هذا الزيت من هذا الزيتون , والاعلام السوري هو كالنظام السوري , ليس منذ أمس وانما منذ نصف قرن .
الاعلام الذي وظيفته أن يكون حلا لمشكلة الادراك والفهم الشعبي , أصبح مشكلة هذا الادراك والفهم , لأنه لم ينور , وانما ظلم وأظلم ,وبالنتيجة انفقدت الثقة به الى حد كبير , فمن 100مواطن سوري قال حوالي 93 على انهم يستقون اخبارهم من محطات خارج البلاد أولها الجزيرة , و7 اشخاص من اذاعات محلية , كما أن الاعلام ساهم عن طريق استمراريته في التعتيم والتجهيل في زمن لايجدي به التعتيم والتجهيل الى فقدانه للثقة من الخارج , ومن في الخارج يأخذ الاعلام السوري الرسمي مأخذ الجد؟, بينما يقص هذا الاعلام قصصا مريبة حول الاحداث في سوريا , تأتي الادانات للسلطة من المرافق العالمية واحدة تلو الأخرى , ولو انحصر الأمر بما ذكر لهان الموضوع نسبيا , الا ان الأمر هو أكبر من ذلك بكثير , فقد شل الاعلام عن طريق عدائه للواقع والحقيقة أي محاولة للتقدم والاصلاح , لماذا الاصلاح والاعلام يقول اننا صالحين , ولماذا التقدم ان كنا متقدمين , ولماذا مكافحة الفساد , عندما لايوجد فاسدين , ولماذا الشك بنزاهة استفتاء عندما يقول الاعلام على ان نتيجة استفتاء الرئاسة يتراوح بين 99% الى 100% الى جانب الرئيس ..الاعلام فاسد كفساد السلطة والنتيجة بشكل عام هي التي نراها الآن .
لقد حرمت السلطة الشعب لنصف قرن كامل من ابسط أشكال الحرية , وأمرت بالوحدانية , والاعلام الذي هو ابن السلطة ساعدها على حرم الشعب من الحرية وتلطى خلف الوحدانية , الشعب السوري واحد في نظرته ومسلكيته وادراكه وفكره وتجلياته , التي هي نظرة وفكر وتجليات الرئيس , لا انتاج معرفي أو قيمي جديد , وانما اجترار لما تقيأته الرئاسة , هذا فضلا عن افساد الاعلام للسلطة ,الاعلام ينشر من باب تملقي مايظن على أنه مسر للسلطة , ينشر ماتريده السلطة شعوريا أو لاشعوريا , يصدق اكاذيبه وتصدق السلطة ذلك ..والنتيجة كما ترون الآن !.
الاعلام دمج السلطة بالوطن , واعتبر كل نقد للسلطة هو تشهير بالوطن وعداء له , السلطة شعرت من خلال ذلك على انها فعلا الوطن , الوطن باق اذن السلطة باقية , لماذا على السلطة أن تذهب وهي مثال للادراك والفهم والحاكمية المثالية والسياسة الحكيمة والقيادة الفذة , والاعلام السوري لم يفهم أبسط البديهيات بخصوص” مرحلية ” السلطة ورئيسها في النظام الجمهوري , تعامل مع رئيس الجمهورية وكأنه ملاك وملك ومالك لكل شيئ ..والنتيجة كما ترون !
يمكن الحديث بكل صراحة عن كارثة الاعلام “الموجه” وأهم نتائجه هي القضاء على المهمة الطبيعية المنوطة بالإعلام في مجتمع صحي، وإجهاض دوره في نشر الموضوعية والعقلانية وأسس المنهج العلمي وتطبيقاته العملية في تفسير الواقع الحي بعيداً عن تأثير المصالح الذاتية والتحيّز, لايعلم الاعلام بما حدث , وانما بما يريد له أن يحدث , وفي زمن الأزمات نادرا ماتجري الرياح كما تشتهي السفن , لذا فقد حول هذا الاعلام وسيلة التضليل , التي تستخدمها كل وسائل اعلام العالم بشكل شبه مقبول , عمليا الى هدف .. والتنيجة كماترون !!
اعترض على تسمية هذا الجهاز بجهاز الاعلام , والأفضل تسميته , كما سماه هتلر , جهاز الدعاية (البروبوغندا) والترويج لسياسات النخب المسيطرة، التي لاتحترم الانسان في الديكتاتوريات , وبالتالي فان احتقار المواطن أمر بديهي, فلا عقل للموطن ولا فهم ..جاهل .. لايفقه شيئا ولا يعرف ماذا يجب أن يعرف , فالقائد يعرف ذلك , القائد يحمي عقل المواطن من فضائيات التحريض , والقائد يعرف أيضا على أن دخول وسائل الاعلام الأجنبية الى البلاد ضار بعقل المواطن , كما أن تنوع الأخبار وتناقضها أحيانا مشوش لعقل المواطن , وليس للقائد من مهمة الا السهر على راحة المواطن , الذي عليه تصديق مايقوله القائد عن طريق وسائل اعلامه , الذي يمولها , على فكرة , المواطن , وليس القائد , الا انها مخصصة للدعاية للقائد ,الذي ليس فقط رمز الوطن , وانتما هو الوطن , والوطن ملك للشعب , لذا فان القائد ملك للمواطن, والدعاية للقائد هي دعاية للمواطن …والنتيجة كما ترون !!ا
جهاز الدعاية ينتقي ويحذف ويقزم ويمحي ويبتر ويمارس انتقائية مريبة في التعاطي مع الواقع , يظهر مايظن انه مفيد للقائد , ويطمر مايظن على أنه ضار له , وفي الكثير من الحالات لايمز جهاز الدعاية الضار من النافع , واريد الآن اعطاء مثال عن حدث رأيته يوم أمس (على شريط) بخصوص زينب الحصني , فقد تحدث أخوها للمرة الثانية عن الموضوع وقال على أن العائلة استلمت من الجهات الرسمية جثتين , احد الجثث تعود للأخ الآخر الذي توفي فجأة بعد يومين من اعتقاله , ويمكن القول هنا على اصابته بالعديد من الطلقات النارية سببت وفاته المفاجأة , ومن هذه الطلقات كانت طلقة دخلت من الفم وخرجت من مؤخرة الرأس , وهذه كانت السبب في وفاته الغير متوقعة والمفاجأة!!, الا أن موضوع زينب هنا هو المهم , فالجثة المحروقة والمقدطعة الى أربع قطع كانت نظريا جثة زينب , وهذا ماقالته الجهات الرسمية , وهذه الجهات نفسها احضرت شابة الى التلفيزيون , وهذه الشابة قالت على أنها زينب التي لاتزال حية ترزق , وجهاز الدعاية اتهم بسبب ذلك فضائيات التحرض والفتنة في فبركة قصة زينب , أما أخوها الآخر الذي يتواجد الآن في لبنان مع باقي العائلة فقد تحدث عن ” الشهيدة ” زينب , وقال انه لم يرى اخته بعد ظهورها في التلفيزيون ..بلعتها الأرض !!
نظرا لكثرة الجثث , فانه من الممكن أن يحدث شيئا من الالتباس , وقد تكون الجثة التي استلمتها عائلة زينب جثة شابة أخرى , جهاز الدعاية لم يطرح على نفسه الأسئلة التالية :
1- أين هي الحية التي ترزق الآن ؟؟ وكيف يدعي اهل زينب على أنها شهيدة وانها اختفت ؟؟
2- اذا لم تكن الجثة لزينب ,فلمن تعود هذه الجثة ؟
الأمثلة على استحمار البشر لاتعد ولا تحصى , ولا يظن جهاز الدعاية على أن المواطن سيسأل , لمن تعود الجثة , لأن المواطن حمار وجاهل .. والنتيجة كما ترون ..ظلمة اعلامية
لا تجدي الاستهانة بعقل المواطن وقدرته على التحليل المنطقي ومقدرته على اكتشاف الفبركات والتزويرات , فقد تطورى المعارف , والاعلام السوري لايدرك هذه التطورات , ولا يستطيع ادراكها , لأنه اعلام موجه ورسالته هي رسالة السلطة , انه هزيل لأن اصلاحه غير ممكن , ذلك لأنه اعلام يمثل جهة واحدة هي جهة السلطة , وهذا لايعني على أن وسائل الاعلام الأخرى غير موجهة وليس لها رسالة وغير متحيزة , لايوجداعلام خاص حيادي , الا انه من واجب الاعلام الذي يموله الشعب أن يكون أكثر حيادية من الاعلام الخاص , عليه ان يكون اعلام الشعب وليبس اعلام سلطة , قد تكون قريبة من الشعب أو بعيدة عنه , وعندما تبتعد الساطة عن الشعب , أو تقوم بارهابه , يتحول الاعلام الذي توظفه في خدمتها الى اعلام ارهابي , أي أن الشعب يمول اعلاما يمارس الارهاب ضده , وهذا هو اللامعقول !