ليس الجواب على سؤال بسؤال آخر من شيم النقاش المحمودة , الا أنه يجوز للرئيس الأسد ما لايجوز لغيره , الرئيس الأسد اجاب محاوره الألماني تودن هوفر على سؤال يتعلق بشعبيته بسؤال آخر اذ قال , كيف لي أن ابقى في موقعي هذ (الرئاسة) بدون دعم شعبي؟ , هنا كان على السيد تودن هوفر ان يستنتج من ان شعبية الرئيس ضخمة , وهذا أمر مشكوك به لأسباب عديدة .
أولا يمكن بسهولة القول على أن بقاء الرئيس حيث هو الآن لايمثل بقاء رئاسيا للجمهورية السورية ,لأن الرئيس الآن لايرأس ألا أقل من نصف الجغرافية السورية , وأكثر من النصف هو تحت سيطرة اعداء الرئيس , ويمكن أيضا بسهولة القول , على أنه لاتوجد أسباب وجيهة عند المواطن لكي يقف وراء الرئيس , فالرئيس جلب الدمار والقتل والفقر والانقسام على الوطن , ثم أغرق الوطن في حرب أهلية , فلماذا على المواطن تأييد الرئيس ؟ منطقيا يجب القول على ان من يؤيد الرئيس هم أقلية من الأقليات , والبرهان على ذلك هو اعتماد الرئيس الكلي في حروبه ضد الشعب على كتائب الأسد , التي تجمع معظمها اعتبارات فئوية أو مذهبية أو عشائرية , ثم انشقاق من لايقع ضمن الاطار المذهبي أو العشائري , وحجم كتلة االانشقاقات لاتبدو وكأنها هامشية , اذ أن كتائب الأسد تجد في حربها ضد المنشقين أعظم المشقات , وعلى العديد من الجبهات هناك حالة من التوازن العسكري بين الكتائب المؤيدة والكتائب المعارضة , التوازن العسكري تم , وللعحب , خلال أشهر قليلة .
من معالم تخريب البلاد التي الحقها سيادة الرئيس بالوطن , هي استمراره بالسياسة الأسدية , التي حولت البنية الاجتماعية السورية من بنية سياسية الى بنية طائفية , لقد كانت هناك أحزاب في الدرجة الأولى , والآن توجد طوائف في الدرجة الأولى , وجهل الرئيس السابق واللاحق يكمن في هذه النقطة , فالأسدية حولت رئيس الأكثرية السياسية ألى رئيس لأقلية دينية طائفية , حكم البعث تحول الى حكم الطائفة , وهنا ليس للرئيس أن يعجب من الاتهامات التي توجه له ولسلالة الأسد , حيث ظن الرئيس جهلا على أن الصلاة في المسجد الأموي الى جانب البوطي كاف لأن يعتبره الشعب مسلم سني , ولم ينس الرئيس مناسبة أخرى للبرهنة عن اسلامه السني , الا وهي عقد نكاحه , الذي تم حسب سنة الله ورسوله أمام محكمة سنية , وهكذا فعل الرفيق ماهر.
لقد تطورت الأمور باتجاه ثورة على الطغيان والفساد والمحسوبية والديكتاتورية , الثورة بدأت سلمية , الا أن ارتاس السلطة تجاه التظاهرات كان عسكريا بربريا , والبربرية بدأت بنفس الشدة التي نلاحظها هذه الأيام , القتل كان العلاج الوحيد الذي خطر على بال السلطة ..اقتل ..اقتل ..في اطار الحل الأمني , الذي لم يكن تكتيكيا غبيا جدا , السلطة ارادت من الحل الأمني استدراج المعارضة الى نزال عسكري , حيث ان نجاخها في النزال العسكري مضمون , وهكذا تطورتت الأمور ,حتى وجد الطرف الآخر على أنه لامناص من العسكرة في مواجهة العسكر , وهكذا تعسكر قسم من المعارضة , وحدثت المفاجأة , اذ ان عسكر المعارضة استطاع خلال أشهر أن يصبح متوازنا بعض الشيئ مع كتائب الأسد , التي لم يعد بامكانها احراز النصر المبين على كتائب المعارضة ..كر وفر من الجهتين .
النجاح النسبي للعسكر المعارض , شجع على الاستمرار في هذا النهج , وشجع أيضا البعض على الانخراط في هذا الاتجاه , وأكثر من تشجع كان من الجهاديين , الذين ينظرون الى السلطة من منظار طائفي , انخرطوا في الجهاد , وبالتدريج تحولت المعارضة العسكرية الى فيالق من الجهاديين وارتفعت الرايات السوداء وأصوات التكبير , وطغى اللون الطائفي على العسكر المعارض , بالرغم من أن اللون الطائفي للمجتمع السوري لايتناسب مع اللون الطائفي للمعارضة المسلحة , لقد خلق التعنت الأسدي معارضة عسكرية لم يكن لها أن توجد بهذا الشكل , وبذلك يمكن القول على أن هذا التعنت قاد اولا الى العسكرة , وثانيا الى تحول العسكر المعارض الى عسكر جهادي ..كل ذلك لأن الرئيس لايريد التنجي بأي شكل من الأشكال , ولو تنحى في بداية الأزمة أو حتى في الأشهر الأولى منها , لما قتل من قتل ولما تعسكر جزء من المعارضة , ولما تحول العسكر المعارض الى عسكر جهادي ..كل ذلك ليس من فضل ربي , وانما من فضل الرئيس , الذي يدعي وقوف الشعب ورائه , ولماذا يقف الشعب وراء رئيس من هذه النوعية ؟؟؟
الرئيس سيتنحى شاء أم أبى , والمسألة هي مسألة وقت ومسألة حجم من التخريب وعدد من القتلى , ثم مسألة مستقبل الوطن الذي انقسم وتشرذم ..وكل ذلك هو الثمن الذي على المجتمع السوري أن يقدمه لكي يبقى الرئيس , على الوطن أن يقامر بوجوده أجل الرئيس , وعلى الوطن تحمل الرئاسة الأسدية نصف قرن من الزمن , ثم على الوطن أن يثور مرة أخرى ضد الأصولية التي ستطالب بعد الرحيل بأن يكون لها دور في الحياة السياسية والاجتماعية السورية لايتناسب مع حجمها الشعبي , الا انه يتناسب مع دروها في ارغام الرئيس على التنحي , لقد كانت السنين الأسدية بمثابة فاجعة , والسنين بعد الأسدية ستكون أيضا نوعا من الفاجعة , وقد يحتاج الوطن الى عشرات السنين لكي يستطيع التطور بشكل ايجابي .
لقد أرغمت الأسدية الشعب السوري على السير في طريق وعر جدا , الأسدية جعلت من الأصولية , من حيث تريد أو من حيث لاتريد , طريقا للسير في المستقبل , طريقا وعرا جدا , طريقا كان بالامكان تجنبه , لو ان الرئيس تنحى بالشكل المناسب والوقت المناسب, وبقاء الأسدية لمدة أطول سيقود الى تقوية اضافية للأصولية الدينية , لاجدوى من الطريق الأسدي , الذي هو أصولي أيضا .
اهم مانعرفه عن الرئيس هو التالي :عدم ادراكه للفرص السانحة , وعدم مقدرته على القيام بما هو مناسب في الوقت المناسب , ونتيجة ذلك هي الكارثة التي نعايشها ونعيش بها .