غسان المفلح :
جاء في البيان الختامي لمؤتمر المجلس الوطني السوري الذي عقد في العاصمة التونسية يومي 17و18 من كانون الأول 2011” يطالب المجلس الوطني السوري ومؤسساته، الجامعة العربية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة حماية المدنيين والثوار في سورية وذلك في مناطق آمنة وأخرى عازلة والتحرك السريع من أجل ذلك. كما” تعهدالمجلس بتوفير الدعم والرعاية للجيش السوري الحر معترفاً بدوره المشرف في حماية ثورة شعبنا السلمية”. وأكدالمجلس على حشد كل الطاقات لحصارالنظام إعلامياً واقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً حتى إسقاطه.
هنا اللغة واضحة ولا تحتمل اللبس لمن يريد أن يرى ويقرأ، بدرجة قليلة من الموضوعية، وبمعزل عن موقعه في الثورة وموقفه منها. إن ماحاول المجلس أو على الأقل القسم من المجلس الذي كان يعنيه اصدار بيان ختامي واضح بالمعنى السياسي، إن سياسة المجلس تقوم على ركائز ثلاث من أجل إسقاط النظام:
الأولى- ثورة شعبنا السلمية واستمرارها ودعمها. الثانية- طلب دعم واضح من المجتمع الدولي لهذه الثورة عبر التدخل لفرض مناطق آمنة وعازلة، آمنة لحماية المدنيين وعازلة لحماية المنشقين من الجيش السوري الحر، كما أنه سعى من أجل الاستفادة من مبادرة الجامعة العربية لأجل حماية المدنيين عبر إرسال مراقبين دوليين ووسائل إعلام، في تحرك حر لها داخل سورية، وهذا ما حاول ويحاول وسيحاول النظام عرقلته وتشويهه، وهذا خطاب يطالب المجتمع الدولي بالتدخل من أجل فرض هذا الدعم للثورة ومن أجل حماية أبناءها من هذا القتل المنهجي، والذي إن عبر فهو يعبر عن مدى الهمجية والرعاعية التي وصل لها أشاوس السلطة الغاصبة. والاستمرار في محاصرة هذا النظام عبر رفع كل الأغطية الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية عنه، وجعله عبارة عن عصابة دولية مارقة.
إن مبدأ القوة بات حاضرا بقوة في خطاب المجلس، وعلى أعضاء المجلس التقيد بما جاء في بيانه الختامي، والقوة هنا تعتمد على تلك الركائز الثلاث..وهذا يقتضي من المجلس اشتقاق خطاب من هذا الذي تم التوافق عليه في تونس.
إن طلب التدخل الدولي لايعني أن الدول الكبرى جاهزة لتلبيته، بل يعني تشكيل رأي عام يستطيع المجلس من خلاله تكريس معادلة جديدة مفادها، أن هذا النظام اصبح طرفا برانيا بالمطلق بالنسبة لسورية ولشعبها، هذا أولا، وثانيا التأكيد على أن الجيش الذي يحتمي فيه النظام، فشلت المعارضة السلمية في كسبه لصفها لاعتبارات كثيرة مصلحية وطائفية وأمنية، وبالتالي يجب الكف عن التعامل مع هذه الأولوية القاتلة بوصفها خارج ميزان القوى الذي يقتل شعبنا، ومجرد أن نضع النقاط على الحروف، في هذه القضية يصبح من باب أولى أن هؤلاء يخوضون ليس معركتهم نيابة عن النظام بل أيضا بالاصالة التراتبية عن أنفسهم وثقافتهم. ولا يهم في هذا السياق الحديث عن وضعهم الطبقي أو الطائفي أو المصلحي، ما يهم باختصار شديد أنهم قوة تقوم بالقتل والفتك بأبناء شعبنا، يجب تجريدهم الآن من أية صفات تخفف من وطأة الجريمة وتخفف من وطأة الاحساس بالذنب الذي لايزال بعضنا يستشعره، ماذا نفعل؟ هل ننتظر حتى يصحى ضميرهم الأخلاقي أو الوطني أم ننتظر حتى يعوا مصالحهم الطبقية، انهم فقراء ويجب أن يكونوا بصف الفقراء، لأنه حتى ذلك الحين يمكن أن يستشهد نصف الشعب السوري. إن الشغف المتولد عن الاحساس بالذنب، والمتولد عن عناوين وطنية زائفة، يجعلنا نتوه في خطابات لاتحمي شعبنا أبدا لابل لاتساهم حتى في حمايته!
