أتت الأنظمة العربية ,التي لاتزال جزئيا تحكم, وجزئيا تناثرت وتبعثرت وسقطت غلى مزبلة التاريخ , بعد فترة من الاستعمار والتسلط الامبريالي ,وقد كان من من المنطقي رفع الشعارات المناهضة للامبريالية قبل حصول الدول المعنية لاستقلالها , الا أن رفع هذه الشعارات لم يتوقف بعد الاستقلال , والبعض يبرر ذلك باستمرار الهجمة الامبريالية حتى بعد الاستقلال , الذي اخذ في بعض الحالات نموزجا “شكليا” , البعض يقول , ان “شكلية” الاستقلال هو نتيجة لفشل هذه الأنظمة المستمر , وهذه الأنظمة وظفت شعار مناهضة الامبريالية , حيث مثل هذا الشعار قوت هذه الأنظمة اليومي سياسيا , وفي الواقع لم تستقل هذه الدول , وانما تحول الطاغوت من خارجي الى داخلي ,رفع هذا الشعار وما يشبهه كان في معظم الأحوال محاولة لتثبيت أقدام الامبريالية الداخلية , التي فاقت في في معظم أو كل الحالات الامبريالية الخارجية في تخريبها وتهديمها للأوطان.
حتى ولو تضمنت اسطورة مناهضة الامبريالية الخارجية غراما واحدا من الحقيقة , فانها تبقى عمليا ثرثرة انفصامية فارغة , وفي حد ذاتها تعتبر خاصة في سوريا اعتداء على عقل الانسان , حيث لايمكن للعقل السليم فهم مناهضة الامبريالية من قبل جهة أكثر امبريالية من الجهة التي يراد مناهضتها , نظام شمولي ديكتاتوري لايناهض أي امبريالية وانما يريد ففقط استبدال واحدة بالأخرى , والعقل السليم لايفهم هجوم الأنظمة الهمجية على الاستعمار لكونه مستغل ومستبد وظالم ومقيض للحريات ومتنكر لارادة الشعب وناهب للأخضر واليابس , في حين تتفوق هذه الانظمة على الاستعمار في نهبها للوطن وتنكرها للديموقراطية وارادة الشعب وخنقها للحريات , وهذا مايفعله نظام سيصبح في العام القادم خمسون سنة من العمر , نظام لم يتفوق عليه الا صدام حسين في التوحش والبربرية .
من الصعب التعرف على قدر مهم من مداولات وممارسات امبريالية في القرن الحادي والعشرين وحتى في النصف الثاني من القرن العشرين , فالامبريالية الخارجية التي ابتلت بها شعوب العالم كانت وليدة للرأسمالية في القرن التاسع عشر , الفكر العالمي حللها واستنكرها وانتهت الحرب العالمية الأولى والثانية ونالت دول عديد استقلالها , ولا وجود للامبريالية المباشرة عالميا بشكل فعال في هذه الأوقات , المشكلة لم تعد بشكل رئيسي امبريالية التسلط والنهب الخارجي , وانما تصدر أعداء الداخل فيالق حملة راية الاستبداد والنهب والاستعباد, والنظام السوري يعتبر قدوة في ممارسة هذا الخداع , فقد الصق هذا النظام على جلابيته لصقة الممانعة والمقاومة , وبذلك صنع البنية التحتية لممارسة الابتذال الوطني ,ووضع هذه الشعارات في “فقاسة ” الامبريالية لتفرخ ..وتفرخ عند الحاجة , والحاجة يحددها المأزق , عندما يقع النظام في المأزق تفرخ الفقاسة ويعلو صوت التخوينات والابتذالات والمزايدات .
لقد ثم تطعيم الأزمة الداخلية بالطعم الخاجي , وما شدد عليه الرئيس الأسد في مقابلته الأخيرة مع صحيفة تركية ليس الا تطعيم ومحاولة تفريخ مشكلة خارجية , لتحل محل المشكلة الداخلية , اذ حسب رأيه لاوجود لمشكلة داخلية , وانما البرطيل اللعين الآتي من الخارج هو الذي يحرك الشارع , حيث وصل سعر تظاهر النفر الواحد الى أقل من عشرة دولارات , والرئيس بذلك يحتقر نفسه كرئيس ويحتقر المواطن السوري ,عندما يتهمه بفقدان الشرف وبيع الضمير ..يبيع نفسه للشيطان بمبلغ 600 ليرة سورية , و يعرض حياته للخطر من أجل حفنة من المال , وهل يصدق انسان ما يقوله الرئيس ويردده في أكثر من مناسبة .
اشكالية الاستعمار المباشر الامبريالي الخارجي ليست مطروحة بجدية للنقاش , وطروحات من هذا النوع وصلت الى حد الافلاس , ولم يعد لمقولة الثورة (أو العصابات المسلحة) التي تخدم اهدافا استعمارية امبريالية أي تأثير, الا التأثير التهريجي المضحكك والذي أصبح مملا , والأكثر تهريجية هو مقولة سقوط مؤامرة الاستعمار على يد قلعة الممانعة والمقاومة الصامدة , فالمؤامرة هي اختراع ريعي سلطوي , وسقوط الاستعمار أمام قلاع المقاومة والممانعة هو اختراع حلمي وهمي , ولا أرى استعمارا سقط الا في مخيلة الزعماء العرب , أما مسألة “البوصلة “: التي يستخدمها السيد الرئيس في توجهاته فهي غامضة , ففي الصراع الداخلي في سوريا وفي سياق مقتل عشرات الألوف من السوريين وجهت هذه البوصلة اللعينة الرئيس باتجاه فلسطين , بوصلته فلسطينية ! ,التي وجهته ناح القدس والعريش ويافا وحيفا لتحريرهمم من كيد الامبريالية العالمية والصهيونية ,ولا أر أي ثمار ايجابية تحريرية لتوجهات الرئيس حسب البوصلة الفلسطينية , وقد كنت أنتظر في المحنة السورية أن تكون عنده بوصلة سورية , وقد فرحت لاعلانه عن امتلاك البوصلة الوطنية السورية , التي توجهه في الاتجاه السليم , وماذا نتج عن التوجه حسب البوصلة الوطنية السورية ؟.
البوصلة الوطنية السورية قادته الى تقتيل عشرات الألوف من أبناء الوطن أو التسبب بقتلهم , قادته الى تدمير الوطن وتخريبه وشقه وتدمير اخلاقه ووحدته الوطنية وسرقة رزق المواطن وانتشار الفساد والكساد وممارسة التكفير ومنع التفكير, واحتقار المواطن العاكطل عن العمل , واتهامه ببيع ضميره من أجل الفي ليرة سورية , ثم تحويل سوريا الى سجن ومزرعةفي آن واحد …كل ذلك وأكثر برسم تحري فلسطين, حيث اعاقته الانجازات المذكورة عن اطلاق طلقة واحدة على العدو في الجولان ولم يبخل على الشعب باطلاق 40 مليار طلقة رصاص عليه في اربع عشر شهرا .
المعني بعبارة “عصابات مسلحة” أو كلمة “ثائر” هو واحد , انه الانسان السوري الثائر على أوضاع لم يعد يستطيع تحملها , وبثورته هذه يستخدم عدة سبل منها العسكري ومنها اللاعنفي , ومنها القلم ومنها اللسان الخ , والعصابات المسلحة هي عبارة يقصد بها نفس الأشخاص ,والسلطة التي تتكلم عن العصابات المسلحة لاتريد تقريغ الثوار وبهدلتهم بهذه العبارة فقط , وانما تريد توظيف هذا التوصيف في عملية التبرئة من جريمة القتل ,السلطة لاتقتل لمجرد القتل , وانما تقتل القاتل لمنعه من تقتيل الشعب وتروبعه !,تطبق حكم الاعدام ميدانيا دون محاكمة ,ووقاحة السلطة بلغت حد الهذيان , السلطة تقارن نفسها بدول أخرى , وكأن السلطة تمثل دولة , اذ تقول , ماذا تفعل فرنسا على سبيل المثال مع المجرم الذي يقتل المواطن ويروعه بعد ان استنفذت كل امكانيات الكلام والتحذير والنصح والصبر ؟؟..تقتله ! , والأسد لايفعل شيئا غريبا عجيبا , انه يتحرك في اطار المنطق والاخلاق والقانون والأعراف الدولية , ويمارس وظيفة “الدولة” التي هي حماية المواطن , لا أكثر !
عودة الى مناهضة الامبريالية , وأظن جازما على أن النظام الجاهل لايدرك المعنى العلمي لهذه الكلمة , ولو ادرك ذلك , وكان في دراية كافية لأعماله وكان في رأسه عقل وفي ضميره وجدان , لما أقدم على الاستهزاء الممنهج بالشعب , اذ لايمكن مناهضة الامبريالية وما تتضمنه من اضرار بالشعب عن طريق ممارسة الشمولية والاستبداد والفساد , مناهضة الامبريالية لاتستقيم مع الاستبدادية , لأن الامبريالية والاستبدادية واحد من حيث النتيجة , واقتران ممارسة الامبريالية مع الخارج والاستبدادية مع الداخل لايعطي للاستبدادية أي أفضلية , بل بالعكس , فالامبريالية الخارجية أقل وطأة من الاستبدادية الداخلية , وأسهل علاجا من الاستبدادية الداخلية الشمولية الديكتاتورية , التي تشرع عمليا استبداد شخص واحد بشعب بكامله , وتحت مبررات كاذبة ,الأسد لم يقل على أن المصلحة الشخصية العائلية توجب استبداد الشعب السوري , وانما قال ويقول على أنه المناضل الأول من أجل مصلحة الشعب السوري , وموضوع السرقات وغير ذلك من الموبقات غير موجود, ولم يتحدث الرئيس لحد الآن عن أي عملية نهب وسرقة قام بها , مع انه يتحدث بطلاقة عن المواطن السوري العاطل عن العمل والذي يبيعه ويبع الوطن , حسب تعريفه للوطن على أنه الأسد , بمبلغ ألفي ليرة سورية , ,ولم يخبر الأسد أحدا عن أسرار طريقة التوفير والتقشف الذي تمارسها العائلة وبنتيجة ذلك ارتفعت ثروة العائلة الى 40 بليون دولار , أي مايعادل أربعة أضعاف الميزانية السورية , حلال زلال ومن عرق الجبين , وتجميع هذه المنهوبات هو عمل وطني جليل ويختلف بشدة عن عمل العاطل عن العمل والمراهق , الذي باع الوطن والرئيس بمبلغ ألفي ليرة سورية.