في العالم العربي مشاهد انتخابية عدة. مصر على أبواب انتخابات رئاسية. سوريا أجرت انتخابات نيابية. لبنان أجرى انتخابات بلدية جزئية ويحضّر لانتخابات نيابية عامة. سبق ذلك انتخابات تونسية ورئاسية يمنية واستفتاءات على الدساتير المعدّلة ونيابية كويتية.
تفترض الانتخابات كوسيلة أساسية للنظام الديموقراطي أن الشعب يختار ممثليه بحرية وفي ظل قواعد ضامنة للمساواة وتكافؤ الفرص، وتفترض أنها تؤدي إلى تداول سلمي للسلطة.
تعكس الانتخابات العربية حداً لا جدال فيه من تمثيل المشاركين في العملية السياسية علماً أنهم لا يحظون بتكافؤ الفرصة أمام الكثير من الشروط والقيود ولا يتمتعون بالحرية الكافية في الاختيار ومعظم الذين يتصدرون نتائج الفوز يملكون سلطة سياسية أو أمنية أو مالية أو إعلامية، والأكثر خطورة من ذلك مصادرة الشعور الجماعي للمواطنين باسم الدين والثقافة الدينية.
هذا التمرين الديموقراطي على علاّته وتشوّهاته هو حاجة وضرورة بعد زمن طويل من غياب المشاركة السياسية بجميع أشكالها. لكن من الخطأ الواضح الاعتقاد أن الديموقراطية تشق طريقه المفتوح إلى العالم العربي بعد عقود من الاستبداد.
تفترض الديموقراطية وجود الدولة المحايدة، والحقوق السياسية المتساوية بين المواطنين، والثقافة الديموقراطية وضمانات قانونية واسعة واستبعاد كل ما يعيق مسبقاً حرية الاختيار. هذه الشروط لا يتوافر منها شيء في هذا المشهد الانتخابي ولا في أي بلد عربي.
انتخب التونسيون بدافع قوي لصالح الإسلاميين على أنهم المعارضة التاريخية التي ستعيد تونس إلى هويتها ضد سياسة التغريب والفساد لا ضد نمط الدولة والقوى الاجتماعية المسيطرة فيها والخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها. وفي مصر انتخب الجمهور كذلك للأسباب نفسها زائداً إليها الفئة التي تستطيع أن تختار وجهة أخرى لمصر بحكم فاعليتها وتنظيمها وشرعيتها الشعبية الممتدة في النسيج المصري في المجتمع والدولة. لكنهم انتخبوا وفق قانون في مصلحة هذه القوى فجعل من مقاعد المستقلين تابعة لهذه الأحزاب وهو موضوع طعن دستوري قد يطيح النتائج إذا قرّر المجلس العسكري في لحظة أن يفرج عن هذا العطب الانتخابي. ولم يغب المال عن المنافسة الانتخابية الذي تقاطر دعماً للقوى الإسلامية واحتواءً لمشروعها في آن.
أما المسرح السوري فما زالت تعوزه عناصر أساسية ليحظى بشيء من المصداقية لأنه أعد سلفاً من سلطة النظام قانوناً وشروطاً، ولا حد أدنى من الحياد السلطوي ولا تتوافر عناصر الاستقرار ولا الحرية للانتخاب فضلاً عن الطابع الأساسي للخيارات بين انحياز إلى وقف الحرب وبين الفوضى المتسارعة. وإذا كان الإرث اللبناني مشهوداً في دورية الانتخاب فقد استورد تقاليد جديدة لإفراغه من مضمونه الديموقراطي. أنتجت الحرب ظروفاً عامة ومعطيات سياسية طائفية وأمنية تجعل من الممارسة الديموقراطية مظهراً خادعاً لإعادة تجديد السلطة لزعماء العصبيات الذين استقطعوا مناطق نفوذ يصعب اختراقها.
في الدوائر الانتخابية سيطرة كاسحة لقوى الأمر الواقع أو لتحالفات سياسية وطائفية لاغية لفئات طائفية أخرى أو لتعددية سياسية داخل الطائفة الواحدة. كان الإجماع قائماً بين المنظومة السياسية على احترام هذه المعادلة وهذا التوازن لولا الطارئ المستجد الذي يلح من البيئة الإقليمية على تكوين أرجحية سياسية طائفية مطلوبة من أجل انضمام لبنان إلى حصيلة هنا أو هناك من التنافس الدولي.
تنظر القوى السياسية إلى قانون الانتخاب من هذه الزاوية فتقطع سبل الحوار عن احتمالات إصلاح النظام السياسي كما تقفل باب البحث عن الوسائل الضرورية لامتصاص حال التشنج الطائفي. ولا ندري كيف يمكن إيجاد مخرج لشعور بعض الفئات بالغبن حالياً أو في أي صيغة أخرى.
ما سبق لا يختصر المشكلة العربية في هذه المرحلة الانتقالية من اختبار التحول الديموقراطي. فلا يتحدث الجمهور العربي في أي مكان لغة واحدة في هوية الدولة، ولا يمارس فهماً مشتركاً للديموقراطية ما إذا كانت وسيلة مؤقتة أم التزاماً بإطار ثابت للاجتماع السياسي.
فالإسلاميون في كل مكان يريدون سلطة الدولة أداة لتحقيق الانضباط الكامل للمجتمع في نمط عيش وطريقة سلوك لا بوصفها تجسيداً للصالح العام والمشترك الأساسي الذي يحمي الأمن والحقوق والحريات ويسمح بالمنافسة السياسية المفتوحة والثقافة المتعددة القابلة بالآخر وبحق الاختلاف في التفكير والضمير والتعبير والممارسة.
ما يقدمه الإسلاميون حتى الآن للآخرين من المسلمين وغير المسلمين هو «العهد» بالاحترام والأمان فقط. لكن هذا «العهد» يراوح بين تكفير أو نفي حرية الاختيار في الإسلام، وبين «ذمية» لغير المسلمين، وتهديد بأحكام «الردة» عبر توظيف الدستور أو القانون أو المؤسسات والأجهزة وكذلك التحريض على أرض غير متكافئة، بين القداسة الدينية والانحراف عن مبادئ وقواعد الشريعة أو فقهها المستخرج من مصالح سياسية ومقاربات مختلفة.
برغم هذا الإشكال لن يكون الخيار محكوماً بين الدفاع عن الأوضاع العربية السابقة وبين التغيير. اجتازت الشعوب العربية هذه المعادلة وهي الآن أمام تحديات تجذير مشروع التغيير وتطوير الأداء السياسي والديموقراطي والدفاع عن المكتسبات المدنية السابقة وتعزيزها.
لم ينجح الإسلاميون في مصر في أن يصادروا الثورة ولا المجلس العسكري في أن يضبط إيقاعها. هذا التعارض الذي يتخذ أشكالاً عنيفة وغالباً بسبب عدم صحة الأحجام السياسية لأطراف الصراع والمؤثرات الخارجية الفاعلة فيه يدل على صعوبة احتكار نتائج الثورة لصالح طرف من أطرافها. وعلى فرض حصول التناغم بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية برعاية الغرب الذي يتولى الرهان على هاتين القوتين معاً، فليس في مقدور مثل هذا التحالف أو تقاطع المصالح أن يلغي قائمة مطالب الشعوب العربية المتعددة والمتشعبة في كل مكان والتي تضغط باتجاه المطالبة في جلاء خيارات اجتماعية وضمانة الحرية والبحث في الترجمات الفعلية للسياسة الخارجية والعلاقات الإقليمية والدولية. ولا يملك الإسلام السياسي تعليق هذه الحاجات إلى أمد طويل.
تفترض الانتخابات كوسيلة أساسية للنظام الديموقراطي أن الشعب يختار ممثليه بحرية وفي ظل قواعد ضامنة للمساواة وتكافؤ الفرص، وتفترض أنها تؤدي إلى تداول سلمي للسلطة.
تعكس الانتخابات العربية حداً لا جدال فيه من تمثيل المشاركين في العملية السياسية علماً أنهم لا يحظون بتكافؤ الفرصة أمام الكثير من الشروط والقيود ولا يتمتعون بالحرية الكافية في الاختيار ومعظم الذين يتصدرون نتائج الفوز يملكون سلطة سياسية أو أمنية أو مالية أو إعلامية، والأكثر خطورة من ذلك مصادرة الشعور الجماعي للمواطنين باسم الدين والثقافة الدينية.
هذا التمرين الديموقراطي على علاّته وتشوّهاته هو حاجة وضرورة بعد زمن طويل من غياب المشاركة السياسية بجميع أشكالها. لكن من الخطأ الواضح الاعتقاد أن الديموقراطية تشق طريقه المفتوح إلى العالم العربي بعد عقود من الاستبداد.
تفترض الديموقراطية وجود الدولة المحايدة، والحقوق السياسية المتساوية بين المواطنين، والثقافة الديموقراطية وضمانات قانونية واسعة واستبعاد كل ما يعيق مسبقاً حرية الاختيار. هذه الشروط لا يتوافر منها شيء في هذا المشهد الانتخابي ولا في أي بلد عربي.
انتخب التونسيون بدافع قوي لصالح الإسلاميين على أنهم المعارضة التاريخية التي ستعيد تونس إلى هويتها ضد سياسة التغريب والفساد لا ضد نمط الدولة والقوى الاجتماعية المسيطرة فيها والخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها. وفي مصر انتخب الجمهور كذلك للأسباب نفسها زائداً إليها الفئة التي تستطيع أن تختار وجهة أخرى لمصر بحكم فاعليتها وتنظيمها وشرعيتها الشعبية الممتدة في النسيج المصري في المجتمع والدولة. لكنهم انتخبوا وفق قانون في مصلحة هذه القوى فجعل من مقاعد المستقلين تابعة لهذه الأحزاب وهو موضوع طعن دستوري قد يطيح النتائج إذا قرّر المجلس العسكري في لحظة أن يفرج عن هذا العطب الانتخابي. ولم يغب المال عن المنافسة الانتخابية الذي تقاطر دعماً للقوى الإسلامية واحتواءً لمشروعها في آن.
أما المسرح السوري فما زالت تعوزه عناصر أساسية ليحظى بشيء من المصداقية لأنه أعد سلفاً من سلطة النظام قانوناً وشروطاً، ولا حد أدنى من الحياد السلطوي ولا تتوافر عناصر الاستقرار ولا الحرية للانتخاب فضلاً عن الطابع الأساسي للخيارات بين انحياز إلى وقف الحرب وبين الفوضى المتسارعة. وإذا كان الإرث اللبناني مشهوداً في دورية الانتخاب فقد استورد تقاليد جديدة لإفراغه من مضمونه الديموقراطي. أنتجت الحرب ظروفاً عامة ومعطيات سياسية طائفية وأمنية تجعل من الممارسة الديموقراطية مظهراً خادعاً لإعادة تجديد السلطة لزعماء العصبيات الذين استقطعوا مناطق نفوذ يصعب اختراقها.
في الدوائر الانتخابية سيطرة كاسحة لقوى الأمر الواقع أو لتحالفات سياسية وطائفية لاغية لفئات طائفية أخرى أو لتعددية سياسية داخل الطائفة الواحدة. كان الإجماع قائماً بين المنظومة السياسية على احترام هذه المعادلة وهذا التوازن لولا الطارئ المستجد الذي يلح من البيئة الإقليمية على تكوين أرجحية سياسية طائفية مطلوبة من أجل انضمام لبنان إلى حصيلة هنا أو هناك من التنافس الدولي.
تنظر القوى السياسية إلى قانون الانتخاب من هذه الزاوية فتقطع سبل الحوار عن احتمالات إصلاح النظام السياسي كما تقفل باب البحث عن الوسائل الضرورية لامتصاص حال التشنج الطائفي. ولا ندري كيف يمكن إيجاد مخرج لشعور بعض الفئات بالغبن حالياً أو في أي صيغة أخرى.
ما سبق لا يختصر المشكلة العربية في هذه المرحلة الانتقالية من اختبار التحول الديموقراطي. فلا يتحدث الجمهور العربي في أي مكان لغة واحدة في هوية الدولة، ولا يمارس فهماً مشتركاً للديموقراطية ما إذا كانت وسيلة مؤقتة أم التزاماً بإطار ثابت للاجتماع السياسي.
فالإسلاميون في كل مكان يريدون سلطة الدولة أداة لتحقيق الانضباط الكامل للمجتمع في نمط عيش وطريقة سلوك لا بوصفها تجسيداً للصالح العام والمشترك الأساسي الذي يحمي الأمن والحقوق والحريات ويسمح بالمنافسة السياسية المفتوحة والثقافة المتعددة القابلة بالآخر وبحق الاختلاف في التفكير والضمير والتعبير والممارسة.
ما يقدمه الإسلاميون حتى الآن للآخرين من المسلمين وغير المسلمين هو «العهد» بالاحترام والأمان فقط. لكن هذا «العهد» يراوح بين تكفير أو نفي حرية الاختيار في الإسلام، وبين «ذمية» لغير المسلمين، وتهديد بأحكام «الردة» عبر توظيف الدستور أو القانون أو المؤسسات والأجهزة وكذلك التحريض على أرض غير متكافئة، بين القداسة الدينية والانحراف عن مبادئ وقواعد الشريعة أو فقهها المستخرج من مصالح سياسية ومقاربات مختلفة.
برغم هذا الإشكال لن يكون الخيار محكوماً بين الدفاع عن الأوضاع العربية السابقة وبين التغيير. اجتازت الشعوب العربية هذه المعادلة وهي الآن أمام تحديات تجذير مشروع التغيير وتطوير الأداء السياسي والديموقراطي والدفاع عن المكتسبات المدنية السابقة وتعزيزها.
لم ينجح الإسلاميون في مصر في أن يصادروا الثورة ولا المجلس العسكري في أن يضبط إيقاعها. هذا التعارض الذي يتخذ أشكالاً عنيفة وغالباً بسبب عدم صحة الأحجام السياسية لأطراف الصراع والمؤثرات الخارجية الفاعلة فيه يدل على صعوبة احتكار نتائج الثورة لصالح طرف من أطرافها. وعلى فرض حصول التناغم بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية برعاية الغرب الذي يتولى الرهان على هاتين القوتين معاً، فليس في مقدور مثل هذا التحالف أو تقاطع المصالح أن يلغي قائمة مطالب الشعوب العربية المتعددة والمتشعبة في كل مكان والتي تضغط باتجاه المطالبة في جلاء خيارات اجتماعية وضمانة الحرية والبحث في الترجمات الفعلية للسياسة الخارجية والعلاقات الإقليمية والدولية. ولا يملك الإسلام السياسي تعليق هذه الحاجات إلى أمد طويل.