انسانيا يهتم بأسباب انقراض المسيحية في سوريا الى النصف تقريبا , وآخر ما ينتظره المواطن المسيحي من الكنيسة هو الموقف ” السياسي ” مع جهة وضد جهة أخرى في الصراع القائم في الوطن , ليس منذ عامين فقط , وانما منذ نصف قرن من الزمن , فمنذ نصف قرن من الزمن يناضل الانسان السوري , ان كان مسيحيا أو مسلما من أجل حقوق طبيعية , منها حرية الانسان بحياة حرة ضمن قانون يحدد الحقوق والواجبات ويساوي بين الجميع .
للأسف لم تعرف حياة الانسان السوري في عشرات السنين الأخيرة ماهو طبيعي , لقد عاش الانسان السوري طوال هذه السنين ضمن منظومة الاستبداد والقهر والتسلط وعدم المساواة والعنصرية بأشكالها المختلفة , مما دفعه الى الهجرة أو الهروب والبحث عن وطن آخر تتوفر به شروط الحياة الكريمة ضمن منظومة الاحترام المتبادل بين الفرد والسلطة , بين الفرد والمجتمع , وفي هذا السياق اندثر المكون المسيحي في سوريا الى النصف تقريبا , حيث لم يهجر الانسان وطنه الا مكرها, ومع تعدد وتنوع أشكال الاكراه كانت النتيجة واحدة وهي الهروب وتقلص المكون المسيحي الى النصف , والأمر ينطبق على حقيقة على الجميع , ففي سوريا يعيش الآن حوالي 23 مليون سوري , وفي المهجر يعيش أكثر من 18 مليون سوري , منهم من هرب من الفقر ومنهم من هرب من الظلم, ومنهم من هاجر أو هرب من الخوف ..تعددت الأسباب والنتيجة واحدة .
لقد اتخذ بعض رجال الدين المسيحي موقفا سياسيا من الأحداث , حيث لم يكن لهم الحق أو الواجب باتخاذ المواقف السياسية , لقد حاولوا تبرير هذا الموقف , وبالتالي ارتكبوا الخطأ مضاعفا , لقد اعلن بعضهم على أن المسيحيون في سوريا يدعمون الأسد , ويخافون المستقبل المجهول , والمستقبل المجهول هو بالنسبة لهم مستقبل ممارسة الطقوس الدينية بشكل علني , ولا أظن حقيقة على أنه يجوز تقزيم المستقبل واختذاله بممارسة الطقوس الدينية , فالمستقبل يعني أكثر بكثير من ممارسة الطقوس الدينية , المستقبل كالحاضر يعني كل جوانب الحياة , وأقل جانب من جوانب الحياة أهمية هو جانب ممارسة الطقوس الدينية , التي مارسها الانسان السوري بكل أريحية وحرية , على الأقل في فترة مابعد الاستقلال حتى بداية النكبة التي أريد تأريخها ليس بعام 1963 وانما بعام 1958, حيث انه يمكن اعتبار عام 1958 هو بداية مرحلة العذاب السوري وبداية التضييق عليه في ممارسة كل الطقوس الحياتية , ومنها الطقوس السياسية والطقوس الديموقراطية وغيرها من الطقوس الأكثر أهمية من الطقوس الدينية , واختذال الحريات من قبل بعض رجال الكنيسة بحرية ممارسة الطقوس الدينية لاينم الا عن عدم معرفة وعن جهل بجوانب الحياة المتعددة والمهمة , ومن أين لبعض رجال الدين المسيحي الخبرة بالجوانب الأخرى من الحياة ؟ , مثلا الجانب العائلي أو السياسي !.
بالرغم من عدم المعرفة وانعدام الخبرة , تكلم هؤلاء باسم الطائفة المسيحية , واعلونها تأييدا مطلقا لمنظومة الاستبداد والاستعباد والاكراه والديكتاتورية , ولا أعرف على أي مستند مسيحي أو غير مسيحي استند هؤلاء في موقفهم , حيث لاعتب على رجل دين مسيحي لايتخذ موقفا سياسيا باسم الطائفة , ولا عتب على رجل الدين المسيحي , الذي يتخذ موقفا”شخصيا” من السياسة , خلطوا الشخصي مع الموضوعي وأربكوا المواطن بربط مستقبله بجهة معينة لايريدها بالضرورة , وبالتالي استبدوا كما استبد المستبد , وظلموا كما ظلم الظالم .
كم أأمل ويأمل معي العديد من أفراد الطائفة المسيحية , أن يعود بعض رجال الدين الى “رشدهم” , وان يلتزموا بممارسة مهماتهم الكنسية , التي عبر عنها الانجيل بقوله : اعطوا ما لقيصر لقيصر , وما لله لله.