يريد البعض القول بجدية على أن الاسلام السياسي المتأخر والرجعي قام بثورات الربيع العربي ضد سلاطين وفراعنة العرب , أي أنه ثار ضد نفسه وضد شركائه من الحكام , الذين اقتسموا مع الاسلام السياسي السلطة في جميع الدول العربية , التي حطم الربيع العربي بعد أصنامها , ولماذا يثور الاسلام السياسي على نفسه ؟وأي مصلحة له بذلك ؟ .
تتميز دول الربيع العربي بتواجد عدة ظواهر تبدو وكأنها لاتتناسب مع بعضها البعض , ففي تونس هناك الآن نظام انتخابات حرة , والحياة في هذه البلاد تسير ديموقراطيا بشكل مقبول , والديموقراطية تعني أصلا حرية الرأي للجميع , وللسلفي أيضا ,واذا خرج السلفي في ممارساته عن القانون يحاكم ويحكم عليه قانونيا , وأكثر من ذلك يلغي الصفة الديموقراطية للنظام ..تعليق البشر على المشانق ليس من شيم الديموقراطية , ومن يريد المشانق من مدعي التقدمية هو سلفي ابن سلفي وديكتاتور ابن ديكتاتور , الديموقراطية لاتعرف المنع والحجب , تريد ديموقراطية , عليك أن تتعامل مع الآخر ديموقراطيا وليس ديكتااتوريا , واذا انزعجت من السلفي فعليك سجاله بالكلمة والفكرة , واذا لجأت للسوط والسجن التعسفي ,تصبح سلفي ابن سلفي . .
لو أخذنا دولة أخرى كليبيا حيث جرت انتخابات حرة نال الاسلاميون من خلالها خمس المقاعد في المجلس النيابي , والأمور تسير بشكل ديموقراطي غير متوقع , ثم مصر كذلك, حيث نال الاخوان حوالي 40%من الأصوات , وأصبح السيد مرسي رئيسا للجمهورية بفارق حوالي 1,5% من الأصوات , والسيد مرسي ملتزم بقدر جيد بالديموقراطية , تستطيع التظاهر ضده أو معه , هناك جرائد ضده ومعه , تستطيع انتقاده علنا , ثم انه خسر معركة ضد القضاء , وأين نحن من ممارسات من هذا النوع في سوريا ” العلمانية” التقدمية , هل تستطيع انتقاد الأسد , وهل هناك جريدة معارضة وهل يمكن للاسد أن يخسر جولة ضد القضاء, وهل يوجد أصلا قضاء؟.
ان عالم مصر وعالم تونس وليبيا هوعالم آخر ,عالم لايمت بصلة الى عالم سوريا الأسد ولا الى عالم عبد الله السعودي , وقد يوازي وضع لبنان , انه حلم لكل سوري ان يتظاهر دون ان يردى قتيلا , وحتى ليبيا الأمية سبقت سوريا بعشرات السنين , وبين سوريا ومص فرق تطوري سياسي يصل الى أكثر من 50 سنة , وذلك بالرغم من كون تأهيل الشعب السوري ثقافيا أفضل بكثير من تأهيل الشعب الليبي أو الشعب المصري.
هناك من يقول على أن الاسلام السياسي قام بالثورات من أجل الديموقراطية والحرية , وكيف يمكن للاسلام السياسي ان يقوم بتلك الثورات , التي تعاكس اهدافه ؟ هنا يمكن تفسير ذلك بعدة أشكال . الشكل الأول يتمثل بفهمنا الخاطئ للاسلام السيااسي , أي ان الاسلام السياسي حقيقة ديموقراطي ,ديموقراطية لم يكتسشفها أحد لحد الآن , أمر غير معقول . , الشكل الثاني هو ان الوضع يتمظهر بانه اسلام سياسي , وهو في واقع الأمر أمر شبابي يعتمد لغة ومفردات تثير الشك حول انتمائه , انه متهم يالاسلامية السياسية وهو ليس بالاسلامي السياسي ,لأنه في الحقيقة لايمكن للوعي والسلوك الطائفيين ان يتحركا الا من ضمن الشبكة المصلحية والاقتصادية والسياسية في البلاد , الحاجات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية تخضع لمصالح طبقية وحسابات ربح وخسارة , وليس الى منطلق مذهبي , وكل طبقة “مصالح”تجمع أطياف المذاهب كلها , لا طائفة بعينها , وأوضح االأمثلة عن التمظهر الطائفي , الذي يغلف طبقية الخلاف هو الوضع السوري , الثورة تتمظهر بمظهر طائفي , وهي في الواقع ثورة طبقية وسياسية واجتماعية , ثورة ضد التعسف الاجتماعي , الذي قضى على العدالة الاجتماعية , ثورة ضد الظلم , طبقة انظلمت من طبقة ظلمت ..ريف ومدينة , والثورة تضم كل الأطياف المظلومة في المجتمع السوري , وأكثريتهم من السنة , لذا تمظهرت بالمظهر السني , والسلطة كذلك تتمظهر علويا وهي في الواقع تضم اطيافا من المظلومين سابقا من سكان القرى ,الذين تحولوا الى ظالمين .
لم تفهم السلطة الفرق بين التمظهر والظاهرة , واعتقدت على أن الطائفية هي المحرك الوحيد للمؤيد والمعارض , وهذا الأمر أوقع بعض أطياف المعارضة بنفس الخطأ , فبعض الأطياف لم تميز بين التمظهر الطائفي , والظاهرة المدنية , مما قاد هذه الأطياف الى مقاتلة السلطة بادواتها الطائفية , وهكذا افرز الخلاف المدني حربا طائفية بامتياز , واللوم أكبر اللوم يقع على السلطة , التي امعنت في التمظهر الطائفي , سلطة لم تفهم ابسط آليات التفاهم مع الغير , سلطة اسكرتها البندقية والقنبلة , وبذلك قتلتها هذه البندقية والقنبلة قبل أن تقتل أعدائها , سلطة تطلق النار على المواطن وترميه بقنابلها هي سلطة ضعيفة حتى الموت , القوي لايستخدم القوة في المجتمعات البشرية , أما في الغابة وفي مجتمع الحيوانات فالأمر نقيض ذلك