التدخل الدولي مطلوب لحماية المدنيين وإشعار القتلة أنهم لايعيشون في قانون الغاب..يجب التهديد المباشر بقصف جوي لمراكز القوة الأكثر تأثيرا في القتل كالفرقة الرابعة والمراكز الأمنية، والتي تجعل حالة هذه القوة مكشوفة الظهر من خلال التلويح باستخدام الطيران ضدها، وهذا ربما يزيد من كتلة الانشقاق داخل الجيش. ويجب ان يتبنى المجتمع الدولي ذلك ويعطي مهلة واضحة وإنذارا اخيرا..
دعونا لانخجل من هذه الدعوة، ودعونا لانمارس التقية بشأنها..بعد دخول الثورة شهرها العاشر و6000 شهيد، يصبح الرهان على انشقاق كبير داخل هذه المؤسسة أمرا وهميا. وستبقى تقتل حتى لايبقى سوريا قادرا على الخروج للشارع…فهل هذا يرضي ضمائركم الوطنية والطبقية؟
هنالك من يقول أن المطالب هذه تشعر الناس بالوهم وبالتالي تسبب الاحباط…وأنا أقول أن أهم ما ميز ويميز الثورة السورية أن شارعها تجاوز معارضتها ومثقفيها بالتمييز بين من يشتت الناس بالوهم وبين من يتحدث بلغة الواقع العنيدة والتي تجري أنهارا من الدم لن تتوقف ما لم تتوقف الثورة وهذه النقطة الشارع يعرفها ويخرج بينما المثقفين الطهريين، يعرفونها ويحاولون الكذب وتمويه هذه الحقيقة، من خلال اعتقادهم أن الوضع لايزال كما هو الفيصل فيه هو القدرة الأكثر على اللغونة والمفاهيم المجردة والصيحات العذرية..
عندما تضع الامور في نصابها الواقعي الفج فأنت تدخل منطقة الصراع الأخلاقي الحقيقي على إنتاج قيمك الذاتية والوطنية..لأن لاأحد يريد قتل أبناء وطنه إلا من له مصلحة في ذلك وهذا لم يعد هذا الوطن يريده…وهنا يجري الحديث عن فعاليات تاريخية لاترحم مجردة من أية قيمة خارج قيمة القوة وماتعنيه، القوة الأساس وعليها يبني النظام القاتل وأزلامه منطقهم، لو كانت الثورة تتبع مقولة من يضربك على خدك الأيسر أدر له الأيمن لما خرجت منذ الأساس ولبقيت هذه العصابة متحكمة بكل البلد…هنا التناقض الأخلاقي الذي علينا أن نواجهه مباشرة وبلامدوارة وبلا لغونات…سلمية كانت وستبقى هذا صحيح ولكن السلمية لاتعني ترك القاتل يقتل بحجتها….!!
نحتاج ضبط النفس ونحت المفاهيم هذا صحيح ولكن الصحيح أيضا…في أي واقع هذا وما هي قواه وكيف تعمل؟ وليس كلمات مجردة ندلقها لأناس يحتكون بالدم بشكل لحظي…
بعد أن تنتصر الثورة أتهموننا بالخيانة، وامنعونا من دخول سورية بحجة أننا كنا نطالب بتدخل دولي. المهم أن يتوقف القتل وينتصر شعبنا في معركته من أجل الحرية