حرام سوريا

فور سقوط الشهيد الاول للثورة السورية في درعا في آذار العام الماضي، نصح أحد الخبراء اللبنانيين المخضرمين بالشأن الرسمي السوري، بالتوقف عن العد والامتناع عن تقدير عدد الشهداء والجرحى الذين سيفقدهم الشعب السوري، أو عن تحديد حجم الخسائر المادية التي ستلحق بسوريا، قبل ان تخرج من تلك المأساة الكبرى.
كانت النصيحة مثيرة للاستغراب بعض الشيء، لكنها كانت مرفقة بإشارة الى أن الجميع، في داخل سوريا وخارجها، سيتوصلون عاجلا أو آجلا الى هذا الرأي، وسيتوقفون عن إحصاء عدد القتلى والجرحى والأضرار، بعد أن يتخطى الرقم المئة أو الالف أو العشرة آلاف أو حتى المئة الف الاولى.
وعندما بدأ العدد يرتفع بوتيرة متسارعة، صار الحساب يقتصر على عدد القتلى والجرحى الذين يسقطون في اليوم الواحد، وبات التحليل والتقدير يبنى على هذا الأساس اليومي، الذي كان يتضمن في ذلك الحين جمعا سريعا لإجمالي الضحايا.. الذي تخطى الألف الاول في الأشهر الأربعة الاولى من الثورة، الى ان أصبح الشهر الواحد يسجل سقوط أكثر من ألف قتيل، ونحو ثمانية آلاف جريح، وهلم جرا..
قبل المجازر الاخيرة التي صارت عنوانا رئيسيا وحيدا تغيب خلفه بقية العناوين السورية، والأدق انه عندما تجاوز الرقم العشرة آلاف قتيل في شهر شباط الماضي، توقف الجميع عن العد، وامتنعوا عن الجمع أو الفرز بين ما هو مدني وما هو عسكري وما هو منشق أو مسلح .. ولم يعد حجم الضحايا الاطفال والنساء والشيوخ يثير الانتباه، على الرغم من أنه كان ولا يزال يتصاعد بوحشية لا مثيل لها.
اليوم، وبعد مرور خمسة عشر شهرا على سقوط الشهيد الاول، ليس هناك من يطلب أو من يعطي رقما دقيقا أو حتى تقريبيا للضحايا. ثمة من يتذكر الشائعات الاولى التي راجت في أواسط العام الماضي عن ان الشعب السوري سيدفع أكثر من مليون شهيد، وثمة من يذكر ما قيل يومها عن أن عدد السوريين سينخفض من ٢٣ مليونا الى ما دون العشرين مليونا، وليس من المستبعد أن يهبط الى المعدل الذي كان عنده قبل ثلاثين أو أربعين سنة…
منذ البداية، كان هناك تقدير مخيف مفاده أن الحروب الاهلية اللبنانية أو العراقية أو السودانية أو الصومالية ستبدو أشبه بنزهة بالمقارنة مع الحرب الأهلية السورية.. وكان هناك يقين بأن العالم لن يكترث للمذابح التي ينفذها السوريون بحق بعضهم البعض، ولن يتدخل لوقفها، لكنه سيقصف سوريا ببيانات رسمية تتضمن أشد عبارات الشجب والاستنكار والاستهوال، ولن يتردد في العثور على مصطلحات جديدة أقسى بكثير من تلك التي استخدمها في منتصف التسعينيات لإدانة مذابح بوروندي أو يوغوسلافيا.
هل يمكن أحداً أن يعطي اليوم مجموعا تقديريا لعدد القتلى والجرحى، أو حتى لعدد المفقودين الذين يقال ان عددهم تجاوز الثلاثين ألفا؟ هل يمكن أحداً أن يتكهن بموعد الانتهاء من تلك العملية الحسابية التي تدمي القلب وتدمع العين؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *