غليون الخامس عشر, أم مومياء”توت عنخ غليون “

زفت لنا الأخبار تنصيب “غليون الخامس عشر” على رأس المجلس الوطني السوري وذلك بعد وفاة غليون الرابع عشر .. وتنفس الثوار الصعداء بعد أن اعتراهم القلق على مصير قائدهم الهمام .. درة الثورة السورية وقبسها المضيء .. وهزبرها المغوار .. القائد الضرورة برهان غليون .. ولم يتحمل القرضاوي فرحة الخبر فركع ركعتين في قاعدة العيديد وكان فيما هو راكع تهتز كتفاه .. تهتزان لا من هدير طائرات ب 52 القاذفة التي أبادت بضع مدن عراقية ..وتهتزان ليس من تصوفه وتهجده وهو يردد أشعارا صوفية من مثل “ربي اني مثقل بذنوبي” من بعد قتل عشرات الآلاف والاعتداء على النبي بحديث ترحيبه بالناتو ..بل اهتزت كتفا القرضاوي من فرط بكائه وتأثره باللحظة التاريخية ببقاء أمل الثورة السورية وزعيمها الفذ ّ.. أما العرعور فقد طاف حول البيت العتيق سبعين مرة وقبّل الحجر الأسود سبع مرات خاشعا ثم نحر سبعين رجلا من حمص (بلد الزعيم غليون) شكرا لله .. أما فيصل القاسم فقد حبس دموعه وهو قلما تدمع عيناه ..

فقد كان الثوار يخشون أن يقف الزعيم الخالد “برهان غليون” الذي تآمرت عليه قوى الاستعمار الروسي والصيني والايراني ودول البريكس الرجعية الظلامية .. أن يقف أمام العدسات ويتوجه الى الجمهور العربي من المحيط الى الخليج ويقول بصوت حزين للجماهير المتلهفة لاطلالته ..والمنكسرة الخاطر بعد فشل الثورة السورية :

“انني على استعداد لتحمل المسؤولية كلها .. ولقد اتخذت قرارا أريدكم جميعا أن تساعدوني عليه .. لقد قررت أن أتنحى تماما، ونهائيا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي وأن أعود الى صفوف الجماهير.. أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر ” تماما كما فعل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في خطاب التنحي بعد هزيمته في حزيران ..

لكن غليون قرر ان يقول في خطاب تجديد البيعة:

“انني لست على استعداد للتخلي عن الرئاسة .. ولقد اتخذت قرارا أريدكم جميعا أن تساعدوني عليه .. لقد قررت أن ألتصق تماما ونهائيا برئاسة المجلس .. وأن لا أتنحى عن أي منصب رسمي وأن لا أعود الى صفوف الجماهير..وأن لاأؤدي واجبي معها الا كما تريد سيدتي موزة..

بالرغم من أن الكواليس تتحدث عن أزمات كبرى داخل المجلس وأنه مجلس مربوط بأصابع الديناميت كما وصفه ديبلوماسي تركي (الذي وصفه كانتحاري مربوط بأحزمة ناسفة سينفجر ان عاجلا أو آجلا لكثرة الاصابع العابثة بزر التفجير) فانني لم أتوقع تغييرا في المجلس .. وفي الحقيقة كنت أخشى التغيير لما له من دلائل..

أما سبب عدم توقعي للتغيير فهو أن المعارضين السوريين لم يعرف عنهم التأني ولم يعرف عنهم المناورات الذكية ولم يعرف عنهم الاستقلال .. ولم يعرف عنهم التراجع عن أي خطأ ولا عن أية مقولة.. لأنهم مأمورون .. ولأنهم محكومون بفكرة أننا لم نتمكن من احداث التغيير في سورية فان التغيير لايجب أن ينالنا .. وكانت عقول المعارضين الصغيرة تفكر بعقل المراهقات اللواتي يخشين (شماتة البنات وشماتة أبلة نظيرة وهي المخابرات السورية)

المعارضة التي اجتمعت تلقت تعليمات باعادة انتخاب غليون .. ولايستطيع انكار ذلك اي واحد في المجلس الوطني الذي تحول الى مايشبه تشكيلات مجلس الشعب السوري منذ أيام الراحل محمود الزعبي والرفيق عبد الحليم خدام حتى فترة قريبة عبر هواتف غامضة .. أو مجلس الشعب المصري أيام أحمد عز (امبراطور الحديد) حيث تأتي التعليمات عبر وسطاء ومعهم الشيكات …

حتى في درس الديمقراطية الذي قتلتنا المعارضة من أجله قدمت المعارضة السورية أسوأ عروضها على الاطلاق حتى الآن .. وكانت لها فرصة ضئيلة أمام جمهورها المتآكل والمشكك أن تقول له اننا أفضل من النظام ولدينا الجرأة على التجديد ومنح الفرص للجميع .. ودفع المعارضة الى تجربة جديدة وبدماء جديدة ..لأننا ثورة للتغيير..ونحن من يقود عقلية التغيير لتغيير مالايتغير

ماتسرب من جلسات الامس أن هناك خشية من أن يفهم التغيير على أنه تال لخروج ساركوزي ..وأن في تثبيت برهان الخامس عشر رسالة للنظام السوري من أن فرنسا لن تتغير حتى بتغير ساركوزي وأن بقاء رجل فرنسا غليون يعني بقاء الدور الفرنسي وبقاء أنفاس ساركوزي..وقال أحد الاخوانيين ان تغييرا بهذا الحجم ربما بدا ضروريا للغاية لأن غليون رجل فاشل بلا جدال لكنه رسالة سيئة للغاية في زمن سيء للغاية..

البعض تعلل بأن غليون صار شخصية معروفة عالميا ومن الخطر تقديم شخص آخر للعالم الذي سيمضي وقتا في استكشافه والتعرف عليه وبناء علاقات معه وسياسات تجاهه..ولكن الحقيقة هي أن اسقاط غليون صار ينظر اليه على أنه نصر معنوي للنظام السوري وهذا مالن يمنحه له اللاعبون الرئيسيون في اللعبة الدولية لما في ذلك من زخم معنوي لمؤيدي السلطة ..فتقرر ابقاء “البيدق” المسمى برهان غليون بدل تركه يسقط أمام “القلعة” في لعبة الشطرنج طالما أن اسقاطه لن يستدرج قطعة شطرنج قوية الى فخ محكم ..وكما ترون منطق فقير وتدبير بائس وعقلية لاتختلف عن اية عقلية فاسدة في الشرق وقيادات لاتعرف حتى أبسط قواعد القيادة وفن الحكم والسياسة وفن الثورة والثوار..

أما خشيتي من تغيير برهان غليون فلأن التغيير يحمل معه دلالات أن “الشباب” في المجلس الوطني مستقلون عن مشيئة الدول اللاعبة وأننا ظلمناهم .. ثم ان التغيير يعني أننا دخلنا في مرحلة المعارضة المتجددة الخطاب والدم والقدرة على النهوض من تحت الرماد .. والتي تراجع أداءها وتكتيكاتها واستراتيجياتها .. ثم انني خشيت التغيير لأن ما تناهى الى أسماعي هو أن هناك مفاوضات شاقة تحت الطاولة مع السلطات السورية في الآونة الأخيرة وكان القرار بابعاد غليون عند فشل التفاوض للانتقال الى مرحلة مابعد غليون وهي مرحلة جاء بها جوزيف ليبرمان وفيلتمان أخيرا عند زيارتهما الى لبنان .. وكان من المفترض أن اسقاط غليون هو نقلة نوعية لمرحلة جديدة يجب كسب ثقة الثورجيين بها عبر الايحاء أن القيادة الجديدة لديها خطط أفضل وعزم أكبر نحو مرحلة تطلق من لبنان ..ربما حاول البعض جس نبضها في طرابلس التي يقال أنه يراد لها أن تكون مدينة للفوضى بشكل مفاجئ بسيناريو صراع طائفي وتحت سيطرة السلاح وتلعب لاحقا دور المنطقة العازلة التي يحلم بها الثورجيون .. منطقة عازلة ليست في تركيا فتسبب تورطها مباشرة في النزاع ولا في الأردن ولا في لبنان الرسمي .. بل في منطقة متمردة خارجة عن سيطرة الجميع يلجأ اليها المسلحون السوريون كنقطة انطلاق كبرى ونقطة استقبال سفن السلاح وزوارق التهريب دون الخضوع لتفتيش ورقابة الدولة اللبنانية ..ناهيك عن احتمال طلب حماية دولية لفصل المتقاتلين في حرب طائفية محتملة .. فتصل قوات اليونيفيل ..وماأدراك مااليونيفيل .!! ..وكان قرار تثبيت غليون الذي اتخذ قبل منتصف ليل أمس في جلسة شاي في احدى السفارات الغربية في تركيا في لقاء ضم عدة شخصيات استخبارية وثلاثة ديبلوماسيين .. التي تقرر فيها التمديد لغليون .. لاعتبارات لاتزال غير واضحة حسب المصدر الذي تحدث اليّ..

اذا .. غليون بقي يقف على جثة الثورة السورية التي وقعت على آلاف الضحايا الأبرياء الذين جرّهم برهان ورفاقه الى الموت المجاني .. والرجل لم يعد لديه جديد فقد تم عصره تماما وتحول الى “مومياء سياسية” تسمى توت عنخ غليون .. وقد استمعت اليه عدة مرات مؤخرا وعرفت أنه أفلس تماما وبدا ذاهلا متعثرا متأتئا ضعيف التركيز وبدا برهان ضعيف البرهان .. وتذكرت حديثا للرسول يسأل فيه: (أتدرون من المفلس؟؟ قالوا المفلس فينا من لامال له ولامتاع .. الخ) بالطبع لن نلوي عنق الحديث كما يفعل القرضاوي ويمد يد الرسول الى الناتو ونقول: “بل المفلس هو برهان غليون والمجلس الوطني السوري” .. فهذه اخلاق القرضاوية الاسلامية .. لكن ببساطة أن اكثر شخصية مفلسة سياسيا هي برهان غليون ..وقد قرأ البعض أن ابقاء غليون هو تعبير عن انتهاء دور المجلس الوطني السوري ونهاية الثورة السورية معنويا وأخلاقيا .. وهو ربما انعكاس لمزاج قادم وصفقات غامضة بين الثورجيين ضد الثورجيين..في عهد انقلابات الثورجيين القادم..

على العموم.. يمكن القول بقوة ان بقاء غليون مدعاة للارتياح والحبور والاطمئنان والاسترخاء.. انه رجل بلا مواهب وبلا كاريزما ..وفاشل سياسيا وبيدق صغير بلا كبرياء القادة وبلا كرامة الفرسان ..مومياء سياسية ومحنط من محنطات النبلاء الفرنسيين ..نظرة بلهاء وصوت من الأصوات التي لاتأتي من المستقبل حتما..انه أحد مآسي مصير مايسمى بالثورة السورية..والزمن سيكشف دقة ماأقول..

أنني شخصيا من أنصار بقاء برهان غليون رئيسا للمجلس الوطني السوري مدى الحياة ..وباعتبار أنه زعيم هجين بين الاخوانية والعثمانية وثمرة ليلة سفاح بين الدناءة الانسانية والانحطاط الاخلاقي .. فانني أبايعه بيعة لاعودة فيها رئيسا للمجلس الوطني .. وأعاهده على ألا أبايع غيره ..ماحييت ..حتى غليون التاسع عشر …أقول هذا ولدي احساس أن غليون السادس عشر لن يرى النور وقد يلقى مصير ملك فرنسا الأخير لويس السادس عشر .. على مقصلة السياسة على الأقل..

ان بقي غليون رئيسا للمجلس الوطني السوري فلن يصل الى قصر الشعب أي من مواليد المجلس الوطني السوري و”الثورة” لن تخرج من مغاور جبل الزاوية بل ستبقى هائمة على وجهها حتى تموت أو تقتل .. لأن الوصول الى قصر الشعب في جبل قاسيون يجب ان يمر عبر ارادة الشعب .. وماأريد للشعب السوري الذي كان يقرر ايقاع اللعب في قصور الشرق هو أن يتقرر اسم حاكم قصر الشعب السوري في سهرة شاي متأخرة في اجتماع سفراء وممثلين عن وزارات الخارجية الغربية تماما كما حدث في اتفاق قبل منتصف الليل لتمرير اسم برهان غليون..أي رئيس لاترفضه اميريكا ولاتعترض عليه اسرائيل كما يحدث في مصر الآن…

لكن من يعتلي صهوة قاسيون لايأتي من حفلات الشاي وحفلات سكب الدم في الفناجين قبل منتصف الليل .. ويجب أن تغضب عليه أميريكا وأن يستفز اسرائيل .. ومن يعتلي صهوة قاسيون لايجب أن تقرره سفارات في تركيا ولا دشاديش عربان الخليج ولاشيكات وحقائب المال .. صهوة قاسيون يعتليها من يريده شعب قاسيون .. ومن تريده بنت قاسيون دمشق .. دمشق بنت مروان .. كما قال الشاعر بدوي الجبل:

بنت مروان اصطفاها ربها …….لايشاء الله الا ماتشاء

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *