الرئيس الأسد يقول ان هدف المؤامرة هو تقسيم سوريا , وبالتالي يمكنني القول ,ان المتآمر على سوريا , هو الذي يريد تقسيمها , ومن تآمر على سوريا قسمها ! , فمن قسم سوريا ياترى ؟؟؟
يجب القول على أن الاستعمار قد قام في مرحلة ما بالتقسيم .. وما معاهدة سايكس بيكو ليست الا تقسيم للوطن السوري , وما جاء بعد سايكس بيكو ليس الا استمرار لعملية التقسيم , تطورت أشكال التقسيم من عام 1920 الى عام 1936 حيث كان هناك فيدرالية , ثم ألغيت , , وفي عام 1937عادت سوريا موحدة ,وانضمت دولة العلويين الى سوريا , التي تطورت في مابقي من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين ليس بالشكل الذي يحلم به الانسان السوري .
بعد عام 1937 بقيت سوريا فترة طويلة موحدة جغرافيا على الأرض , الا أنها كانت ولاتزال مقسمة في جغرافية العقول والقلوب , وذلك بالرغم من الجهود ذات النية الايجابية لتوحيد العقول والقلوب بقناعة واحدة , وهي القناعة بأفضلية العيش المشرك ,والايمان بأن العيش المشترك أفضل للجميع من الانفصال .
الجهود التي ارادت الجمع , فرقت, وحدث الكثير من محاولات الانقسام والتقسيم , اتنهى بعضها بترسيم الحدود في القلوب والعقول , وليس على الأرض .. بين مناطق الأكراد وباقي سوريا مثلا لاتوجد حدود دولية , الحدود موجودة في الوجدان الشعبوي ,والانفصال أصبح واقعا ينتظر الفرصة المناسبة لاكماله وشرعنته .
من يلوم الأكراد على نزعتهم الانفصالية ؟؟ , هو بكل تأكيد مهرج قومي عربي ..وعلى الأرجح بعثي أسدي لايعرف على أن الوحدة الوطنية هي وحدة أقلها جغرافي أرضي , وأكثرها انساني نفسي ,هي أولا وحدة الارادة بالعيش في وطن واحد , ووحدة الارادة لاتتم بالقسر وكسر الأضلاع , وانما بالبرهنة على ان الحياة المشتركة مفيدة للجميع , ولا يمكن أن تكون هذه الحياة المشتركة مفيدة , الا أذا تم ادراك وجود الآخر كبر أم صغر., وادراك وجود الآخر لايتم بالغاء الآخر عن طريق تعريبه قسرا أو تعليبه ضمن الحزام العربي أو الحزام العلوي , ولا تتم الوحدة الوطنية شعبيا بنزع الجنسية عن فئة من الشعب , وانما تتم عن طريق ممارسة العدالة الاجتماعية , التي ترتكز على مبدأ المساواة , وعدم احترام هذه المبادئ من قبل السلطة كان الصخرة التي تصدعت عليها الوحدة الوطنية , ولم يكتف النظام بما فعل من اجرام بحق الأكراد وبحق الوحدة الوطنية , النظام مستمر في فعلته المنكرة هذه , وهذا ماقاله الرئيس مؤخرا في خطابه ودعوته للعروبية . وتنكره لوجود الآخر , حيث لايوجد حسب رأيه في سوريا الا العرب .
مثل الأكراد هو مثل عن سياق التفتيت القومي , ومحاولة القومية العربية اغتصاب بقية القوميات , هنك امثلة من السياق الديني الطائفي ,فالنظام الباحث عن مؤيدين , وجدهم خاصة في الطائفة العلوية , حيث استغل النظام هذه الطائفة أبشع استغلال , وأوقع الطائفة في العداء التاريخي مع الطوائف الأخرى , وذلك لأنه أظهر هذه الطائفة وكأنها حاكمة , وليست محكومة من النظام , الذي استبد بواسطتها وواسطة غيرها الشعب ,حيث قدم النظام بعض المكاسب المادية والمعنوية الى ما لايزيد عن 5% من العلويين , والباقي بقي فقيرا , ونتيجة لاعتماد النظام بشكل رئيسي على أفراد من هذه الطائفة , أصبحت الطائفة موضع اتهام من قبل الآخرين ..متهمة جماعيا بالشراكة مع النظام في السرقة والتهب وتقويض الحريات والقتل والخطف والفساد والافساد , مع أنه ليس للطائفة جماعيا أي علاقة مع موبقات النظام , الذي عذب وشرد وسجن العديد من ابناء هذه الطائفة المعارضين للسلطة , والسلطة تتعامل مع هؤلاء خاصة بأقصى انواع القسوة والبربرية , وعندما يقع المشاغب المسيحسي أو السني في براثن السلطة تجري معاملته بشكل أفضل من معاملة المشاغب العلوي …الويل للعلوي اذا أغضب السلطة .
وجود مرتزقة في الطائفة لايعني على أن الطائفة بمجملها مرتزقة ..هذا من ناحية , من ناحية أخرى لايستطيع أحد الغاء نوع من الادراك المبسط والتفكير البسيط عند بعض أفراد الطوائف الأخرى , حيث يفهم هؤلا مشاركة أفراد من الطائفة العلوية في نشاطات السلطة على أنه مشاركة لكامل الطائفة , ومن خلال ذلك حدث الخلاف التاريخي وبدأ القتل على الهوية , وانقسم الشعب الى أقلية تملك الكثير من السلاح , والى أكثرية تملك القليل من السلاح , دارت الحرب , وكانت السلطة أول وأكبر من ساهم باندلاعها ..السلطة وزعت الأسلحة حصرا على ابناء الطائفة العلوية ..السلطة جندت الألوف بل عشرات الألوف من الشبيحة , وذلك للقيبام بعمليات القمع والقتل , والسلطة لم تترك مناسبة الا واستغلتها من أجل اظهار الوضع الداخلي على أنه حرب طائفية بين السنة والعلويين , والحرص على ممارسة هذا الافتراء التاريخي يتمثل بالحرص على تشجيع الطائفة العلوية للانخراط في الحرب الأهلية , ونتائج هذا الانخراط الكامل هي بشكل عام مناسبة للعائلة ..فانتصار السلطة يعني انتصار رجالها وأغلبيتهم العلوية وبقاء الأمور على ماهي , وانكسار السلطة يعني نزوحها الى الساحل وتأسيس دولة العلويين , كما كانت عليه الأمور عام 1920 ..الأسد سيبقى على أي حال الى الأبد .
السلطة او العائلة لم تدرك امورا كثيرة بما يخص استغلال الطائفة العلوية وتجنيدها في الخدمة حتى الموت , فالعائلة كرست طالئفية الوعي , دون الانتباه على أن طائفية الوعي تصبح مدمرة عند عدم وجود الوعي الطائفي , ففي لبنان توجد طائفية الوعي , الا أن يوجد أيضا الوعي الطائفي ,الذي يعبر عن نفسه بالدستور اللبناني , الذي ينظم العلاقة بين الطوائف , الا أن دسترة الوعي الطائفي في سوريا غير مربح للعائلة , حيث ستقف العائلة عندها أمام 10% من الشعب السوري مقابل أكثر من 70% من الفئة الأخرى , وبذلك يصبح وضعها السلطوي على درجة كبيرة من الهامشية الغير مغرية قطعا , لذا استقر الرأي على مايبدو على استثمارطائفية الوعي لتجنيد الحامية العلوية , وتحاشي الدسترة أو تنظيم الوعي الطائفي, الذي يحول السلطة الى أقلية لاحول ولا قوة لها , واستبدال ذلك بنوع من الترويج الظاهري للعلمانية والنعددية , باطنيا وحقيقة لاعلمانية ولا تعددية , وانما ممارسات ذات طابع عثماني قديم ورجعي , والدستور الجديد يعطي عن ذلك الصورة المعبرة . لقد انجزت السلطة بنجاح كل موجبات الانقسام الطائفي , والآن تتقاتل الطوائف ويجحري القتل على الهوية , وبهذه المناسبة لا أستطيع تحميل أحد مسؤولية الانشقاق الطائفي , الا السلطة .
السلطة تبنت القومية العربية , وهذا التبني قاد الى ولادة الحركات الانفصالية , السلطة تبنت زورا طائفة ومارست الطائفية الريعية , والنتيجة كانت انشقاقات مجتماعاتية , والسلطة تبنت في العقد الأخيررجال المال والأعمال , وصنعت بعضهم أيضا(رامي مخلوف , حمشو ) متذكرة أفضال أمثالهم في الثمانينات , حيث أنقذ بعض هؤلاء (الغريواتي) السلطة ماديا , ونتيجة لفتح باب السرقات أمام هؤلاء استفحل الفقر , حيث حيث قال تقرير للأمم المتحدة من عام 2002 على أن 24% من سكان سوريا البالغ آنذاك 18 مليون انسان يعيشون تحت خط الفقر المدقع (أقل من دولار يوميا ) , والحالة الآن أصبحت أسوء بكثير من الماضي , والديون الخارجية بلغت 23 ملياردولار , وهذا الدين يمثل 98% من حجحم الانتاج المحلي الاجمالي , ودخل الفرد السوري أصبح وسطيا (عام 2002) أقل من 1000 دولار سنويا في حين كان في الخمسينات أكثر من ألف دولار سنويا , واليوم تدنى الدخل المتوسط بشكل واضح وبشكل كارثي ..كل ذلك قاد الى الغاء الطبقة الوسطى , والى شطر المجتمهع الى أقلية تحت 5% من السوريين , الذين يملكون أكثر من 85% من الوطن السوري , كل ذلك قسم الشعب السوري الى فئة تستغل وفئة تنوء تحت وزر الفقر والاستغلال , محور تقسيمي مشحون بالهائل من المتفجرات , والفتيل في يد الفقر, هل حدث الانفجار ؟ أظن على أن التفجير الآن على قدم وساق .
لم يقتصر تقسيم وتفتيت البلاد على التشرذم القومي , وقيام قوميات بمحاولة الانفصال , ولم يقتصر التشرذم على بث روح الصراع الطائفي في الطوائف , ولم يقتصر على الغاء الطبقة الوسطى واحتكار ثروات الوطن من قبل شلة سارقة , وانما تعدى كل ذلك الى موضوع الحياة السياسية , حيث الغى النظام السياسة كمادة للتداول السلمي للسلطة وغير السلطة , ومن خلال الممارسات القمعية والفوقية في ظل المادة الثامنة والمواد التي تفرض على كل مواطن تبجيل انقلاب الثامن من آذار وتبني أهداف هذا الانقلاب , تضخم الشرخ بين البعث المتنكص المتكلس وبين بقية الاتجاهات السياسية الحزبية والشعبية , وقد أدى احتكار ثروات الوطن من قبل رجال البعث , وامتهان كرامة المواطن من قبل مخابرات البعث الى ولادة حركة ثأرية تتميز بالجنوح الى تصفية حسابات قديمة عن طريق القتل ..الغاء السياسة والتداول السلمي سهل سيطرة البعث على الشعب وسيطرة العائلة على البعث , الا أنه في نفس الوقت شرع اساليب العنف والقتل , التي يمارسها الآن العديد من أفراد الشعب السوري وفئاته , لقد خلق وضعا عدائيا يتمثل به الكره والرفض للآخر , فالبعثي الذي كان له أن يمارس حياة سياسية بناءة ومسالمة , تحول بنظر البعض , الى ذاك البغيض عدو الشعب ..وقتله أصبح احدى الوسائل الأساسية للتعامل معه , كل ذلك يحدث الآن من منطق ومنطلق العنف يولد عنف ..الكره يولد كره الانتقام يولد انتقام ..كل تلك الاستفزازات والاهانات حدثت بمباركة السلطة وحمايتها ورعايتها , وليس من المستغرب الآن أن يأتي الارتكاس موازيا ومشابها , وهذا يعني تقسيم المجتمع بمحور اضافي ..اضافة الى المحور الطائفي والمحور القومي والمحور المادي . انها الدائرة التي اخترقتها محاور التقسيم الأفقية والشاقولية والمائلة , وكل هذه المحاور هي من صنع السلطة , ولا أظن على انه من حق الرئيس اتهام الغير بالتآمر على وحدة البلاد , من تآمر على وحدة البلاد ومن شرذم وحدة البلاد كان بلاء ووباء السلطة , التي مزقت البلاد خلال نصف قرن تمزيقا لامثيل له
يتبع