سوريا والمقاربة الاحتلالية: جرف للاراضي، تدمير للمتلكات والبيوت.. تهجير وعقاب جماعي

1

يلجأ الاحتلال ( الاستعماري الاحلالي) في العادة إلى سياسات العقاب الجماعي التي يمكن أن تبدأ باعتقال احترازي ( اداري وبدون محاكمة) وتصفية جسدية وأخذ سكان منطقة أو قرية كرهائن ليسلم المقاومون أنفسهم، أو حتى لاستخدامهم دروع بشرية. ( أمر ينطبق على الحالة السورية حتى لو احتج البعض رافضا المقاربة)

في حالات كثيرة مارس نظام الفصل العنصري سياسات تغيير ديمغرافي في مناطق محددة، وهو أمر مارسه الاحتلال الصهيوني كجزأ من نهج احلال المستوطن بدل أصحاب الارض بسياسات جائرة تمتد من وضع اليد على الاراضي ( واعتبارها مناطق عسكرية) ثم تسريبها لبناء تجمعات تحيط وتهضم الارض العربية.. وتمتد سياسات العقوبات الجماعية، كنوع من جعل حياة البشر مستحيلة، إلى قطع الامدادات الحيوية لحياة الناس من الكهرباء الى الماء وفي أحيان كثيرة يتسم هذا النوع من العقوبات بما لا يمكن لبشر تحمله كجرف الاراضي الزراعية وقطع الاشجار المثمرة والمعمرة كأشجار الزيتون في فلسطين وحرق المحاصيل الزراعية ومنع الناس من اعادة بناء البنية التحتية بقرارات عسكرية جائرة. ( أمر مورس ويمارس من قبل طاغية دمشق)

2

في أكثر الحالات القهرية التي تهدف الى تغيير الديمغرافية السكانية بجعل الحياة مستحيلة يلجأ الاحتلال إلى ممارسة تُنتج التهجير… وتمارس هذه المسائل على المجموعات السكانية التي بالتأكيد لا تدين بالولاء ولا تخضع لسلطة الأمر الواقع كما كان حال في جنوب أفريقيا… وفي حالة الاحتلال الصهيوني مصادرة الاراضي وجرف البيوت ( بعد أن كانت عمليات نسف بيوت مقاومين وناشطين) بحجج كثيرة تهدف كلها للمساس بالفلسطينيين ومستقبل حياتهم في أماكنهم ولا يتم الاقتراب من اليهود مثلا… في محاولات تهويد الجليل لم يكن الاحتلال يعنيه تمدد اليهود على حساب العرب… وفي الضفة الغربية ما يهمه هو تقليص الرقعة الجغرافية التي يقيم عليها الفلسطينيين من خلال الحاكم العسكري في السابق وسياسات تتبناها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لاحقا… ( تقديرات بتهجير أكثر من ٥ مليون سوري داخليا وخارجيا وتضرر حياتهم)

3 طالب السوريون بتغيير النظام فكان الجواب تدميرا

في سوريا اليوم ، التسمية الصحيحة لما يجري في داخل دمشق وريفها وفي حمص وريفها وفي حماة وريفها ودرعا وريفها ينطبق عليه تماما تسمية الاحتلال… فالعقوبات الجماعية بالقصف العشوائي وتدمير الابنية والبنية التحتية لحياة الناس كقصف مخازن الاغذية والحبوب والافران والمخابز ومنع الغاز ومشتقات الوقود عن مناطق بعينها والسماح بوجود حياة طبيعية في أماكن لا تبعد مئات الامتار عن المدمرة تشير بوضوح الى أنها سياسة تركيع ومفاضلة أجادها المستعمرون عبر التاريخ وان فشلوا وركلوا في النهاية رغم عملائهم الصغار والكبار ممن تماشوا مع تلك السياسات… هنا الوضع مختلف… في سوريا من ينهب بيوت ودكاكين الناس ، وبالجرم المشهود( سواء التقطت الكاميرا الامر ام لم تفعل) من الشعب الذي يشاهد دون أن يروي له أحد، هم هؤلاء الذين يسمون ” جيش الوطن” أو ” حماة الديار” ( المفارقة التي فضحتها حادثة الهجوم على مبنى الاركان والملتقطة بفيلم روسي أن جنود الوطن لم يكونوا يهتفون للوطن بقدر ما كان هتافهم كشبيحة للاسد والعهد بافتدائه بالروح والدم واقتران الله وسوريا باسمه) والوطن المنهوب والمنكوب بما يسمى جيش وطني لا تندمل جراحه بسهولة لسبب بسيط جدا:

هؤلاء ليسوا سوى سوريين عرفوا الاستعمار الفرنسي الذي لم يجرؤ على قتل أكثر من ٨٥٠ سوريا خلال استعمار ربع قرن.. ولم يجرؤ على تدمير المساجد والكنائس… ولم يقم بتغييرات ديمغرافية كالتي أجراها الحكم الاسدي خلال العقود الماضية..

مشاهد جرف الاراضي في منطقة المزة والتي كانت موجودة قبل وجود الاستعمار الفرنسي ثم القيام بتدمير البيوت والمساجد التاريخية في مناطق البساتين ( عدا عن التعديات التي قامت بها سرايا الدفاع بزعامة عم بشار رفعت الاسد في الثمانينات) ثم تدمير الحياة في القابون وبرزة وجرف البساتين والبيوت بدون حتى أن يستطيع السكان حمل ممتلكاتهم التي تم التقاط ” حماة الوطن” وهم ينهبونها… هذه ليست مشاهد يمكن أن تمحى بكذبة ” اعادة تنظيم” فالعمارات الحديثة التي كان ” حماة الديار” يتفاخرون وهم ينسفونها في منطقة الزاهرة بدمشق ليست أيضا عملا تنظيميا…

4

جرف الأراضي وحرق المحاصيل الزراعية في حوران وادلب وحماة في العام الماضي كانت كالكذبة التي لم يكن ليصدقها الكثيرون… الذهاب نحو منطقة يلدا، بعد اعدام الحمير في درعا، واعدام الابقار التي تعود للفلاحين هناك لا تدخل في سياسة ” اعادة التنظيم”… تذكرنا كل هذه الممارسات بممارسات استعمارية واحتلالية( وان لم تكن بنفس الفظاعة والوقاحة)… في احدى حالات جنود الاحتلال الصهيوني جرى نهب نقود أحد العوائل الفلسطينية… ورغم اننا نتحدث عن احتلال صهيوني إلا أن النقود عادت والجنود تم معاقبتهم( وإن كان الأمر دعائيا لاخلاقيات كاذبة يبثها الاحتلال) بينما جميعنا شاهد النهب والسرقة دون وازع… بل في مدينة دوما شهدنا شريطا مسربا يقوم ضابط من القصر الجمهوري بركل جثث بعض الرجال ( بغض النظر ان كانوا مقاتلين ام مدنيين) ويشجع جنوده باعطاء أحدهم مبلغا ماليا ” حلوان” ويصر عليه لأخذه…. بينما إلى اليوم مازالت لعنة التمثيل بجثة الشهيدة دلال المغربي تلاحق ايهود باراك…

المقارنة بين ممارسة الاحتلال( وهو احتلال اجنبي بكل الاحوال) وممارسات جيش وطني تحول الى ممارسات فرق موت وعصابات وشبيحة يتفاخرون بهتاف ” يا بشار لا تهتم عندك شبيحة بتشرب دم” لهي ممارسات مقززة ومقرفة ومدانة حين قام بضعة جنود صهاينة بأخذ صور تذكارية على جثة شاب فلسطيني… فما بالك أمام عصابات سورية تتفاخر بالتصور وبالفيديو ” منشان المعلم”( يقول أحدهم للاخر)!!

تلك المقارنة المخزية يضطرنا اليها هذا الانحطاط الذي يجعل الشعب السوري غير مصدق ( كما اللواء المقت) بأن طائرات بشار الاسد ترمي براميل مدمرة فوق المدنيين لتركيعهم وزرع فجوة بينهم وبين المقاومين… أليست سياسة إرسال رسائل نصية عبر الهواتف المحمولة للسوريين لتسليم أسلحتهم والابتعاد عن ايواء المسلحين كونهم ارهابيين… التوقيع: الجيش العربي السوري… هي نفس طريقة رسائل نصية يرسلها الاحتلال ويرمي المناشير التي تحذر من المقاومة الفلسطينية وضرورة التبليغ عنها والابتعاد عنها… التوقيع: جيش الدفاع الاسرائيلي!

المقارنة مخزية لأنك ستقف أمام فائض أخلاقي يفترض أن يكون لمصلحة جيش عربي! لكن ما هي هذه العروبة الباقية من الاسم اذا كانت المدن التي تدمر ويعاقب سكانها وينعتون بارهابيين وبرعاية رسمية من شركة هاتف جوال يملكها آل الأسد؟!

5

ربما يعيش البعض مأزقا “قوميا” وهو لا يجد أمام تلك الأفعال المشينة والموصوفة بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية حين يمارسها الاحتلال، ولكن حين يمارسها شبيحة الاسد تصير لها مبررات لا تختلف البتة عن ممارسات أقل عند الاحتلال… المأزق القومجي الذي نتحدث عنه هو في تباكي هؤلاء على جرف أراضي غزة وقصفها وقصف عائلة الطفلة غالية على شاطئ البحر بينما رمي البراميل البدائية وتفجير العمارات في كل المدن السورية يحيله هؤلاء إلى ” المؤامرة”! أفلا ينطبق هذا المنطق على ” منطق صهيوني” يقول نحن نتعرض لمؤامرة عربية لرمينا في البحر وكما يقول القومجيون بأن الامر في سوريا ” دفاع عن النفس” فقد قالته اسرائيل في قانا الاولى والثانية وفي تدمير قرى الجنوب اللبناني وضرب البنية التحتية وهدم الضاحية الجنوبية… كل ذلك مدان إلا في سوريا…

كيف يمكن للواحد أن يكون مقاوما او حزبا يدعي المقاومة وبصفة اسلامية ويكذب بكل وضوح قائلا: مافي شي بحمص! بينما حمص كانت تدمر في شهر فبراير ومارس؟! المسألة تاريخ والتاريخ يسجل، وكما لم ينسى السوريون عدد شهداء ثورتهم ضد الفرنساوي فلا يمكنهم أن ينسوا كل الاكاذيب وكل الهراء الذي يأتي به هؤلاء القومجيون والممانعون وهم يغرقون في نفاق الحقيقة المغيبة عن سياسة نظام مدعي ومتاجر ووظيفي وهو يمارس صورة طبق الأصل( بل شخصيا أجدها أفظع) لاحتلال صهيوني يمارس التهجير والجرف في النقب والمثلث وينهب أراضي القدس ويجرف المقابر بينما طائرات الاسد تقصف المقابر وتنبش القبور وتهدم المساجد وتتهكم على معتقدات الناس وتطلب التأليه والتقديس له؟!

6

العقاب الجماعي الذي يظن بشار وعصابته ( الداخلية والاقليمية والروسية) قادرة على محو ذاكرة الاجرام الممارس بخلط الاوراق كما فعل ابيه في حماة هي سياسة خرقاء وبلهاء لن تزيد الناس سوى اصرارا على اقتلاعه… ومثل كذبة ” علم الانتداب” وهو علم الاستقلال الذي كانت حكومة بشار الاسد تصدر الطوابع البريدية بذكرى ” الجلاء” في كل عام يكذب إعلام ما يسمى ” المقاومة” ويغيب الاعلام الجديد في حلته المسماة الميادين وصحف الممانعة كصحيفة الاخبار والسفير حقيقة ما يجري على الأرض من محاولات قهر وتركيع الناس وايجاد حجج سخيفة لا علاقة للاعلام بها فهي ليست من مهامه تبرير الجرائم في جرف بيوت الناس وبساتينها بحجة ” اعادة تنظيم”… فأنا شخصيا شبه متأكد بأن خرسهم هذا لن يكون كما هو لو تعرضت منطقة مزة ٨٦ وعش الورور ومرتفعات الهامة والقاعة لهذا التنكيل أو لهجوم ما ( فمن يستطيع ضرب أركان الجيش السوري قادر على ضرب مرابض المدفعية في السومرية والتي تمطر داريا والمعضمية والمزة وكفرسوسة)… لكن ماذا سيقولون عندها؟!

انظروا انهم طائفيون!

الذبح إعداما! لا يقل اجراما عن القتل ببراميل ومدفعية عصابات همجية، ولا يقل عن ترويع العصابات الصهيونية في بدايات القرن الماضي… لكن بربكم لماذا يوميا يجب أن يكون هناك ذبح في المزة وكفرسوسة والمعضمية وجديدة عرطوز وقدسيا وبرزة؟! لماذا الذبح لو كان من عصابات ارهابية مسلحة ليس في السومرية أو في مناطق موالية للنظام؟!

سيقول البعض: لأن تلك المناطق لا يستطيع الوصول اليها العصابات المسلحة لأنها مسلحة! فمن سلحها اذا ولماذا سُلحت؟! وهل العصابات المزعومة التي تضرب في طوابق اركان النظام وتفجر هنا وهناك سيخيفها بضعة شبيحة ( ومن أحد جرائم واكاذيب اعلام الممانعة قصص تسليح العصابات للاطفال بينما المناطق الموالية وبشهادة سكانها يروعهم منظر اطفال حملهم بشار الاسد عبر ابن خاله كلاشنكوف اطول من قاماتهم)!

7

لا يمكن لمن لم يضمر عقله نتيجة تعطيله لفترة عام ونصف من الوجبات الجاهزة المقدمة عبر وسائل اعلام لو تم تفحصها في كليات الاعلام لرموها في حاويات الزبالة، بحيث كانت التمثيليات الرديئة تردد كل أكاذيب نظام وعد بقتل “٦٤ ألف وكسور” واختراع شعارات منسوبة لثورة السوريين دون دليل واحد عن طائفية الثورة لمجرد أنها خرجت من المساجد… أقول لا يمكن لعاقل أن لا يفهم ما الذي يهدف إليه نظام يدعي فيلسوفه شريف شحادة ” نقاوم بيد ونبني بيد أخرى” وهو يعلق على نسف عمارة كاملة في الزاهرة بدمشق من عمليات الهدم والتجريف والتهجير ثم ملاحقة النازحين الذين ينتشرون في حدائق العاصمة السورية وبامكان كل السوريين رؤية الأمر وكأن فلسطينيا نسف بيته ويقيم بالقرب منه متحسرا مقهورا وتعتمره رغبة بالانتقام… والعاقل هو من يفكر بما ستؤول إليه سياسة احتلال استعماري يمارسها ” جيش وطني” صار بنظر شعبه مجرد عصابات وشبيحة ومجموعات قتلة واعدام ميداني وسراق لا أكثر ولا أقل… بل كيف لعاقل أن لا يسأل نفسه السؤال التالي: يقول الاسد نحن في حرب وقد تطول… والحرب عادة تؤدي إلى دمار وهو ما تقوم به قواته من تدمير لم يترك ربما سوى ٣ محافظات بدون أن يطالها هذا الدمار… ويهجر سكانها… فكيف بحق السماء وبكل وقاحة يقال بأن االجرافات وأصابع الديناميت وقذائف الدبابات التي تدمر أحياء في العاصمة ومحيطها هي بسبب مخطط اعادة تنظيم؟! هل في الحرب التي يكون فيها الانسان بحاجة لحائط وسقف يأويه وأهله يتذكر النظام مخطط تنظيم المدن؟! ولماذا تحديدا في تلك المناطق وليس فيما ذكرناه من مناطق آنفا؟!

خلاصة

العقل يا سادة يتطلب وقفة أمام هذا الجنون وأمام ما تزرعه مجموعات من الرعاع والعصابات التي تلبس لباس عسكر وتعطى مسمى وظيفي وتتلقى راتبها بالنهب والغنائم… فما يُزرع في النسيج الوطني السوري ليس فيه ما يسر مؤيدي هذه العصابة التي لا تركل فقط جثث المقاتلين ضدها بل تقول : هؤلاء كلابكم وليسوا كلابنا! والنصرف وفق منطق العصابات الاحتلالية سيجر من الكوارث التي لن تكترث لا للتعقل ولا لدعوات التسامح… لقد ذهبت راشيل كوري ضحية بلدوزر صهيوني يجرف اراضي وبيوت الفلسطينيين في غزة… فإن كانت الأميركية راشيل أتت إلى غزة دفعا للقهر فما بال البعض يتفرج على جرافات سورية تجرف بيوت وآثار وطفولة وتاريخ ومستقبل سوريا؟! ما بال البعض يرى في الذبح اليومي طقسا من طقوس ” الدفاع عن الحبيب ابن الحبيب الخالد”!؟ الناس ليسوا بقرا ولا نعاجا ليقدموا قربانا لمحبة بضعة معتوهين وممسوحي دماغ باسم قبح التاريخ ومحبة لون عيون بشار وكأنهم يعاملونه كرب يُعبد!

إن القهر لن يولد خضوعا في الذاكرة والوعي الجمعي للبشر وفي الضمير المتحول إلى مأساة مشتركة كان يجب ومنذ أن استصرخت درعا شعبها في ابريل٢٠١١ أن يكون الأمر على غير ما وصل إليه استنادا إلى مرض الخوف بتقسيم الناس إلى أقليات وأكثرية… هذا العقل الصهيوني، بل الاخطر من الصهيوني لأنه مقلد من غير حساب ظانا بأن بوتين الروسي ليس سوى بو علي… وصار بوتين لما كان جده يحب أكل التين! إنها ليست مزحة بل هذا هو العقل الذي يبني الخوف من سوريا بحجة : نحن نقتلهم وندمرهم لنحميكم!؟ العقل ينسى من شبح على من في الساحل قبل المدن… والعقل ينسى أن سوريا هي سوريا قبل انتساب عائلة الأسد إلى القرداحة وخطف العلويين في سبيل تحقيق معادلة وطن آخر يتحول إلى مزرعة يملكها بضعة معتوهين ويرثها معاتيه وينتظر أن تورث لحافظ الثاني… فجاء هؤلاء ليخربوا المخطط… ويا للأسف سوريا كلها تُدمر لكي ينتقم ممن خرب مخطط توريث العصابة لعراب مازال لم يؤهل…

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *