هل تستعيد المعارضة السوريّة استقلاليّتها؟ وإلا «علاك بعلاك»!

هل تستعيد المعارضة السوريّة استقلاليّتها؟ وإلا «علاك بعلاك»!

( أما عن كيفية حصول ذلك، فأقلّه هو استعادة المعارضة هويتها الوطنية من خلال استقلالية عن خارج متآمر، واستعادة صلتها بالناس عن طريق خطاب يلامس حقائق الهوية الوطنية لسوريا، وليس فقط هوية الحكم فيها. وكل ما هو خلاف ذلك، يبقى، على ما يقول السوريون، «علاك بعلاك»!).

 العنوان الأصلي للمقال: “هل تستعيد المعارضة السوريّة استقلاليّتها؟”

العاطفة التي تسيطر على عقول غالبية الباحثين في الشأن السوري لا تمنعهم من استخدام العقل قليلاً. ليس في الأمر ما يسيء إلى عواطفهم أو إنسانيتهم عندما يتحدثون عمّا يجري في سوريا. لكنّ العقل مطلوب كثيراً عند من يتصرفون على أساس أن بأيديهم حراك الشارع، أو من يعتقدون بأنهم يسيطرون على قرارات العمل اليومي لقوى المعارضة، أو عند الحكومات والجهات التي تملك وسائل تأثير كبير على الشارع، من إعلام وسلاح ودبلوماسية وأمن ومال.

الحاجة إلى العقل سببها الحاجة إلى تقديم صورة واقعية للمشهد السوري. والواقعية هنا لا تفرض على صاحبها التخلي عن رغبته في التغيير، بل قد تجعله أكثر حدّة في وجهته التغييرية. والأخطر عندما يجري الابتعاد عن الواقعية، هو دفع الناس في الشارع إلى خطوات وخيارات تقودهم إلى الجحيم الذي ليس فيه انتصار. والمطالبة بالعقل، هنا، ليست للناشطين على الأرض، فهم أدرى بالأرض، بل للذين يجلسون في أماكن بعيدة، ويطلقون العنان لمخيلاتهم ولقراءاتهم السياسية، ومن ثم يختارون شعار اليوم. وللأسف فهم يخرجون على الإعلام لإطلاق هذه التحليلات ومعها التوقعات ـــ والأخطر ـــ الدعوات المباشرة للمعارضين على الأرض لكي يقوموا بكذا وكذا وكذا…

مرّت سنة على الأزمة السورية، وقلة من الناشطين الميدانيين أجروا مراجعة يمكن القول إنها واقعية إلى حدود بعيدة لجهة قراءة ما يجري على الأرض (راجع مقالة الزميل في «الأخبار» أرنست خوري السبت الماضي)، إذ بمعزل عن التقديرات والتوقعات والأفكار التي يضعها ناشطون كمهمات للمرحلة المقبلة، إلا أن قراءتهم لما حصل خلال سنة، تعكس، قبل كل شيء، أنهم يعيشون في قلب المشهد. وهم لا يحتاجون إلى أي نوع من التزوير، لأن ذلك لا يفيدهم أبداً. أما إذا كانوا غير قادرين على رؤية المشهد بكامل عناصره، فهذا عائد على الأرجح إلى تجربتهم الجنينية في السياسة، وإلى قصور في مواءمة بين الحافزية على تحقيق هدف ما، وبين القدرة على الوصول إليه.

ولأن الأزمة بوجهين، واحد داخلي يتعلق بمواجهة ستظل مفتوحة من أجل إدخال تغييرات كبيرة وربما جذرية على واقع النظام والمؤسسات وآلية صنع القرار في البلاد، والآخر خارجي يتعلق بسعي عواصم عربية وإقليمية وعالمية تقودها الولايات المتحدة وتستهدف التخلص من سوريا بوصفها عنصر قوة في المحور المواجه لسياسات أميركا وإسرائيل ومن معهما. وبالتالي، فان المشترك بين الوجهين هو البلد نفسه، لأن الخصم المفترض هو نفسه، أي النظام، ولأن أداة الحراك هي نفسها، أي الشعب. وفي هذه الحالة، يمكن القيام بمراجعة هادئة تقود إلى الآتي:

ـــ تصوّر كثيرون أن النظام في سوريا يشبه أنظمة الحكم في مصر وتونس واليمن وليبيا. واعتقد كثيرون، من سوريين وعرب إلى قوى وشعوب من العالم، بأن هذا النظام لن يصمد أكثر من أسابيع وسيسقط كما حصل مع غيره، واستند أصحاب هذا الرأي إلى اعتقاد أصرّوا على اعتباره حقيقة، وهو أن غالبية ساحقة من الشعب السوري تريد التخلص من النظام، وأن من معه ليسوا سوى أقلية ستنهار تباعاً. وظل الأمر كذلك حتى استفاق الجميع بعد عام على مشهد مغاير، فلا النظام هو على صورة الآخرين، ولا المواجهة تدور بهذه السهولة.

ـــ اعتقد كثيرون، من داخل سوريا ومن خارجها، بأن التعقيدات الطائفية والمذهبية والعرقية في سوريا إنما هي فزّاعات يقف النظام خلفها، حتى استفاقوا بعد عام على انقسام أهلي وطائفي ومذهبي وصل إلى قلب تجمعات المعارضة نفسها.

ـــ تصرّف كثيرون على أساس أن لعبة الإعلام المفتوح على تداخل الحقيقة بالكذب من شأنه قلب المشهد الشعبي، وأن الضغوط القائمة من جانب الرأي العام كافية لهزّ الأرض من تحت النظام أو سحب البساط من تحت رجالاته ومؤسساته. وجرى الإيغال في لعبة الفبركة والمبالغة والتضخيم إلى حدّ فقد معه هذا الإعلام دوره وفعاليته، قبل أن يستيقظ الجميع على مشهد مختلف، يقوم على أن النظام لا يزال متماسكاً، وأن أجهزة الأمن في دول العالم القوية تبحث عن موظف أو دبلوماسي سوري تعرض عليه الانشقاق مقابل مغريات تكفي لإنماء قرية في ريف حمص.

ـــ تجاهل كثيرون حقيقة التوازنات الإقليمية والدولية المحيطة بالمشهد السوري. وقلّلوا من أهمية وقوف جهات مثل حزب الله في لبنان وإيران والعراق وروسيا والصين إلى جانب النظام السوري. وبالغ الخصوم في استخفافهم بأهمية هذا العنصر، وصاروا يكثرون من الكلام العام ويعرضون الصفقات، من دون إدراك حقيقة أن تشابك المصالح الإقليمية والدولية يجعل هذه الدول الجهات صاحبة مصلحة في منع سقوط النظام. حتى استفاق هؤلاء على عطب في الماكينة الدولية (الأمم المتحدة)، وعلى عطل في الماكينة العسكرية (التدخل الخارجي)، وعلى تعثّر في الآلة الاقتصادية (العقوبات وغيرها).

ـــ تورّط كثيرون، خصوصاً من جانب معارضي الخارج، وحتى بعض الداخل، في لعبة السقوف المرتفعة. فصاروا أسرى شعارات تدفعهم إلى مزيد من الخسائر، من رفض فكرة التغيير التدريجي، إلى رفض مبدأ الحوار، إلى منع التواصل مع وسطاء مع النظام، وصولاً إلى تحريم الحديث عن مرحلة انتقالية. وكان هؤلاء يعتقدون أنهم كلما رفعوا الصوت أو سقف المطالب، حشروا النظام أكثر. لكن حقيقة الأمر أنهم كانوا يمارسون الضغط على الناس، ويدفعون المجموعات السورية المشاركة في الحراك إلى خطوات كبيرة تفوق قدراتها وطاقاتها، حتى وصل الأمر بقسم كبير منهم إلى حمل السلاح، بحجة أنه لم يعد ممكناً مواجهة جيش النظام بالصدر العاري. فكانت النتيجة أن مسرحية الجيش الحر انتهت عند مئات أو ألوف من المواطنين الذين حملوا السلاح، واكتشفوا أنهم يحتاجون إلى لغة متطرفة للتعبئة وبناء عصبية. ثم ما لبث أن انهار كل شيء خلال أيام.

ـــ أصرّ كثيرون على اعتبار أن النظام لا يتمتع بشعبية حقيقية، ثم وقعوا في فخ المغالطات نفسها. من جهة تحدثوا عن النار والحديد اللذين تواجه بهما تظاهرات صغيرة في الأرياف، بينما يرفضون تفسير سبب عدم انخراط المدن الكبرى في الحراك، ثم يكتفون بالإشارة إلى أسباب أمنية. وكأن السوري في المدن هو غيره في الريف، أو أن النظام في المدن أكثر قساوة من الأمن في الريف. هذا لا يعني أن كل من بقي في منزله هو من المؤيّدين للنظام. لكن التوترات وانتقال العنف من مرحلة المشادات إلى المعارك والسيارات المفخخة، تعني أن من يخرج مؤيّداً للنظام ليس مرغماً كما يقول هؤلاء.

اليوم، وبعد مرور سنة على اندلاع الأحداث، يمكن القول إن النظام اضطر إلى أن يقرّ مجموعة من القوانين والتغييرات في مواد الدستور، وأن يدرس يومياً آلية احتواء معارضيه، وكل ذلك هو حصاد للاحتجاجات الحقيقية. وبالتالي، فإن من ظل واعياً وفي رشده من المعارضين، عليه أن يعي حقيقة أن نضال السوريين له نتائجه، وأن من فيه عقلاً، يعود خطوة إلى الخلف لكي يتقدم خطوات إلى الأمام.

والخطوة إلى الخلف، اليوم، تعني التعامل بواقعية مع المشهد، والحفاظ على وحدة سوريا ومنع التقسيم، والعمل على الحدّ من التعبئة الطائفية والمذهبية، وضمان منع استخدام سوريا في المواجهات الإقليمية والدولية، ومنع سقوط المزيد من الأبرياء من مدنيين أو عسكريين في حفلة الجنون العبثية. أما عن كيفية حصول ذلك، فأقلّه هو استعادة المعارضة هويتها الوطنية من خلال استقلالية عن خارج متآمر، واستعادة صلتها بالناس عن طريق خطاب يلامس حقائق الهوية الوطنية لسوريا، وليس فقط هوية الحكم فيها. وكل ما هو خلاف ذلك، يبقى، على ما يقول السوريون، «علاك بعلاك»!.

ابراهيم الأمين

سياسة

العدد ١٦٦٣ الاثنين ١٩ آذار ٢٠١٢

http://www.al-akhbar.com/node/45881#comment-87233

——————————————————————————–

خصوم الأسد يفكّرون في اغتياله

«الجزيرة» وأزمة الهوية المقابلة!

أحمد الأسير… لا شيء يشبه سلفيي السلاطين

مأساة رجل شجاع

الحسم على طريقة القضم: احتواء التدخّل الخارجي في سوريا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *