الكرملين لم يعد وسيطا

حاز تصريح نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف عن ان موسكو لا تعتبر بقاء الرئيس السوري بشار الاسد شرطاً لتسوية الأزمة السورية، اهتماماً استثنائياً يحتمل القليل من المبالغة والكثير من المغامرة في التقدير أن ثمة تحولاً جوهرياً في موقف الكرملين من سوريا.
لعل ابرز ما يميز ذلك الموقف أن غاتيلوف ابلغه مباشرة الى المبعوث العربي والدولي كوفي أنان في مقر إقامته في جنيف، ما يشير الى ان موسكو تشعر ان أنان هو بالفعل على وشك التخلي عن مهمته المستحيلة التي تصطدم بحائط مسدود ارتفع في أعقاب مذبحة الحولة خاصة، وايضاً في ظل الخطوات العسكرية والسياسية التي اقدم عليه الرئيس الاسد وأوحى من خلالها انه ماض في جدول اعماله من دون أي اعتبار لخطة البنود الستة ومتطلباتها.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة مستوحاة من الصيغة العربية التي وضعت في شهر كانون الثاني الماضي واستثنيت منها فقط فكرة تفويض الرئاسة السورية الى نائب الاسد، لكنها في الجوهر فكرة روسيا او مشروعها الذي كانت ولا تزال تأمل ان يسهم في ضمان مقعدها خلال التفاوض على مستقبل سوريا. وهو ما تحقق بالفعل طوال الأشهر القليلة الماضية التي تحوّل فيها الكرملين الى مقر او ممر إجباري لأي نقاش سوري.
وبهذا المعنى يصبح الاستنتاج بديهياً أن سقوط خطة أنان يعني نهاية الدور الروسي الذي كان منذ اللحظة الأولى يحتوي على همس مسموع في آذان الوسطاء العرب والغربيين أن موسكو غير واثقة من قدرة الاسد على الخروج من الأزمة وغير معجبة بطريقة إدارته لها، وهي حريصة فقط على بقاء الدولة والجيش والإدارة في سوريا أكثر من حرصها على بقاء النظام ورئيسه.. وبناء على هذا الحرص المبني على مصالح جدية لا يودّ الغرب تخطيها او تحديها، جرى تفويض الكرملين بالبحث عن الحل، وسرت شائعات غربية عن الانقلاب العسكري ثم عن الحل اليمني، لم تترافق مع تشجيع غربي للمعارضة السورية على التواصل مع الروس، لسببين اولهما ان تلك المعارضة لم تصبح بديلاً جدياً، وثانيهما ان الانشقاقات العسكرية صارت أكبر مما هو معروف لدى موسكو التي أقرت قبل يومين فقط أن ما بين عشرين او ثلاثين جندياً من الجيش يسقطون يومياً برصاص المنشقين، وايضاً بنيران الجماعات الاسلامية التي اصبحت ضيفاً ثقيلاً ومجهولاً لدى جميع المعنيين بالازمة السورية.
منذ البداية، كانت موسكو تعرف ان خطة أنان تقود في النهاية الى تغيير النظام، لكنها كانت تأمل ان يتم ذلك بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار وأكبر قدر ممكن من الاعتراف بمصالحها السورية، وكانت ترجو ان يتوصل الاسد الى تلك النتيجة من تلقائه، وأن يتوصل معارضوه الى ذلك الهدف من دون استلهام التجربة العراقية الأقرب الى الحالة السورية الخطيرة.. حصل العكس تماماً، وباتت فكرة التدخل الدولي العسكري مطروحة على بساط البحث في أكثر من عاصمة.
المجاهرة بالموقف الروسي من الأسد، ليست مجرد تعبير عن الاستياء من خطواته الاخيرة او الاختلاف مع طموحه المعلن للبقاء في الرئاسة، سواء الى الأبد أو حتى الى العام ٢٠١٤. ثمة مقاربة روسية جديدة للازمة السورية التي تغيّرت وقائعها وعناصرها بشكل جذري منذ أن فوّضت روسيا من قبل المجتمع الدولي بالوساطة، ومنذ ان أوفد أنان الى دمشق للتحدث باسم.. الكرملين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *