الاعلام والمصطلحات والمفردات والمال والاقتصاد والكذب الدجل والحيل والسياسية الخ ..كلهم وسائل أخرى لضمان استمرار الحرب , وأخص الآن “المصطلحات ” في ضمانها استمرار الحرب بأشكالها المختلفة ..حرب فكرية ..خرب معنوية ..حرب نفسية ..حرب اقتصادية أو ميدانية ..الخ , فسلاح “المصطلحات ” لايختلف من حيث تأثيره وأهدافه عن سلاح الدبابات أو المدرعات , في الحرب تريد الأطراف المعنية أن تنتصر بأي حال وبأي وسيلة وبأي مبدأ , ان كان مبدأ كلاوزيفيتس أو مبدا ماخيا فيلي أو غيرهم .
الحرب تعتمد على خاصتين أو ضرورتين , الأولى هي الدفاع والثانية هي الهجوم , واضافة الى أنه للحرب أهداف , فانه لها أيضا مبررات , او أن لكل طرف مبرراته , ومن المفيد هنا اعطاء لمحة عن حرب تمت دراستها بشكل مستفيض , وهي الحرب الأمريكية على العراق , ومقارنة بعض جوانب هذه الحرب مع الحرب الجارية الآن في سوريا .
حدث خلاف كبير في حرب العراق حول العديد من المصطلحات , وأهم الخلافات كان حول مصطلح “الحرب الأهلية ” الذي تبناه كثير من المعارضين لسياسة الرئيس بوش , في حين أصر بوش على مصطلح “الحرب الطائفية ” , واصرار المعارضون لبوش على مصطلح “الحرب الأهلية” لم يكن من ضمن نقاش اكاديمي حول أشكال الحروب , وانما كان القصد منه ردع بوش عن التدخل في حرب أهلية , والمعارضة تعتبر , على أن الحرب الطائفية هي نتيجة لتدخل بوش في العراق , اي نتيجة للحرب الأممية , التي افرزت أيضا الحرب الأهلية , وسبب تعلق بوش بمصطلح” الحرب الطائفية ” له مبرراته , ذلك لأن ” الحرب الأهلية ” ترغم الأطراف المتحاربة على الاعتراف ببروتوكولات جنيف من عام 1977 ,والعمل بهذه البروتوكولات , التي تلزم الجهات الرسمية الحكومية ولا تلزم العصابات بها , لأن البروتوكلاات هي عبارة عن اتفاقية بين الدول وليس بين العصابات , والبروتوكولات تفرض احترام حقوق المقاومين والمتحاربين في اطار الحرب الأهلية , واطار الحرب الأهلية يختلف جدا عن اطار الحرب الطائفية , ويختلف جدا عن حالة اللاحرب , ولاحداث حالة اللاحرب (رسميا) سارعت الادارة الأمريكية لاعلان انتهاء الحرب في العراق , وبذلك تمكنت من تحويل المقاوم في العراق الى” متمرد ” على الشرعية الدولية .
من كل هذا نرى على أن المصطلحات مهمة جدا قانونيا وسياسيا واعلاميا , والاعتراف بأن الحرب “أهلية ” هو أمر مقيد لجهة من جهات الحرب , اما الحرب ضد الارهاب وضد العصابات المسلحة فتزود جهة من جهات الحرب بالكثير من التفوق الأخلاقي , وتزود هذه الجهة بالكثير من الميزات القانونية الشرعية , التي لايتزود بها الخصم , وهذه الميزات تغير تباعا اهداف الحرب , لتصبح حربا ضد الفوضى وضد الغوغائية , حربا من أجل استتباب الأمن وحماية المواطنين من العصابات التي تعتدي عليهم , حربا من أجل خلق جو من الأمان يسمح بالقيام بالاصلاح , حربا ضد من يعتدي على حرية المواطن وماله وأمنه , حربا ضد من يريد العبث بقرار الشعب (السوري) , أي القرار السوري , الذي هو مرادف لقرار النظام أو السلطة .
لقد كانت هذه المقدمة ضرورية للدخول في غياهب خلاف نشأ بين الأمم المتحدة والسلطة السورية حول مصطلح ” الحرب الأهلية ” , فبينما تقول الأمم المتحدة على أن الحرب في سوريا هي حرب “أهلية ” , تقول السلطة انها حرب ضد العصابات المسلحة والارهاب ..لاعلاقة لهذا الخلاف بالبلاغة اللغوية , وانما بأمور أكبر بكثير من هذه البلاغة , أمور يمكنها أن تقلب معادلات هذه الحرب رأسا على عثب .
من يراقب الحدث السوري , يجد الكثير من النقاط المشتركة بين العراق وسوريا ,وذلك على الرغم من وجود فرق جوهري كبير , ففي العراق تدخل جهرا عامل غريب هو العامل الأمريكي , بينما في سوريا لايتدخل العامل الخارجي جهرا , ولا يتدخل (ان كان غربي أو شرقي) بالطريقة الأمريكية الفظة المباشرة , وبالرغم من هذا الفرق “الجوهري ” , يبقى هناك الكثير مما يوحد المتحاربين ,فالحرب هي أولا وأخيرا تداول بين الوحوش , والحرب الأهلية في سوريا لم تفرز لحد الآن الا الوحشية .