للبرهنة على براءة الحكومة السورية من فعلة الحولة , يذكر بعض المؤييدين للسلطة ومنهم المسمى حركيا نارام سرجون في مقاله الأخير ” ثورة لاحتقار العقل ” بأن الدولة السورية متضررة من حادث كهذا وفي توقيت كهذا , ولا يشك أحد بالأضرار التي لحقت بالوطن السوري من جراء هذه الفعلة الشنيعة , ويمكن دمج السلطة السورية في عداد المتضررين في الدولة السورية , السلطة متضررة حقا , وكاتب هذه السطور , ثم نارام سرجون من المتضررين .
في كل فعلة أو حادثة أو تطور ما , توجد مكونات سلبية , التي هي تضرر الجميع , الا أنه توجد أيضا مكونات ايجابية , وما من شك على أن اعداء الدولة السورية فرحون لكل ارتجاج أو اختلال في بنية هذه الدولة , ولا أريد حتى اتهام هؤلاء بأنهم يريدون اضرار الدولة من خلال مجازر من هذا النوع ..اني احترم الانسان مهما كان ..صديق أو عدو , ومجازر من هذا النوع ليست مؤهلة لتكون وسيلة للتداول السياسي , ان كان في مجال الصداقة أو مجال العداء .
شخصيا ليس لي أي ايجابية قطعا من هذه الواقعة , فالسلبيات بالنسبة لي كارثية ومدمرة , والأمر قد يختلف بالنسبة الى من يؤيد السلطة , اذ أنه يوجد مقابل السلبيات ايجابيات ذات علاقة بالعديد من الأمور , من أهمها حرص السلطة على البقاء والاستمرار , وهذا الحرص لم يتوقف منذ أكثر من أربعين عاما , ومن أجل تحقيق هذا الهدف كانت هناك في الماضي مجازر عدة , ولا تظنوا اطلاقا على أن مجزرة الحولة هي أكبر المجازر , ولاتظنوا ابدا على أن موت الطفل محزن أكثر من موت ابيه أو أمه .
من الممكن هنا التنويه على سبيل المثال وليس الحصر الى مجازر أضخم وأعظم من مجزرة الحولة , والماضي القريب يؤلمنا بمجازر… مجزرة كرم الزيتون , ومجزرة بابا عمرو والآن مجازر الحميدية والخالدية في حمص وغيرها من المدن , حيث قتل المئات ذبحا أو شنقا أو طعنا أو سحلا , ومنهم الأطفال أيضا وبأعداد تفوق أعداد اطفال مجزرة الحولة , وفي بعض الحالات نقلت محاصيل المجازر بسيارات الشحن التي أفرغت حمولتها على مداخل القرى والمدن , اربعين أو خمسين أو مئة قتيل ,ومنهم تواجد مرة من المرات مواطن سوري لايزال على قيد الحياة , وان نسينا الكثير , فلا نستطيع تناسي مجازر حماه , حيث قتل بكل تأكيد عشرات الألوف من المواطنين , ومن بينهم عشرات المئات من الأطفال , ثم انه من الضروري التذكير بمجزرة تدمر ومجازر صيدنايا , ومن الخطأ تناسي المجازر التي تحدث بشكل مستمر منذ أكثر من أربعين عاما على مستوى أقل حدة من مجازر حماه ألا انها مستمرة , فهناك من اختفى في السجون , وهناك من توفي بعد اعتقاله بأيام وهو في عمر الزهور , هناك من علق على اعواد المشانق أو رمي بالرصاص ميدانيا ومن قطع لسانه ومن خرج من السجن مريضا مشوها ومن تعرض للتعذيب المبرح ومن اغتيل ومن هرب … ..الخ , وكل هذا يمثل ضررا بليغا بكامل الدولة السورية بما فيها السلطة .
الا أن السلطة لم تقم بكل ذلك قسرا وانما طوعا , ولم تكن هناك ضرورة قسرية لتقصيب أكثر من ألف سجين في تدمر , ولم تكن ,حسب ظني, ضرورة لمجزرة حماه وغيرها من المجازر , ولا توجد حقيقة ضرورة لأي مجزرة !, ففي العالم المتمدن لاتوجد امثال لهذه المجازر ,وارتكاب هذه المجازر طوعا يوحي على أنه للسسلطة فوائد وانجازات ايجابية من خلالها .
تحدث الكثيرون عن الترهيب , وعن فوائده في ردع المشاغبين من ممارسة الشغب والمعارضين من ممارسة المعارضة ,والسلطة السورية لم تخترع هذه الأساليب اطلاقا , فهذه الأساليب معروفة جدا عند الديكتاتوريات , وممارستها مألوفة جدا في كل نظام ديكتاتوري , كما انها ضرورية جدا عند عدم وجود ديموقراطية تعمل بشكل اساسي حسب مبدأ الترغيب , مقارنة بالديكتاتورية التي تعمل بمبدأ الترهيب , ومن هنا يمكن القول على أن الدولة السورية متضررة هو قول صحيح , ولا توجد للدولة السورية أي ايجابيات من خلال هذه الأفعال , أما السلطة السورية فأمرها آخر , انها متضررة , الا أنه يوجد مقابل هذا الضرر ايجابيات خاصة جدا بالسلطة ومآربها , انه الترهيب الضروري لتوطيد دعائم السلطة , ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان على التاريخ أن يؤلمنا بقصص من الماضي القريب والبعيد أفظع وأعظم من قصة الحولة .
ستبقى هوية الفاعل مجهولة رسميا , لأنه من المعروف على أن السلطة ستقول على أن العصابات الارهابية مسؤولة عن ذلك , ستدعم هذه المقولة بتقرير يكتبه رجالها , أما من ناحية أخرى فقد اعربت الجهات الدولية عن الشك بأن الفاعل هي السلطة وشبيحتها , والسلطة السورية منعت لجنة تحقيق شكلها مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة من دخول البلاد للتحقيق في الحادث , السلطة لاترى ضرورة لتحقيق من قبل جهات دولية , بقينا في الشك !, الا أن رفض التحقيق الدولي من قبل السلطة ذو دلالات لايمكن تجاهلها . .
الخلاصة : الدولة السورية تضررت والشعب السوري أيضا , كذلك السلطة السورية من المجازر , الا أن من يعترف بوجود وفوائد عامل الترهيب , يمكنه عندئذ القول انه للسلطة , ولو جزئيا . مصلحة بهذه الفعلة .