الاختلاف في الديموقراطية ..ضعف أم قوة !

هناك من يتهم المعارضةالسورية  بالانشقاق  و البعض فرح لهذا  الانشقاق المفترض , والبعض الآخر  حزين  لكون معارضته منقسمة منشقة  ,ولا أظن على أن للفرح والحزن أسباب موضوعية. ففرح السلطة ومؤيديها  لكون المعارضة مقسمة  ومنشقة  هو فرح يدل على  عدم النضج الديموقراطي في رؤوس  الفئة  السلطوية ,.فالمعارضة  تمثل  الآن جبهة واحدة وغير موحدة في وجه السلطة   الواحدة الموحدة   ولما كانت  المعارضة  مبدئيا حركة  ضد الديكتاتورية ,لذا لايمكن لها  اذابة أطيافها  في محلول المعارضة الواحد والموحد ,ذلك لأن الاذابة  تتضمن الالغاء والاقصاء ,ولا يمكن لمعارض الديكتاتورية  ان يمارس الالغاء والاقصاء  ,لابل عليه  الاعتراف بالجميع والتعامل مع الجميع من أجل  التقدم في البلاد من أجل الجميع ,كما ان  المعارض  “لثقافة”القائد ,الذي هو قلب وقالب الديكتاتورية ,لايستطيع الهرولة  مجددا خلف قائد  الى الأبد , وهذه الخاصة هي التي تفسر رفض الربيع العربي تلقائيا  وغريزيا  لفكرة اقتناء   “القائد”والقيادة , حيث  اتخم  القادة  العرب والقيادات العربية   البراقة   والمخاتلة والفاسدة الشعوب العربية بمادة الكذب والدجل وخربت حاضر ومستقبل الكثير من الشعوب العربية ,بل بالاحرى كافة الشعوب العربية, لذا  يمكن تفهم حركات الربيع  في ممارستها لميول الابتعاد عن  الشخصية  القيادية الواحدة  كنموزج عبد الناصر !.

لكي تكون المعارضة  صادقة  حقا في  طبيعتها الديموقراطية  ,عليها أن تبرهن عن ذلك   منذ البدء  ,دون مواربة او مخاتلة , عليها البرهنة عن   غريزتها  ,وليس  فقط عن  نزعتها  أو ميولها الديموقراطية ,وهذا البرهان يأتي عن طريق  التعرف  على معالم بنيتها ,فهل هي واحدة موحدة ؟واذا كانت كذلك  فهي ديكتاتورية وصورة طبق الأصل  عن  السلطة الموحدة الواحدة  تحت بيرق القائد, ولا يمكن ان يكون هذا التوحيد  تحت بيرق القائد  الا نتيجة لممارسة القسر  ,التي لاتستطيع الديكتاتورية التخلي عنه ا ,واذا  كانت هناك سمة أو صفة بارزة  للديكتاتورية ,فهي صفة وسمة  القسر  الموحد لكامل أطياف السلطة تحت راية القائد ,ولو كان ذلك تعبيرا عن القوة ,لأصبحت الديكتاتوريات قدرا  وحتمية تاريخية ,الا أن هذا التوحيد  أو الوحدة ليس قوة ,وانما ضعف  عميق ,ومن هنا  تأتي حتمية زوال الديكتاتوريات . وبقاء الديموقراطيات  ,التي تتجدد  ديناميكيا , هو أكثر حتمية من بقاء الديكتاتوريات  ,لأن هذا البقاء مقرون ببقاء الشعب كمجتمع ,  الذي  لايمكن له أن يصبح كذلك  الا في  الاتفاق  على  وجود  اختلافات  بين   مكوناته البشرية .

 عندما ننطلق  في الديموقراطية من “طبيعية” الاختلافات ,يصبح حدوث الخلافات كالتي يعاني منها الشعب السوري الآن أمرا صعبا ,بينما  يمثل حدوثها في الديكتاتوريات أمرا  حتميا ,وهذه هي الصورة التي يقدمها الشعب السوري الآن  عن نفسه , خلافات  مبدئية عميقة  ترتكز  على “ثوابت”طائفية  شبه مقدسة   لاحوار  ولا جدل حولها , وعليها تسيطر نفسية  اما قاتل أو مقتول , وهذا  هو بمثابة حكم الاعدام على الوطن ..استنزافا حتى الموت !

قوة  المعارضة “ديموقراطيا” تتمثل  بكونها تجمع العديد من التيارات    ولا تلغي أحد .واذا  كانت الحياة مع الاختلافات  هي الحياة الطبيعية الوحيدة ,فان  هذا لايلغي الحاجة  الى استراتيجية الحد الأدنى من الأهداف  ,وهذا الحد الأدنى موجود فعلا  بين أطياف المعارضة  السورية ,انه استراتيجية  اسقاط النظام أو السلطة بشكل ما , وشرعية كل وسيلة لاسقاط النظام  تأتي من عدم شرعية السلطة , ولا يمكن لعملية اسقاط النظام ان ترفض مبدئيا  أي وسيلة ,  وكل وسيلة يجب ان تخضع  الى الامتحان والفحص  ومقارنة فاعليتها   بفاعلية غيرها. ثم تحليل  جانب الأضرار والفوائد من خلالها   , والأهم من كل ذلك هو عدم  رفض أي وسيلة رفضا نهائيا  ,وعدم تبني أي وسيلة تبنيا نهائيا ,  الوضع هو الذي يفرض شكل الوسيلة . والوسيلة  التي كانت صالحة يوم أمس  قد تفقد صلاحيتها هذا اليوم .

اذا اقتصرت استراتيجية المعارضة على  التوصل الى هدف اسقاط السلطة   ,فستكون فاعليتها  كفاعلية انقلاب عسكري ,وهذا  قليل جدا ,ولايمكن أن تتمثل به احلام  وامنيات الانسان السوري ,فالأهم من اسقاط النظام  هو التأسيس الديموقراطي ,ويجب على  الجهود  التي تبذل من أجل اسقاط النظام وتدميره ,ان لاتدمر  مشروع  البناء الديموقراطي ,فالنظام سقط أو ساقط لامحالة ,بينما  البناء الديموقراطي ينتظر   تطبيقا له على الارض بعد سقوط النظام  التام ,وهذا العمل سوف لن يكون سهلا وميسرا ,خاصة وانه  ليس من المنتظر من  السلطة العائلية  أن تستسلم يوما ما نهائيا ,واذا ارادت  فسوف تحاول الحاشية منعها عن ذلك ,واذا استسلمت الحاشية  فسوف تحاول حاشية الحاشية  منعها عن ذلك ,فبنية السلطة معقدة أكثر مما يتوقع الكثيرون .

الديموقراطية تتبنى الاختلاف   كقاعدة انطلاق  وذلك لتقليل امكانية حدوث الخلاف , الا أن الاختلاف  الذي  يتكلس  ويتحجر  حول ذاته   ويثبت مواقع المكونات المختلفة من المجتمع  على نقاط  ثابتة لاتتغير , أو مايسمى “الثوابت” , يتحول الى اشكالية عملاقة  وغير قابلة للحل, وذلك لأن الديموقراطية  قد تحتضن  الى جانب الصالح  الطالح أيضا , الديموقرطية تحتضن الأحزاب السياسية, التي تعبر عن طبيعة المجتمع المتباينة , الا أنه تجد بالغ الصعوبة في رفض اختضان  احزاب دينية  ترتدي جلابية مدنية , وهلاكية هذه التيارات  لاتكمن قطعا في تدينها , وانما في ثوابتها , التي تلغي الديناميكية , والديموقراطية لا تعيش  دون ديناميكية , وكلما تقدمت الديموقراطية تزداد  أهمية الديناميكية , ودحر الديناميكية من قبل  فئات “الثوابت”  هو بمثابة مقتل  للديموقراطية , والمثل على ذلك لبنان, حيث انه من الصعب  تعريف هذا النظام  ..هل هو ديموقراطي أو تيوقراطي أو مدني أو ديني  ؟؟الخ  ومن يقول  انه في  بناء النظام اللبناني توجد حجارة من مقالع مختلفة  وعديدة لايخطئ, ويخطئ من يقول ان  النظام اللبناني  صالح للتطبيق  في مجتمعات مختلفة , انه لبناني , ويصلح  . حتى جزئيا . للبنان فقط 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *