ياليتكم فعلتموها قبل عشر سنوات !

لاشك بأن الشعب السوري باغلبيته رحب عام 2000 بالشاب بشار الأسد , وذلك من منطلقات  نفسية  وعملية , حيث أن نهاية سنين الأب الثلاثين كانت حلما لأكثرية السوريين , جاء الابن بهالة الشاب المنفتح  المتعلم , الذي قيل عن تربيته وثقافته على أنها انكليزية بحتة  , هو المؤمن  بالديموقراطية , التي تشربها في بريطانيا , وقد تعامى الكثيرون عن بعض الموبقات , التي بدأ  الرئيس الجديد بها  ماسمي “ولايته “  والطريقة التي تمت بها “مبايعته” , وأعرف على أن الكثير من السورييين  ابتسم  آنذاك  بفتور  وشيئ من التعجب  بسبب  مفردات الولاية والمبايعة ,  وحتى الانقضاض على الدستور  ولوي رقبته لكي يناسب رقبة  الرئيس الجديد لم يكن بتلك الفاجعة   في ادراك البشر السوري , الذي لم يتثقف سياسيا بشكل يجعله  يغضب أو يعترض على تمثيلية  كالتي جرت في اطار تغيير عمر الرئيس , الشعب لم يلاحظ في الثلاثين سنة التي انقضت أي احترام للدستور من قبل الأسد الأب ..انه الدستور  وكل شيئ في البلاد .

سنين الولاية الأولى  كانت سنين عجاف  , بدأت بنزوير ارادة الشعب  واستجحاشه   ” بتلفيقة ” الاستفتاء التي انتهت ” بتزويرة ” نتائج هذا  الاستفتاء , فالرئيس نال حوالي 99% من أصوات الشعب , وبذلك تفوق على الله عز وجل , كتفوق والده عليه بنتائج استفتاء مشابهة   حيث نال 100% من الأصوات , وكل ماحدث  لم ينبه الشعب  الى فداحة الوضع , ولم ينتبه الشعب على أن كفاءة الرئيس الجديد تقتصر  على كون هذا “الشبل” هو  من سلالة هذا “الأسد” , ولم ينتبه الشعب  اطلاقا الى مسرحية ماضي هذا الشبل  , الذي أتى من انكلترا على عجلة بعد وفاة  شقيقه باسل في حادث سيارة  عام 1994  وكان في الثامنة والعشرين من عمره  , وفي أقل من سنة  تحول الى عسكري برتبة نقيب  , وخلا شهرين فقط ترفع الى رتبة رائد  , وبعد سنة ترفع الى رتبة عقيد  , وخلال ستة ساعات ترفع بعد  وفاة والده الى رتبة فريق أول  وقائد عام للجيش والقوات المسلحة  ثم امينا عامل  قطريا وقوميا لحزب البعث ومرشحا من القيادة البعثية لمنصب رئيس الجمهورية دون  انعقاد مؤتمر للحزب , الرئيس الجديد تقبل بسرور هذه المسرحية , وكان فخورا  بالطريقة التي تم بها كل شيئ  , وحتى نتائج الاستفتاء  لم تعكر من مزاج  المتشبع  بالحضارة الانكليزية ,  أما لكل ذلك من دلالات  تفسر  أحداث عام 2011 وعام 2012 ؟؟

لم يتكاسل الرئيس الجديد في  البرهنة على أنه استمرار   لحقبة والده , وحقيقة يمكن القول على أنه استمرار غبي لتلك المرحلة  ,فالأب  ليس غبي على الاطلاق , وهذا لايمكن قوله بالنسبة للابن  , الذي   ابدى الرغبة  في اصلاحات حقيقية, ثم   تمرد على رغبته هذه   , ولم تكن عنده أي مشكلة في وأد ربيع دمشق  وفي  انزال العقوبات  البربرية  بالكثير من أفراد المجتمع السوري , خاصة من أراد ان يكون سياسيا نشيط , آلة القمع  بقيت  نشيطة جدا وفتاكة  ,  أبواب السجون فتحت  على مصراعيها ..وكل  التراث الأسدي العتيق وجد تجديدا في “ولاية ” الرئيس الجديد ,  وذلك في اطار ترويجات  لمقولات منها , الرئيس لايدري ..الرئيس لايعرف ..الرئيس  محاط  بشلة من الذئاب ..الرئيس يريد ولا يستطيع ..الخ  , استهلاك نظرية الرئيس الذي لايرأس  استمر حسب احساسي حتى عام 2011 ,  حيث كشر الأسد عن انيابه , وتأكد الشعب على الرئيس يرأس  , وكل شيئ في يده  , وكل قتل هو من مسؤوليته .

الأحداث الأخرى مثل قضية مقتل الحريري , وأذكر قضية الحريري ليس من منطلق التنويه الى قاتله , لأن مقتل الحريري لايمثل بالنسبة لي  أي أهمية ..لقد قتل في لبنان نصاب  سرق الأخضر واليابس , وأين هي  المشكلة التي لايمكن فهمها ففي لبنان وغير لبنان, حيث  يقتل يوميا الكثير من الأبرياء ,  الا أن الفترة بعد اغتيال الحريري هي الفترة التي تستحق من وجهة  نظر مواطن سوري  التقييم الشديد , فقد  انتفخ  مقتل الحريري  ليمثل كارثة عالمية , كل ينفخ في جثة الحريري  حسب هواه وصلحته , الغرب يريد لصق مقتل الحريري بالنظام السوري قاصدا مكافحة هذا النظام , والنظام السوري   نفخ الحريري  ومقتله  من أجل محاربة الشعب السوري , حيث قيل على  ان الاصلاح مؤجل  بسبب الانشغال بمقتل الحريري, ولا هم  للسلطة الا مقتل الحريري , ولا أعرف لحد الآن  شيئا عن ماهية العلاقة بين مقتل الحريري  وبين  عدم القيام بالاصلاحات  , لقد أصبح الحريري  كقضية فلسطين ..الديكتاتورية ضرورية بسبب قضية فلسطين ,الافقار ضروري بسبب المعركة , الفساد  مقبول  من أجل المعركة , عدم الاهتمام  بالمواطن  ضروري من أجل نجاح المواجهة ..الحريري تحول الى فلسطين الجديدة  , حيث  قام الجميع بالاتجار بجثته , مع الفارق  بين الأسد وغيره , فلم يتوقف التطوير والاصلاح في فرنسا بسبب الحريري , اما في سوريا فقد توقف كل شيئ من أجل الصمود في قضية الحريري.

لقد  احتقنت البلاد وانفجر الاحتقان في أوائل عام 2011 , اما كان من ألأفضل بالنسبة لسوريا لو انفجر الاحتقان عام 2001 ..ياليتكم  فعلتموها قبل عشر سنوات !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *