من يحتاج الى حماية ؟الطائفة المسيحية أو السلطة

في خضم الأزمة السورية , ترتفع شعارات و تسقط أخرى , ومن الشعارات التي ارتفعت , وبدأت الآن بالسقوط , هو شعار حماية النظام للأقليات , وقد أصبحت الأقليات والأكثريات السياسية  في سياق التدهور الحضاري في الوطن, دينية , أي اننا عمليا في دولة دينية ,لايمين ولا يسار , لاشيوعي أو سوري قومي , حتى لاكردي أو عربي , وانما مسلم أو مسيحي , علوي أو سني , وهكذا تدنت بفعل السلطة , عن قصد أو عن غباء ,المعايير التي تعرف الفئات الاجتماعية المتعددة , السلطة حولت المجتمع السياسي , الذي فشلت  في تداوله , الى جماعات فئوية مذهبية  طائفية , تأمل بالنجاح في تداولها  ,  ومشروع عدم الفساد  وصلاحية الحكم , حولته الى مشروع التهديد بالحروب الأهلية  الطائفية  لابل التورط عمليا في هذه الحروب..اما الأسد أو تفجير البلد !! حروب اصبحت ساخنة جدا , بعد سنين من  ممارسة الحرب الأهلية الباردة  نسبيا .
ليس من المجدي التحدث بصوت خافت عن الاشكالية التي الغت الوطن وحولته الى ملك خاص أو مزرعة , أو في أحسن الحالات موطن . , وانما يجب تسمية الاشياء بأسمائها الواقعية العملية , اذ يقصد بكلمة أقليات في الوقت الراهن كل ماهو غير سني من الطوائف , وهذا يشمل المسيحيين والعلوييين وغيرهم من الاسماعيليين واليزيديين  وحتى الأكراد ..الخ , مع العلم بأن  الأكراد هم الفئة الوحيدة التي حافظت على طابعها القومي , ولم تنزلق في غياهب الفرز الطائفي بين سني ومسيحي وعلوي ..الخ .
من الطوائف , التي عانت من الاضطهاد في القرون الأربعة أو الخمسة الأخيرة , هي الطائفة العلوية , وليس  موضوعنا الآن  التحدث بشكل مفصل عن هذه الواقعة , انما يجب القول على أن هناك من ساذج يعتقد , على أن الأربعين سنة الماضية كانت للمعاوضة عن الظلم الذي لحق بالطائفة خلال 400 سنة , أي ان الفترة الأخيرة تميزت بالمبالغة في انصاف الطائفة العلوية , وهذا مخالف لكل نظرة عميقة وواعية للوضع , لقد اسيئ للطائفة العلوية في القرون الماضية , وأعظم الاساءات كانت في السنين الأربعين الأخيرة , حيث زجت السلطة , التي تمثل بحد ذاتها طائفة مغلقةعلى ذاتها , بالطائفة العلوية في أتون عداء وكره وتنافر مع الطوائف الأخرى وخاصة الطائفة السنية , ولا يمكن لبعض المنافع المادية التي حظيت بها قلة قليلة من الطائفة أن تموه عن هذه الحقيقة , الطائفة تشعر ككل انها مهددة , والطائفة الأخرى تشعر ككل على أنها مهددة  أكثر .والمشاعر المتبادلة تتمثل   بمقولة  اما قاتل أو مقتول , وهذا هو الأساس النفسي الذي يؤهل الجماعات الى الشروع بالحروب الأهلية الطائفية , وذلك على الرغم من أن الحرب الأهلية  ليست من مصلحة أي طائفة , وبالأخص الطائفة العلوية .
الطائفة الأخرى التي تدعي السلطة حمايتها  , هي الطائفة المسيحية , التي تقلصت من حوالي 20% من مجموع السكان الى حوالي 6% في وقتنا الحاضر , ومعظم هذا التقلص حدث في السنين الأربعين الأخيرة , ولا يمكن أن يكون التقلص نتيجة للحماية المفرطة  من قبل السلطة , وانما نتيجة للحرب التي تشنها السلطة على كل طائفة الا طائفتها , هنا أقول مرة أخرى على ان طائفة السلطة ليست الطائفة العلوية , وانما للسلطة طائفتها الخاصة  المغلقة على ذاتها  والمتمحورة  حول عائلة الأسد .
قد يكون تعبير “الحرب ” التي تشنها السلطةعلى الطائفة المسيحية مبالغ به  , الا أن شن الحروب لايتم دائما  بالدبابات ,وانما  بوسائل أخرى, منها  انعدام المساواة بين افراد الشعب بفعل السلطة , التي هي “حرب” ضد فئات الشعب , انعدام الحرية وانعدام المساواة وانعدام الديموقراطية دفع الكثير من أفراد الطائفة المسيحية للنزوح واختيار أوطان أخرى , معظم افراد الطائفة وجد في أوروبا وأمريكا وطنا آخر .
يجب هنا التأكيد, على أن الطائفة المسيحية هي من أضعف الطوائف تراصا دينيا , فأفراد الطائفة مبعثرين بين القوى السياسية , بين الشيوعي والبعثي والناصري ..الخ , والتطورات في العقود الأخيرة  زادت من تحول  هذا التبعثر الصحي , الى مرض التمركز حول رجال الدين , وبالتالسي تطورت الطائفة بشكل معيب وهدام , وهذا ماسوف يلحق بها اضرارار اضافية , كالتي لحقت بمسيحيي العراق .
لا اريد هنا التحدث بشكل مفصل عن علاقة “الميسحية “بالدولة , هذه العلاقة لم تكن موجودة , وذلك لعدم وجود فئة معينة هي الفئة” المسيحية “, لقد وجد أفراد مسيحيين , وبصفتهم السياسية , ساهموا كأي مواطن آخر في صنع الدولة ومنهم من تسلم مناصب اعتبارية عالية , فقد كان من الممكن أن يصبح مسيحي رئيسا للجمهورية , ولو ليوم واحد (سعيد اسحاق) , وقد كان من الممكن لمسيحي آخر  أن يصبح عدة مرات رئيسا للبرلمان أو رئيسا لمجلس الوزراء(فارس الخوري ) , وقد كان من الممكن أن يصبح مسحيي هو ميشيل عفلق مؤسسا للبعث وقائدا شعبيا,تطورات من هذا القبيل غير ممكنة في الوقت الحاضر , وذلك بالرغم  من  فرضية حماية السلطة  للطائفة, حيث تغير طيف الممارسات  التي يمكن لمسيحي أن يقوم بها , في ظل هذه الحماية  وضعت السلطة المادة الثالثة في الدستور , حيث لايمكن لمسيحي مهما كان  ومن كان أن يصبح رئيسا للجمهورية , كما أنه  في سياق فرضية  الحماية  ,  افرغت السلطة  كل مركز مهم  من المسيحي , ووضعت  من يناسبها مذهبيا , وحتى في المدن ذات الأكثرية المسيحية  لايوجد  حتى مدير مدرسة مسيحي , ناهيكم عن مدير التموين ومدير الصحة ومدير المالية..الخ , وخاصة في مجال الجمارك , التي أصبحت مذهبيتها واضحة , وفي التعليم العالي من النادر وجود مسيحي  في رئاسة الجامعة  أو في عمادة الكليات , وذلك بعد أن كان الوضع  في الخمسينات  مغاير للوضع الحالي , وحتى بدون وجود تلك الحماية الافتراضية .

من أسباب تناقص  الكتلة التي تؤمن بادعاء حماية السلطة للطائفة المسيحية  , هو تناقص الثقة بشكل عام بهذه السلطة , اذ أن الثقة تتشكل من خلال خبرات  , والخبرات مع السلطة بما يخص الاصلاح أو الحريات أو العدالة الاجتماعية أو غير ذلك شديدة السلبية  , كما انه من الصعب على مثقف  أن يصطف في صفوف السلطة , حيث تنفتح النار عليه من كل حد وصوب , وحيث عليه الدفاع عن  وضع  من الصعب  الدفاع عنه , الا بما لايستطيع هذا المثقف ممارسته ..شتائم وتخوين ..تكفير ..تبخير  ثم كل ماتستطيع تقديمه لغة لاروح بها  ,  ومن خشب  وشعارات زائفة صنعت .

بشكل عام عجز النظام عن افناع حتى اتباعه  بمقدرته  على قيادة البلاد  , والنظام اعترف أكثر من مرة  بأخطائه  , والاعتراف بالخطيئة في المجال الشخصي  فضيلة , اما في المجال العام , فان الاعتراف بالخطيئة , هو  ترجمة  واعلان لخطوة أخرى , هي  الرحيل , أي انه على النظام  أن يساعد على وضع القيادة بأيدي أخرى , أيدي  , لربما تستطيع   ان تمارس القيادة بشكل أفضل ,  وهنا يقول النظام , ان مايمكن أن يأتي سيكون أسوء , أين ان قدر سوريا  هو السيئ أو الأسوء ,أما  الأفضل  فهذا لاتراه السلطة ولا تؤمن به , والسلطة تقول ان أفضليتها تكمن في أمور عدة , منها حماية الأقليات ,  وهذا الادعاء على العين والرأس , الا أن  المقدرة على حماية الأقليات  هو مجرد ادعاء , وثانيا ,   لم نجد في نصف القرن الماضي  أي معالم مؤكدة عن حماية الأقليات , ثم ان حماية الأقليات ليست   مجمل  مهمات السلطة ,  التي عليها حماية الشعب بأكمله , أقليات وأكثريات  , ثم ان المعايير المستخدمة في تعريف الأقلية والأكثرية  ليست حضارية اطلاقا ,  فللأقليات الدينية وجود فقط في الدولة الدينية , اما في الدولة المدنية العلمانية  فلا توجد  “سياسيا  “أقلية “دينية” , وانما  توجد أقلية سياسية ,  وهذه الأقلية السياسية ليست ولادية ,  ذلك لأنه بمقدور الفرد  ان يصبح في  أي  وقت كان من الأكثرية   السياسية , التي  تخضع لقوانين الديناميكية ,  حيث لاتوجد أقلية ثابتة  الى الأبد , كما هو حال الانتماء الديني الطائفي .

فضيلة حماية الاقليات الدينية   , يتضمن رزيلة الاعتراف  بوجود مجتمع طائفي , ولم يكن هناك وجود لهذا  الشكل من المجتمع الطائفي قبل نصف قرن , أي ان  المجتمع السوري تدنى في درجته  الحضارية الى مستوى ماقبل الدولة  والى مستنقع الطائفية  الغير معلنة رسميا,  انها طائفية الوعي , التي تركها النظام  تنخر في المجتمع دون   منظم لها , أي دون الوعي الطائفي , كما هو حال لبنان  , حيث توجد طائفية الوعي ,  التي ينظمها  الوعي الطائفي ,  اننا في مجتمع الطائفية المنفلتة  من كل قانون أو عرف منظم ,  , ما ينظم حياتنا بشكل عام  الآن هي ثقافة القتل  كبديل عن  ثقافة العقل .

لقد دأب النظام طوال السنين الأخيرة على تغذية الاعتقاد  بأنه حامي  الأقليات في سورية  وبزواله  ستلجأ الأكثرية السنية الى تصفية حسابها من هذه الأقليات ,  ولماذا تصفية الحساب ؟؟,  هل أخطأ فلان بحق فلان ؟؟ حتى يلجأ الآخر الى تصفية الحساب ,والتاريخ السوري الحديث لايبرهن عن مصداقية هذه الفرضية , التي  ولدت لتخدم  بقاء السلطة , وليس بقاء المسيحيين .

بغض النظر عن  تقلص الوجود المسيحي في سوريا , فقد أوقع النظام هذه الطائفة  في مهلكة كبيرة  , وذلك دون مقابل , ذلك لأن حصة الطائفة من مغانم الفساد معدومة , مغانم الفساد  ظلت محصورة  في الدائرة العائلية الضيقة , ونظرا لانعدام  تساوي الفرص   وعدم التقيد بقاعدة الشخص  المناسب للمركز المناسب ,فقد زج  النظام المسيحيين في مراكز ثانوية ,استاذ في الجامعة ممكن لطالما  لايوجدآخر من مذهبية الرئيس  , اما عميد للجامعة أو رئيس للجامعة فهذا محصور    بالنطاق الضيق حول الرئيس, والمراكز التي تدر مايسمى “البراني” بقيت من اختصاص هذا الاطار الضيق  , أما المسيحيين  فقد  فاقت  معاناتهم  على  عنائمهم  (غنائم صفر) , ومن تحالف مع النظام   منطلقا من فرضية  حماية النظام له   وتزويده بالامتيازات , عاد بخفي حنين , لاحماية   بل توظيف في خدمة السلطة العائلية  بدون مقابل ,  والنتيجة نعرفها من العراق , حيث التف  معظم المسيحيون حول صدام , صدام ذهب  وذهب المسيحيون معه . .والتاريخ يعيد نفسه  في سوريا .

هاهم  المسيحيون يخسرون  احترام  الآخرين لهم , هاهم يخسرون دورهم  الممدن  للوجه السياسي للبلاد , هاهم يتقوقعون طائفيا , هاهم يتقلصون  الى ثلث نسبتهم ( من 20% الى 7% ) , ليس فقط بسبب  ضعف التكاثر مقارنة بالفئات الأخرى , وانما بسبب الهجرة , التي أوصلت أكثر من نصفهم الى أوروبا وأمريكا ,  وكل ذلك لم يؤثر على مسلكية معظم رجال دينهم , الذين يتصرفون وكأنهم  امناء فروع أو شعب بعثية .

لقد اختار بعض رجال الدين المسيحي طريقا وعرا جدا , حيث تنازل البعض عن رسالته الدينية   وعن احترام المبدأ المسيحي , الذي يفرض فصل الدين عن الدولة والسياسة ,  وترجلوا الى الساحات  لممارسة التلفيق , وقرأة البيانات التي كتبتها المخابرات لهم ,  من  يقف ويبخر الرئيس علنا , يقول سرا , على انه أجبر على القيام بالتبخير , وحتى  الانصياع للاجبار  هو  عذر أقبح من ذنب ,  الاجبار لم يكن حقيقة  ومبدئيا فعل مخابراتي ,فالانصياع سببه اولا داخلي, يتمثل  في الميول الى التملق  ,سببه أيضا  ضعف  الطاقة  الديموقراطية عند هؤلاء الرجال  وقوة عامل اللامبلات  عندهم ,  لطالما تؤمن السلطة لهؤلاءالصولجان الذهبي في اليد , والتاج على الرأس  , فهي سلطة جيدة  والبطرك اللحام سيفدي بنفسه من أجل  رأسها , والى هذا المستوى  وصل بعض رجال الدين المسيحي  ..الى مستوى الاستزلام والتملق   والمخاتلة والنفاق , أصلا من غير المسموح لهم ان يتدخلوا في السياسة ,  واذا ارادوا كأشخاص أن يتدخلوا فهذا حقهم الشخصي , الا أن البطريرك هو شخصية اعتبارية , وليس له التكلم بصفته الشخصية , من يتكلم بالصفة الشخصية هو كاهن صغير  وليس رأس  الكنسية الكاتوليكية في سوريا والمشرق .
يوجد الكثير من الشك  في ادعاء حماية الأقليات الدينية , وحراميها لايمكن أن يكون حاميها , والسؤال الأخير ,ما العمل ؟

لطالما  بقيت السلطة قائمة , سيبقى الفرز الطائفي , وستتطور أحوال البلاد سلبيا , ولا يمكن للطائفة المسيحية   في هذا الجو الا أن تقع في المستنقع , وما ينقذ الطائفة المسيحية  , ينقذ غيرها أيضا , وما هو ضروري لها , ضروري لغيرها أيضا , ولا انقاذ للوطن بشكل عام الا   بتغيير جذري  في طرق التداول السياسي  واعادة تعريف  الجماعات السياسية  , ونزع الصبغة الطائفية الدينية عنها , وهذا لايمكن له أن يتم  الا بسقوط مدوي للنظام  وبتغيير أكثر من جذري في  طريقة تداول السلطة ,  ومن المستحيل  ان تستطيع السلطة الحالية الانقلاب على نفسها بالشكل الكافي ,لذا يجب  ان تسقط  طوعا أو قسرا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *