أدونيس والموقف الأخلاقي

لايوجد نموزج  واحد للمعارضة , ولاتوجد معارضة مطلقة , وكل من يعارض   أو يؤيد ينطلق بشكل رئيسي  من  موقفه الخاص  , مبدئيا لاتوجد معارضة  , وانما  يوجد معارضين , والمعارضة التي تتشكل هي عبارة عن كيان اتفاقي   , لايوجب  اتفاق كل معارض منها  مع المعارض الآخر بالرأي بشكل مطلق  , انها اتفاق على  موقف  تتمثل به  قواسم مشتركة للشركاء به .

اذا لم يكن بمقدورنا فهم  أدونيس  , يجب على الأقل تفهم  مواقفه  التي قد تتسم بالتغير  ,فالفكرليس  مصنعا  لمنتجات  لاتتغير , وانما قد يتغير من يوم لآخر  ,هذا حال الجميع بما فيهم أدونيس ,فالجميع معرضون  لعوامل خارجية وداخلية تؤثر على مواقفهم بدرجات مختلفة , وفي الأزمات يتعاظم  التأثير الخارجي على موقف كل انسان , بحيث يفقد الانسان كل خيار شخصي ويصبح  مسيرا بشكل مطلق , وهذا هو حال الجميع بما فيهم أدونيس ! .

 الخوف هو عامل تأثير خارجي,تواجد في المجتمع السوري  بشكل خاص في الخمسين سنة الماضية , وكان  الأساس  الذي  ضمنت السلطة من خلاله  استمرار وجودها, تعاظم جدا في المجتمع السوري, الذي ازداد تطييفه في هذه السنين بحيث أصبح بالامكان استبدال الهوية الشخصية  بالهوية الطائفية , التي أصبحت ضرورية  للحصول على منصب أو وظيفة  دسمة, أواغتصاب الحق أمام القضاء أو حتى قتل انسان آخر  , أما الآن فقد ازدادت خطورة الهوية الطائفية  على الحياة , القتل ممارسة للجميع  ..القتل على الهوية ليس خصوصية لبنانية , وانما سورية بامتياز , والهوية الطائفية هي هوية ولادية , حيث لا يسأل أحد أدونيس قبل أن يسقط الساطور على رقبته  ان كان مثقفا علمانيا لادينيا ومدنيا  أو انه متزمت دينيا  , يكفي انه علوي المولد , ونفس الآلية موجودة عند  الطرف الآخر , حيث يقوم الأمن والشبيحة بواجبات طائفة  تجاه طائفة أخرى ..هكذا أصبح حال الوطن والمواطنين ..مجازر لها أول وليس لها آخر!.

أعرف شخصيا العديد من  التقدميين واللادينيين  الذين ارتدوا الى قواعدهم الدينية الطائفية الولادية  , وذلك  ارتكاسا “طائشا “  للمخاطر التي تحيق بهم  , لأنهم  يحملون منتذ الولادة أسم معين   يوحي بأنهم من أفراد الطائفة العلوية أو السنية أو المسيحية أو غيرها , وبذلك يتعرضون الى القتل , كما يقال , على الهوية , والمعرض للقتل  يبحث عن وسائل للدفاع عن نفسه , وكثيرا  مايتمثل الدفاع بالهروب الى الأمام , أو بالهروب الى الوراء , من هؤلاء  من  تطرف في لادينيته ومنهم من تطرف في ردته الدينية, وفي وقت عصيب كهذا  لايتصرف الانسان   عموما بشكل صحيح , الوضع المرضي  يقود الى مسلكية مريضة .

الشاعر أدونيس  تحدث الى مجلة آزي ولام فرنسا  بسبب خيانتها  لمبادئ الثورة الفرنسية  , وذلك لدعمها  لجميع الأصوليات  الرجعية في العالم العربي , واضاف “بدلا من العمل على دعم التيارات المدنية والديموقراطية والمتعددة القادرة على ارساء اسس ثورة شاملة من شأنها اخراج المجتمعات العربية من تخلف القرون الوسطى الى الحداثة، فان فرنسا وعلى العكس من ذلك تدعم كل الحركات الاصولية الرجعية وتتعاون باسم حقوق الانسان مع الانظمة الاصولية الرجعية”, ثم قال, اذا كان الدافع لذلك هو الدفاع عن حقوق الانسان فان الفرص لاثبات ذلك ليست قليلة خصوصا في فلسطين والسودان والعربية السعودية ومجمل دول الخليج، التي لا يوجد حتى دستور لدى بعضها”.مضيفا الى ذلك لا احد يستطيع الدفاع عن اي نظام عربي كان، لكن لا ينبغي ايضا اصلاح الشر الذي تمثله هذه الانظمة بشر اخر”، مضيفا ان “هذا تماما ما تفعله فرنسا واوروبا اليوم”.

الا تحمل كلمات أدونيس رائحة سلطوية سورية ؟, وليس هذا الكلام هو كلام السلطة تقريبا ؟,  ومع كل هذا  فاني أتفهم حال أدونيس,اعرف على  أن الساطور الموجه الى الرقبة يرغم اللسان على قول الفواحش .الا أنه رش على  هذه الرائحة في سياق حديثه  بعض العطور  , اذ أدان  في تعرضه للمجازر مجزرة الحولة التي قتل فيها الأسبوع الماضي اكثر من مئة ضحية من بينهم عدد كبير من الاطفال ملقيا بالمسؤولية على النظام السوري، واعتبر في تصريح صحافي ما حدث في الحولة “زلزالٌ إنسانيّ وأخلاقيّ” وبرهانٌ آخر ودامغ هذه المرة على أنّ الإنسان ليست له أية قيمة في أرضٍ شهدت ولادة الإنسان المتحضّر الأول، مضيفا انه يندرج في سلسلة الأعمال المُنكَرة التاريخية التي تؤكّد أنّ الهيمنة على السلطة وشهوة هذه الهيمنة هما المدار الأساس للتاريخ السياسيّ العربي قديماً وحديثاً.

هل  يساوي أدونيس  بين المهيمن على السلطة  مع الذي يشتهي الهيمنة عليها؟ نعم ! ,وفي  هذه المساواة   الكثير من الخلل , اذ يوجد مهيمن حقيقي , والذي يشتهي “الهيمنة” هو مهيمن “مجازي “افتراضي   لم  تتثن له   فرصة الهيمنة الفعلية لحد الآن  , والقول بأن هدفه “الهيمنة ” هو أمر مبكر جدا , اني افترض على أن “الهيمنة” أمر سلبي جدا .

مع  أن أدونيس  لايعرف هوية الجاني  في الحولة  وغيرها  , الا أنه انطلق في  ادانته للسلطة  من موقف أخلاقي دستوري  , وليس مكن موقف  قضائي  جنائي , فمعرفة هوية الجاني  وعقابه هو  من وظائف القضاء , الذي لاوجود عملي له في الجو السوري, والموقف الأخلاقي الدستوري  يقول على  ن السلطة  هي المسؤولة أولا وأخيرا  عن كل  جريمة في البلاد صغرت أم كبرت , والسلطة التي  لاتفلح في تحمل المسؤولية  , ولا تفلح في حماية المواطن من أخطار المجازر , مهما كان مرتكبها , هي سلطة  تشارك في الجريمة , وعليه يجب محاكمتها   بعد طردها  , والحكومة الفرنسية ستستقيل   وتحاكم عند جدوث مجزرة  مشابهة في في فرنسا , وهذا هو برهان بسيط , على أن الحكومة الفرنسية   لم تخن  مبادئ الثورة الفنسية بالشكل الذي  ادعاه أدونيس.

الحيرة  هي المميز الأساسي  لموقف أدونيس  وموقف غيره من المواطنين السوريين , واستنكار موقفه من قبل البعض هو أمر يستحق الاستنكار ,  أدونيس ليس أصولي  وليس سلطوي  وليس حامل بندقية  وليس معارض , اسمحوا لأدونيس أن يكون انسان حائر متأزم مثلي ومثلك

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *