ثرثرةالمقاوم الممانع أحمد مرعي

جريدة الوطن  اطلقت على لسان كاتبها أحمد مرعي (حزب الاتحاد اللبناني) على  الربيع العربي  كلمة “دوامة” , وفي هذه الدوامة دخلت سوريا  , حيث  اصبحت سوريا محط انظار العالم  , وذلك بسبب  دور سوريا الاقليمي والدولي, هل أخطأ الأستاذ مرعي في تقديراته  وتقييماته ؟.

نعم  أخطأ  بفظاعة  ,  فالربيع العربي  بالنسبة للشعوب ليس دوامة بالمعنى السلبي لهذه الكلمة , وانما حقا دوامة بالنسبة  للأنظمة التي  ترفض الانصياع  لارادة هذه الشعوب  , ومن  أجل ذلك تقتل الشعوب بالرصاص. واهتمام العالم  بالحالة السورية  , ليس فقط بسبب تلفيقة الموقع الاستراتيجي  , وغير ذلك  , فلا توجد في هذا العصر مواقع”استراتيجية”  بالمعنى التقليدي لهذه الكلمة , توجد مصادر طاقة ومواقع طاقة   , وسوريا لاتملك من الطاقة مايكفي لتزويد دبابات السلطة بالوقود , فلا استراتيجية ولا طاقة , وانما وضع شاذ  يعاني  منه كل العالم وخاصة الشعب السوري وشذوذ الوضع يتجلى  بخروقات السلطة السورية لكل المعايير الانسانية  والدولية , وليس من المألوف في العالم أن تقوم سلطة بما قامت به السلطة السورية  من فواحش , صحيح على ان بعض اكلة لحم البشر في افريقيا من السلطان بوكاسا الى عيدي امين   قاموا بمثل هذه الاعمال , الا أن أفريقيا تخلو الآن من أمثال هؤلاء الوحوش ,  الوحشية أصبحت  حكر على السلطة السورية  للأسف .

حلل الكاتب  موضوع الثورات الأخرى  في ليبيا وتونسس ومصر واليمن  , قائلا ان  بعض الأنظمة حاولت هنا وهناك القيام بروتوش تجميلي  لم يجد , وسقط الرؤساء  , انظمة أخرى حاولت  ممارسة العنف , ثم سقطت , وهناك من وجد صيغة سياسية لحل الأزمة كما في  اليمن, ثم سقط الرئيس ,  ,  الا  أن شأن  سوريا  هو شيئ آخر , فما الذي يجري في سوريا ؟ أجاب الكاتب : انقلاب على الدولة , وليس ثورة !.

ليست ثورة , لأنه توجد فروق بين الانقلاب والثورة , وهذا صحيح , ففي الثورة التقليدية  يلعب العامل الثقافي دورا كبيرا , والعامل الثقافي  يعني الكثير   من اقتصاد الى اجتماع الى سياسة , أي  انه يجب أن تكون للثورة خلفية  تحليلية نظرية   وفلاسفة  وتحليلات وطروحات ..الخ ,  وهذا كان حال الثورة الفرنسية  والثورة الشيوعية , الا أن الثورات العربية , وخاصة السورية , فقد عرفت الفائض من الثقافة  التي   مارسها ابنائها   من أدونيس الى صادق جلال العظم الى ياسين الحاح صالح الى البني الى الطيب تيزني الى  روزا ياسين حسن   ..والقائمة تطول وتطول , وقد كتب حول  موجبات الثورة  وحول الفساد  والسلطة في  نصف القرن الماضي  بالحبر وبالدم الكثير الكثير , والكثير من المواطنين دخلوا السجون بسبب كتاباتهم  , أما  بخصوص القائد للثورة  , فلا يوجد بالواقع قائد واحد ولاتوجد قيادات تقليدية , ولو سمح لي  الكاتب وجريدته الغراء بمحاولة تفسير  لمنظومة غياب القائد  , فبودي القول  على ان هذه الظاهرة تعود الى  انكماش  تقبل البشر  لمنظومة القائد , فالقادة  العرب  لم يكونوا الى نصابين ولصوص ومجرمين  وخونة وسفاكين دماء  , وكما يقال عاميا  “بهدلوا” منظومة القائد , حتى أن “كلمة “القائد أصبحت   ذات  مضمون ومفعول استهزائي  , فعندما تطلق على شخص آخر  لقب القائد  , تستهزء منه , لقد أفلست حضارة  القادة , ولم يعد من يسمي نفسه قائد الا  مدعاة للسخرية  , ثم أن  منظومة “القائد” لاتتناسب مع  المشروع الديموقراطي   الذي يتباه كل من هو خارج السلطة  , حتى الاخوان المسلمين , فالديموقراطية  لاتستقيم  مع  مهزلة القائد الخالد  , ولا تستقيم مع  تهريجية القائد الى الأبد  , ولا مع قيادة  تستمر في عملها لعشرات السنين  , لأن ذلك يلغي الفائدة من الخبرات  المتوفرة عند الآخرين من أفراد الشعب , كل ذلك قاد الى حدوث  قرف  وتقزز ونفور حتى من كلمة القائد , ناهيكم عن القائد شخصيا , الذي يعرف   ذلك تماما  , وبالتالي  يحاول  تثبيط  أي محاولة لاقصائه  , ومن هذه المحاولات   الهروب الى الأمام  بالتركيز على  عدمية محاولة الاقصاء  ,يالتشديد على  بديهية  منظومة القائد للأبد  , القائد الضرورة ,  القائد أو تحترق البلد (تحذير  صارم), وترديد  هذه الشعارات  ليلا نهارا   يقود الى ترسبها في اللاشعور  الانساني , وبالتالي الى تخزينها   , لتطفو مجددا عند الحاجة على سطح  وعي هذا الانسان  , وتصبح نوعا من البديهية  , التي تلازم حتى الأنسان الذي يرفضها عقليا .

أما الانقلاب  , فهو ممارسة تغيير  الشخص أو الجماعة الضيقة حولة , خدمة لمصالحه الخاصة , وهنا أعجب من  ضحالة المعارف عند الكاتب وجريدته ,  فمن هو الشخص القيادي الانقلابي  في الثورة السورية  , الذي “انقلب ” مسخرا كل شيئ لمصلحته الشخصية  ومصلحة محيطه الضيق ؟ لا اعرف  أحدا على الاطلاق , والشخص الوحيد الذي قام بآخر انقلاب سوري  في نصف القرن الماضي  مسخرا كل شيئ لمصلحته الخاصة  ومصلحة محيطه الضيق  كان المرحوم حافظ الأسد , حيث يتمم وريثه رسالة  التسخير للمصلحة  الخاصة   ومصلحة  المحيط الضيق  الذي يحيط به , وليس من المعروف  تبني وريث المرحوم للثورة السورية  , التي  يكافحها  بما عند كتائبه من نار  ودمار.

الكاتب يتابع ويقول على ان  الثورة تنطلق من إرادة شعبية تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، وهذا ما لم يحدث في سورية، حيث كانت ولا تزال الاحتجاجات محدودة ولم تشمل المناطق الكبرى، ولم يشارك فيها كل الشعب السوري، فالثورة أوسع وأشمل من الانقلاب، وأثرها أقوى، ومحتواها أعمق، ومدلولها ونتائجها أكبر,والعجب هو أن الكاتب لايرصد أي ارادة للشعب  في حركة  دفع لحد الآن  من أجلها انهارا من الدماء وعشرات الألوف من القتنلى   ,  وكيف يعبر الشعب عن ارادته  ؟ بالتظاهر مثلا  !, حيث ان التظاهر ممنوع عمليا  , وكل تظاهرة تمثل خرقا للقانون , وبالرغم من الحقيقة التي تقول  على أنه ليس من المؤكد أن يبقى المتظاهر  السوري على  قيد الحياة بعد تظاهرة  , الا أنه بالرغم من ذلك يتظاهر  في معظم انحاء سوريا ,  وهل يستطيع الكاتب الكريم تخيل حجم التظاهرات عنما تكون مسموحة  وعندما لايتعرض الانسان  للقتل عند تظاهره ؟؟ ستكون بدون أي شك  أضخم بكثير من الآن , وكل ذلك لم يقنع الكاتب  بكون الثورة معبرة عن ارادة حيز كبير جدا من الشعب,  انه حيز انقلابي حسب ترجمة قاموس الكاتب السلطوي , فرقة المغاوير اللبنانية !

كما هو متوقع  من الناصري أحمد مرعي , انتقل  هذا الى اللغة الخشبية ,قائلا على  ان مايجري في سوريا هو”انقلاب على الدولة” مستخدما العنف  ضد الدولة ومؤسساتها وضد الكوادر العلمية والسياسية والعسكرية , وهذا صحيح  جزئيا , فهدف مايحدث هو قلب السلطة , ولاعلاقة لذلك بالدولة , الدولة شيئ ,والسلطة سشيئ آخر ولايجوز لنائب رئيس حزب الاتحاد المزج بين الدولة والسلطة , الدولة ابدية والسلطة في النظام  الجمهوري مرحلية , وعن الاجحاف بحق الكوادر  فللأسف حذف السيد أحمد مرعي الكثير مما يستحق المراعاة  , وتمنهج بالمراءات ,فالنظام السوري بقيادة آل الأسد هو الذي  فتك بالكوادر العلمية والسياسية والعسكرية أيضا ,وخاصة العسكرية  عن طريق  التنظيفات  في الجيش  والقاء الضباط في السجون كغسان جديد  أو اغتيال  اللواء عمران في طرابلس , وعن الفتك بالكوادر العلمية فحدث ولا حرج , قتل من قتل وسجن من سجن  والمحظوظ   استطاع الهريبة  الى أوروبا أو غيرها , والجامعات الأوروبية تعج بالهاربين من سوط السلطة , ولم يكن حظ الكوادر السياسية أفضل   .. في المهجر أو المحجر , فالنزوح والنزيف ليس حديث الصنع  , ولم يبدأ عام 2011, وما يخص الطائفية  فلا أظن على أن هناك أي شك بترعرعها في أحضان السلطة , التي وظفتها في خدمة أهدافها , انها طائفية الوعي , التي نمت  بشكل لايعرف التاريخ السوري شبيها له , ولو لم يكن الأمر كذلك , لما وقعت البلاد في براثن الحرب الطائفية  الجلية الآن .
لقد عاد السياسي مرعي الى  محاولة تأكيد نظرية الانقلاب العسكري قلئلا “وما يؤكد الانقلاب هو إعلان العصيان المسلح واستخدام العنف بحق الدولة ومؤسساتها ومرافقها وفتحها على الدول الطامعة بها التي لا تريد سوى النيل من موقفها والسيطرة على موقعها.وخلاص سورية والسوريين من المشاكل التي كانوا يعانونها لا يكون عبر جلب مقاتلين من خارج الحدود ومن جنسيات مختلفة ليعيثوا في الأرض قتلاً وتدميراً، وبناء دولة حديثة لا يكون عبر محاولات استقدام قوات حلف شمال الأطلسي الذي ما دخل دولة إلا وحقق أهداف أميركا الإستراتيجية التي هي ضمان أمن كيان العدو «الإسرائيلي»، ونهب مقدرات الدول وثرواته,”فكيف يمكن حل المشكلة  اذا كان التظاهر ممنوع , والمعارضة ممنوعة  , ثم ان الطفل في السياسة يعرف على التداول العسكري من مصلحة السلطة , وهي التي  ارادت السلاح  والعسكرة ,  ومن منع النظام من بناء دولة مدنية  ديموقراطية  تقوم على  حكم  القانون  والمؤسسات ؟ هل المعارضة هي التي  منعت ذلك   خلال  نصف  قرن  من  الزمن ؟, وهل تنامي الحركات السلفية هي التي منعت السلطة من بناء الوطن الديموقراطي ؟ أو ان غياب الحريات والديموقراطية هو الذي شجع ترعرع السلفية ونموها ..الكاتب يعكس المفاهيم بخشبية لغته , ثم أين هي الامارات السلفية في الوطن ..انها الفزيعة  التي لايزال  أحمد مرعي يوظفها بدون خجل ,وانعدام  الخجل  هو الذي قاد القواد الناصري الى القول على أن الاحتجاجات لاتخدم الا  العدو الاسرائيلي , وهل تريد الاحتجاجات   هدم نظام ديموقراطي حر لايعرف الفساد والاستبداد ؟ , أو ان الاحتجاجات تريد الحرية والديموقراطية ومكافحة الفساد , وكيف يمكن لسلطة من اللصوص   مقاومة وممانعة اسرائيل ؟؟بالثرثرة  وزج الناس  في السجون , المقاومة مقدرة  وقوة  لاتملكها الديكتاتوريات , التي تستطيع فقط  اذلال شعوبها , المقاومة ليست ثرثرة , وبقصيدة من الهارب  المهجر  أحمد مطر أريد انهاء تعليقي  على مقال الناصري  أحمد مرعي  :


له لسانُ مُدَّعٍ..
يصولُ في شوارعِ الشَّامِ كسيفِ عنترة
يكادُ يلتَّفُ على الجولانِ والقنيطرة
مقاومٌ لم يرفعِ السِّلاحَ
لمْ يرسل إلى جولانهِ دبابةً أو طائرةْ
لم يطلقِ النّار على العدوِ
لكنْ حينما تكلَّمَ الشّعبُ
صحا من نومهِ
و صاحَ في رجالهِ..
مؤامرة !
مؤامرة !
و أعلنَ الحربَ على الشَّعبِ
و كانَ ردُّهُ على الكلامِ..
مَجزرةْ
مقاومٌ يفهمُ في الطبِّ كما يفهمُ في السّياسةْ
استقال مِن عيادةِ العيونِ
كي يعملَ في ” عيادةِ الرئاسة ”
فشرَّحَ الشّعبَ..
و باعَ لحمهُ وعظمهُ
و قدَّمَ اعتذارهُ لشعبهِ ببالغِ الكياسةْ
عذراً لكمْ..
يا أيَّها الشَّعبُ
الذي جعلتُ من عظامهِ مداسا
عذراً لكم..
يا أيَّها الشَّعبُ
الذي سرقتهُ في نوبةِ الحراسةْ
عذراً لكم..
يا أيَّها الشَّعبُ الذي طعنتهُ في ظهرهِ
في نوبةِ الحراسةْ
عذراً..
فإنْ كنتُ أنا ” الدكتورَ ” في الدِّراسةْ
فإنني القصَّابُ و السَّفاحُ..
و القاتلُ بالوراثةْ !
دكتورنا ” الفهمانْ ”
يستعملُ السّاطورَ في جراحةِ اللسانْ
مَنْ قالَ : ” لا ” مِنْ شعبهِ
في غفلةٍ عنْ أعينِ الزَّمانْ
يرحمهُ الرحمنْ
بلادهُ سجنٌ..
و كلُّ شعبهِ إما سجينٌ عندهُ
أو أنَّهُ سجَّانْ
بلادهُ مقبرةٌ..
أشجارها لا تلبسُ الأخضرَ
لكنْ تلبسُ السَّوادَ و الأكفانْ
حزناً على الإنسانْ
أحاكمٌ لدولةٍ..
مَنْ يطلقُ النَّارَ على الشَّعبِ الذي يحكمهُ
أمْ أنَّهُ قرصانْ ؟
لا تبكِ يا سوريّةْ
لا تعلني الحدادَ
فوقَ جسدِ الضحيَّة
لا تلثمي الجرحَ
و لا تنتزعي الشّظيّةْ
القطرةُ الأولى مِنَ الدَّمِ الذي نزفتهِ
ستحسمُ القضيّةْ
قفي على رجليكِ يا ميسونَ..
يا بنتَ بني أميّةْ
قفي كسنديانةٍ..
في وجهِ كلِّ طلقةٍ و كلِّ بندقية
قفي كأي وردةٍ حزينةٍ..
تطلعُ فوقَ شرفةٍ شاميّةْ
و أعلني الصرَّخةَ في وجوههمْ
حريّة
و أعلني الصَّرخةَ في وجوههمْ
حريّةْ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *