من ارتمى في حضن الملالي , يريد رمي الثورة في حضن الوهابية

وان  شاب العلاقات  السورية -السعودية   بعض  الارتجاج  والتأزم هذه  الأيام , تبقى هذه العلاقات مبدئيا  جيدة ,  وذلك لأن الرجعية والطائفية والعنصرية والديكتاتورية  تنهل من نفس المنبع , وعلاقة السعودية بسوريا قديمة جدا  , والتدخل أو التداخل بين  نظامي الدولتين   قديم قدم الدولتين , السعودية كانت وراء انقلاب الشيشكلي , وكان لها دور كبير في الانفصال عام  1961 , والاختلاف الكبير  , والذي كان له شيئا من المبدئية   حصل أيام الدكتور الأتاسي  وزعين  , حيث كان للبعث رسالة  “مبدئية”  و”عقائدية ” , وحيث حاول البعث  أن يكون تقدميا  وثوريا  ومناهضا للرجعية , ولم يكن للنفعية  أي تأثير على رفض  قيادة البعث آنذاك للرجعية السعودية .

العلاقة عادت الى عصرها الذهبي  مع وصول المرحوم حافظ الأسد الى الحكم , وقد انقذت السعودية  نظام الأسد عدة مرات اقتصاديا , عن طريق دعم الليرة السورية  وعن طريق  تقديم العملة الصعبة لنظام حافظ الأسد , خاصة بعد عام 1985 , وقد كان الرئيس السوري  متفهما جدا  للسعودية , والعكس صحيح , والتنسيق مع السعودية  كان في لبنان  , خاصة في مؤتمر الطائف , وقد كانت هناك تنسيقات  أمنية  أيام المرحوم غازي كنعان ,  وتنسيقات  اقتصادية  تحت اشراف الحريري  والوليد بن طلال  وذلك أيام   التوافق السعودي السوري .

كل هذا التناغم   زال بعد مقتل صهر السعودية  رفيق الحريري  وخاصة بعد ارتماء النظام السوري بدون قيد أو شرط في احضان نظام الملالي الشيعي , الذي يناقض النظام الوهابي , وبلغ التناقض ذروته قبل الانسحاب السوري من لبنان , فقرار الانسحاب  اتخذته السعودية عمليا , وكانت السلطة السورية مرغمة على تنفيذه بدون الكثير من الأخذ والرد, ورغما عن أنفها .

عمليا لايوجد تناقض كبير في ممارسة الرجعية  والعنصرية والطائفية  بين النظامين السوري والسعودي  , كلاهما ينهل من نفس المنبع ..ديكتاتورية مطلقة , وطائفية مطلقة , ولا يمكن القول  على أن الوهابية تفترق كثيرا  عن نظام الملالي  الذي يحتضن السلطة السورية , كما هو حال الفرق بين الجدري والكوليرا , لافرق بين الاخوان السنة وبين الاخوان الشيعة  , الفرق هو فقط في اللون وفي بعض التفاصيل .

تاييد السعودية للثورة السورية , له اسباب عديدة ,  وناتج بشكل اساسي من عداء السعودية للسلطة السورية ,  وهذا العداء  ثأري  وله علاقة بمقتل الحريري , كما انه لايمكن تجاهل التناقض بين النظام الوهابي السعودي  ونظام الملالي الايراني , الذي يحتضن النظام السوري  , وليس لهذا التناقض  أسس مبدئية , فهو تناقض بين رجعيتين  , وليس بين رجعية وتقدمية , ليس بين علمانية  وغيبية , وليس بين اشتراكية  ورأس مالية , وليس بين وطنية وخيانة , كلاهما خائن لشعبه  وكلاهما  ديكتاتوري  بشكل كاف , حتى مع الاعتراف بأن النظام الايراني  جمهوري  واللآخر ملكي , ومع الاعتراف  بوجود بعض الممارسات  الديموقراطية شكليا في ايران , ففي ايران  يوجد شيئ من الانتخابات  , وتوجد معارضة  , حيث يقوم نظام الملالي  بسجنها مثلا , اما النظام السعودي والسوري  فيقوم  بقتلها ..انه اختلاف بالكم  وليس بالكيفية , كلاهما متسلط وكلاهما رجعي .

السعودية تدعم  الثورة السورية , ليس  لأن السعودية  تريد ديموقراطية وحرية , وانما لأن السعودية  تريد دعم كل حركة  تتناقض مع الأسد , تتحالف مع الشيطان من أجل ازعاج الأسد , وليست الثورة السورية  على المدى المتوسط والبعيد  الا “شيطان “بالنسبة للسعودية , فالربيع العربي  الذي هز  عدة دول عربية  وأرسل العديد من الزعماء العرب الى القبر  او المنفى  أو المستشفى , سيمتد  ليشمل  المملكات  بعد الجمهوريات , وبوادر هذا التمدد  موجودة حتى في هذه الأيام .

لاشك على أن اطياف الثورة السورية متعددة , ولا شك بوجود طيف  طائفي  , وحتى وهابي , الا  ان  النقيض الرئيسي  للسلطة السورية  ليس الطيف  المذهبي  المعارض , وانما الحركة المدنية   التي بها تتمثل المعارضة   المستمرة منذ عشرات السنين , التي بدورها تتمثل في العديد من الشخصيات   من أمثال ميشيل كيلو وحسن عبد العظيم ولؤي حسن وبرهان غليون  ورياض الترك والبني   وفايز سارة  وجورج صبرة   وغيرهم ,  ولا شك بوجود  تيار محافظ  واخونجي في المجلس الوطني , فمن يريد ديموقراطية  عليه أن يكون ديموقراطي , ولا يمكن حذف  الاخوان من الوجود السياسي السوري ,  ومن يدعي  معارضتهم  قام من حيث يدري أو لايدري بمساعدتهم , ونموهم  المتسارع في  نصف القرن الماضي  حدث بمساعدة السلطة السورية , التي ظنت على أنه من الممكن القضاء عليهم فيزيائيا  بالقتل التنكيل والسجن ,  ومسلكية السلطة السورية المرفوضة مبئيا  بسبب قمعيتها وديكتاتوريتها , قادت الى  أن يصبح الاخوان  في سوريا قوة لايستهان بها  , وذلك بعد ان كانوا  في الخمسينات والستينات   قوة هامشية .

السعودية تدعم كل نقيض  لأعدائها المذهبيين  , والسلطة السورية  المرتمية في الحضن الشيعي  هي عدو مذهبي للوهابية السعودية , والسعودية تناصر  بشكل خاص التيار الطائفي الديني  في الثورة , ولا تناصر مبدئيا ميشيل كيلو أو حسن عبد العظيم أو رياض الترك أو عارف دليلة أو برهان غليون  أو جورج صبرا  او فايز سارة  وغيرهم ,  وستكون السعودية  من ألد اعداء النظام السوري , الذي سيخلف الأسد ,، لأن هذا النظام سوف لن يكون مذهبي وسوف  يكون ديموقراطي  وحر  , وبين هذا النظام المرتقب  وبين السعودية  سيوجد تناقض أساسي  , وهذا التناقض الأساسي   المبدئي   غير موجود بين السلطة الديكتاتورية الطائفية العنصرية  الحالية وبين شبيههاالسعودي .

التيارات المدنية السورية تعرف تماما , على أن مناصرة السعودية لها , انما مناصرة  مرحلية , ولا يمكن الاعتماد على السعودية في نشر الحرية والديموقراطية , انما أيضا  لايمكن  رفض أي مساعدة  من أي  جهة كانت , السياسة لاتعرف  الحب والكره , انما تعرف المصلحة , ومن مصلحة المعارضة السورية  تقبل كل مساعدة , كان مصدرها من كان , والسلطة السورية لاتترفع عن  تقبل أي مساعدة  , والمصدر الرئيسي  للمساعدات التي تنالها السلطة السورية ,ليست مصادر تقدمية , فلا الملالي تقدميين  , وبوتين ليس بالديموقراطي , وحزب الله ليس بالحزب العلماني , والحليف السايق   حماس ليست الا حركة اخونجية , والصين  ليست الا ديكتاتورية الحزب الواحد , وليس من المعروف عن كوريا الشمالية  تحررها وديموقراطيتها   وعدالتها , معظم هذه الأحلاف  هي أحلاف  نفعية , ماعدا الحلف السوري -الكوري الشمالي  , حيث يوجد بالواقع الكثير من التطابق  البنيوي بين الحليفين .

سقوط الأسد نهائيا  لايعني  نشوء سلطة وهابية في سوريا , ومن يفكر في هذا الاتجاه  , انما  يجهل أو يتجاهل الكثير من حقائق الواقع , مهما تطورت الظروف  , ومهما ساعد الخليج  والسعودية  , فبنية الشعب السوري  لاتسمح  بسلطة وهابية  ,  ومن يروج لهذا السيناريو , يمارس التخويف  , ليس من أجل انقاذ سوريا من  المذهبية والطائفية والغيبية , وانما من  اجل بقاء طائفيته ومذهبيته وغيبيته ورجعيته ,الأمر أصبح واضحا ومعروفا عند العديد من فئات الشعب السوري , الذي تزداد مناعته ضد التضليل والتخويف يوما بعد يوم .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *