مايحدث الآن في ليبيا وفي تونس ومصر واليمن يمثل ولادة لكيان “الدولة” بعد أن تحولت الجغرافيات المصرية والليبية والتونسية واليمنية الى مزارع للطاغية , وفقدت خلال فترات تتراوح بين 23 عاما و43 عاما كل مايشير الى وجود قانون أو دولة بشكل عام .
لقد ظن السوريون جهلا على أنهم يتقدمون بفارق مهم على الشعوب العربية الأخرى , واذا أخذنا الأمية أو التعليم أو الكوادر المثقفة , فسيكون الظن السوري في مكانه , الا أن الوضع السوري لايتألف فقط من جامعيين ومثقفين وغير أميين , وانما يتضمن النظام السياسي المهيمن , الذي ساهم بشكل رئيسي في صحرنة الحياة السياسية السورية , أو بالأحرى الغى بشكل فعال هذه الحياة .
عند مقارنة سوريا مع غيرها من الدول مثلا ليبيا أو مصر أو تونس ينتابني الشعور بأن درجة تخريب الثقافة السياسية في هذه الدول أقل منها في سوريا , وقد يكون سبب ذلك نوع من عدم استطاعة الطغاة في هذه الدول على انجاز هذا التخريب , ذلك لأن مقدرتهم الاستبدادية أقل من مقدرة النظام السوري , الذي ابرع في الاستبداد وقتل العقل منهجيا , وهذا ماعجز عنه القذافي وعجز عنه مبارك ثم بن علي وأيضا البسشير , ومركز سوريا بالقرب الشديد من كوريا الشمالية هو استحقاق لاشك به .
لقد كنت من قراء جريدة الوطن الليبية ايام القذافي , وقد كنت أعجب من بعض المقالات المنشورة , والتي تتضمن نقدا عنيفا للكثير من الأمور في ليبيا , أمور تخص القذافي أيضا , لم الاحظ مايشبه ذلك في جريدة الوطن السورية التي يقال على أنها مستقلة , وعن مايشبه ذالك في البعث أو الثورة أو تشرين , فلا جدوى قطعا من البحث …حيث لايوجد الا المجيد والتأليه لرأس السلطة .
في شرح للوضع السوداني (يوم أمس في الاتجاه المعاكس) انتابني الشعورعلى أن سوريا بحاجة الى زمن طويل لكي تصل الى مرحلة السودان تحت حكم البشير ’, وهذا ماعبر عنه فيصل القاسم مبالغا بالقول أن سوريا تحتاج الى مئة سنة ضوئية لتصل الى مستوى السودان , تأخر سوريا حقيقة , وان كان موضوع المئة سنة أمر مبالغ به .
لقد انتخبت ليبيا بهدوء وسلام , وانتاخبت مصر ولانتخبت تونس , وفي مصر ثقل ضخم للقضاء , اما في سوريا فلا قضاء ولا شفافية في الانتخابات , في تونس ومصر هناك جيش تونسي وجيش مصري , أما في سوريا فهناك كتائب الأسد , وقد ينزعج البعض هذه الأيام من هذه التسمية , الا أن هذه التسمية هي من انتاج السلطة , التي افتخرت بهذه التسمية زمنا طويلا , والآن يرفضها بعض أزلام السلطة لأسباب دعائية معروفة .
اني فرحة لليبيا وفرحة لمصر وتونس , الا اني حزينة جدا بشأن سوريا , التي تتحول بسرعة كبيرة الى صحراء بلا ماء , وانما بأنهار من الدماء