الثاني: مسار تقديس المكان، بحيث يتحوّل المكان الذي يحتوي جثمان الأسد الأب إلى مكان مُقدّس أيضاً، وهو ما تطلق عليه أدبيات حزب البعث والإعلام الرسمي السوري بـ (ضريح القائد الخالد).
*
عقب وفاة الأسد الأب لم يبق مسؤول سوري واحد ابتداء من عضو قيادة فرقة حزبيّة في قرية نائية في البادية إلى عضو قيادة قُطرية للحزب لم يزر (ضريح القائد الخالد) مرة واحدة على الأقل، وعادة ما تأتي هذه الزيارات ضمن سياسة حكومية، تُبرمج وتُحدّد مَنْ وكيف ومتى تكون الزيارة، وأيّ تخلّف عن الزيارة كان يستدعي المساءلة المباشرة من قبل السلطة وأجهزتها الأمنية، خاصة في السنة الأولى والثانية عقب وفاة الأسد الأب، إضافة لهذا النمط من الزيارات الإلزامية، وُجِدَ نوع آخر من الزيارات يقوم به متطوّعون سيراً على الأقدام أو على الدراجات الهوائية قادمين من المحافظات السورية المختلفة، وكانت هذه الزيارات تحظى باهتمام إعلامي واسع، ويُكلّف المسؤولون الرسميون برعاية هذه الزيارات واستقبال الزائرين، وغالبية هؤلاء المتطوّعين من الانتهازيين الباحثين عن مكاسب مباشرة من السلطة ولزيادة رصيد الولاء في حوزتهم.
*
مع اندلاع الثورة السورية وانهيار حاجز الخوف تصدّعت جدران القداسة الزائفة التي سعى إليها الأسد الأب والأسد الابن، حيث جرى تمزيق صورهم وتحطيم أصنامهم ولعنهم جهاراً نهاراً في المظاهرات والساحات. ولكنّ هذه القداسة استمرّت لدى فئة الموالين لسلطة الأسد -وغالبيتهم حالياً لأسباب طائفية- وأخذت صوراً فجّة، من قبيل إجبار الناس على الهتاف له، والسجود لصورته، وإجبارهم على قول “لا إله إلا بشار”.. إلخ.
*
يتداول الثوار والصفحات الإلكترونية الداعمة للثورة أفكاراً حول مصير (ضريح القائد الخالد) القابع في مدينة القرداحة مسقط رأس الأسد الأب، وقد قرأتُ عن عمليات استهدافه بقذائف صاروخية مثلاً في الشهور الأخيرة، وبغض النظر عن مصداقية هكذا أخبار فإنّ الأفكار المطروحة تتراوح بين الهدم أو تفجير الضريح أو حتى تحويله لدورة مياه عمومية WC ..إلخ، ورغم كون هذا الحديث قد يكون سابقاً لأوانه، ولكنه يعبّر عن رمزية الثورة السورية والقيم البديلة التي تطرحها.
*
أمنية:
في حال انتصار الثورة السورية وإسقاط النظام، أقترح تحويل (ضريح القائد الخالد ) إلى (متحف الاستبداد) على غرار النُصب التذكارية لمجازر الإبادة الجماعية وضحايا (الهالوكوست) أو مشهد كربلاء.. إلخ، فالتجربة الأسدية لدى الشعب السوري شبيهة من حيث كارثيّتها بالتجربة النازية بالنسبة للشعب الألماني، والتجربة الأسدية يجب تحليلها ودراستها، ويجب الاستفادة من عبرها كي لا تتكرر، وإنّ تجسيدها مادياً ورمزياً في معلم معماري وثقافي، قد يحفظها بشكل أكبر من النسيان.
*
ربّما عندما يزور السياح سوريا المستقبل والتي نحلم بها، سيكون متحف الاستبداد في القرداحة إحدى محطّاتهم، فهناك يرقد جسد الطاغية وملحقاته، ثمّة نصب تذكاري لمجازر الطاغية، نصب مرتّب وفقاً للتسلسل الزمني لحدوثه: ابتداء من مجزرة سجن تدمر، مجزرة جسر الشغور، مجزرة حماة، مجزرة سجن صيدنايا، مجزرة الحولة، مجزرة القبير، مجزرة التريمسة، مجزرة داريا.. إلخ.
وسنجد في بهو المتحف نماذج من أدوات التعذيب التي استخدمها الطاغية وزبانيته في قمع أحرار سوريا من الدولاب إلى الكرسي الألماني إلى التابوت، وكل ما تفتّق عنه العقل الجهنّمي لزبانية الاستبداد، وعلى جدران المتحف سنجد صور بوتريه لشهداء الثورة السورية: الطفل حمزة الخطيب، الطفل تامر الشرعي، قاشوش حماة، والمناضل مشعل تمو، غياث مطر، الطبيب عيسى عجاج، والسينمائي باسل الخطيب وغيرهم من أحرار سوريا.
وستوزّع على الزوار نسخ مجّانية من كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي، ونسخ رواية القوقعة (سيرة ذاتية في سجن تدمر) لمصطفى خليفة على سبيل المثال لا الحصر.. وستعرض في صالة مجاورة أفلام السينمائي الشهيد تامر العوام وأسامة محمد وهالة محمد وعمر أميرالاي أيضاً على سبيل المثال لا الحصر.
“من ضريح القائد الخالد..إلى متحف الاستبداد” comment for
فكرة رائعة..متحف الاستبداد , حيث يجب أن تبقى الأسدية رمزا لسلطة لايستحقها أي انسان ولا حتى الحيوان , في هذا المتحف يجب كتابة اسماء كل من اغتالهم النظام على الحجر , وسيبقى الأسد الى الأبد مع من اعتالهم وسجنهم وعذبهم في قاعة واحدة , سوف لن تهرب الأسماء بعد الآن خوفا وهلعا منه , انجازه الأساسي كان الخوف , ولا خوف بعد الآن ..نصف قرن ضاع من حياة هذا الشعب وقرن آخر ضروري من أجل ازالة القمامة التي تركتها الأسدية , وفي أحسن الأحوال قرن ونصف على أقل تقدير
فكرة رائعة..متحف الاستبداد , حيث يجب أن تبقى الأسدية رمزا لسلطة لايستحقها أي انسان ولا حتى الحيوان , في هذا المتحف يجب كتابة اسماء كل من اغتالهم النظام على الحجر , وسيبقى الأسد الى الأبد مع من اعتالهم وسجنهم وعذبهم في قاعة واحدة , سوف لن تهرب الأسماء بعد الآن خوفا وهلعا منه , انجازه الأساسي كان الخوف , ولا خوف بعد الآن ..نصف قرن ضاع من حياة هذا الشعب وقرن آخر ضروري من أجل ازالة القمامة التي تركتها الأسدية , وفي أحسن الأحوال قرن ونصف على أقل تقدير