لاتستطيع الديماغوجية السورية أن تتعامل ايجابيا مع تطورات عام 2011 التغييرية , ومن الملاحظ على اني تجنبت كلمة الربيع العربي أو الثورات العربية , هادفة عدم اضافة ازعاج على الانزعاجات الذي تعاني منها هذه الديماغوجية . انها تهتز وترتج وترتعش خوفا عى مكاسبها وامتيازاتها وتسلطها وطفيليتها , تمارس معارك كلامية تعبر عن تقززها من ثورات الربيع العربي بالقول انها ليست ثورات وانما انفلات غوغائي لايهدف الاالتدمير والتخريب , حيث يتم أكراه الوقائع الإجرامية لتتناسب مع فكرة غامضة عن شيء اسمه “ثورة” في حين لم يقل أي من خبروا التاريخ والثورات أن ما يجري هو ثورة بل فورة عمياء تضرب خبط عشواء تلقفتها أعداء سورية واستغلتها لضرب سورية. انها ليست ثورة لأن الثوار أو بعض السوريين ينطلقون بحماسة عمياء ملوحين بسواطيرهم الفكرية والمعدنية “السلمية ” و”اللاطائفية” و”اللااقصائية “..أميون أو أشباه أميين , وهاهي تجليات اميتهم في أحسن الأحوال أن لم نقل عمالتهم, قدح وذم وكلام وتعلق بذيل المصلحة الشخصية , ولا يمكن أن يكون المشجع على خوض معارك الكلام والتسميات موضوعي , لأنه لايوجد في الوضع السوري الحالي مايستحق أقل من ثورة عارمة , وما تعترف به السلطة موجب لأكبر الثورات وأعنفها , التي تأخرت , الا أنها بانهاية اندلعت , وليسميها اذيال السلطة كما يشاؤون .
للهجوم على الربيع العربي الكثير من الدوافع ,هناك الدوافع المنفعية والسرقات التي لايمكن لها أن تستمر في وضع آخر , وللمنتفع من الأنظمة البالية الحق في الدفاع عن مكتسباته , والحق يفترض عاملين , أولهما وجود نوع من القانونية في الحصول على هذه المكتسبات , وعلى سبيل المثال فالمادة الثامنة تسمح بالتسلط “القانوني” وما زاد على ذلك فهو تسلط شخصي , وعلى هذا الحيز”الشخصي” يمكن معاقبة المتسلط , وثانيهما استخدام وسائل منطقية وحتى مشروعة في الدفاع عن هذه المنافع ,وعندما يقتصر الدفاع عن المنافع على اساليب تهميشية ثانوية , كالمماحكة حول اسم الحاضن للتغيرات , ان كان اسمه ثورة , أو احتجاج أو انتفاضة , أو حراك أوغير ذلك يمكن القول على أن هذه الأساليب مضللة , وتريد لفت الانتباه الى أمور لاعلاقة لها بالشيئ الرئيسي , الذي هو فشل وفساد سلطة , الذي يعني في المجتمعات التي يتوفر لديها الحد الأدنى من الديموقراطية , رحيل السلطة طوعيا , وبدون تكليف الوطن مقتل عشرات الألوف من ابنائه , أو التهديد بحرب أهلية , تفترض السلطة وتتمنى حدوثها في حال تعرضها للترحيل , وان رحلت السلطة أم لم ترحل , فسوف لن تكون هناك حرب أهلية بالشكل الذي تتمناه هذه السلطة , وعملها الدؤوب من أجل تحقيق الشروط الموجبة للحرب الأهلية الشاملة سوف يفشل , لسبب بسيط , اذ لامصلحة للأكثرية في حرب أهلية شاملة , وما يحدث الآن هو نوع منالحروب البؤرية , التي تستطيع السلطة أن تتعامل معها سنين , على مبدأ الكر والفر , والسلطة قادرة على تأجيج هذه البؤر عندما تريد وعندما ترى مصلحتها ذلك .
أفهم جدا دوافع البحث العلمي بخصوص علم الثورات , وأفهم جدا على أنه للثورات اشكالا , استنبطها البعض من ثورات مشهورة كالفرنسية اوالشيوعية , والنقاش العلمي الأكاديمي حول تعريف شيئا ما , هو أمر جيد , الا اننا لانتعامل في سياق تغيرات 2011 , سببا وتطورا ونتيجة , مع شيئ واحد ,وانما مع العديد من الأشياء , لذا فانه من الخطأ العلمي محاولة تعريف التغيرات بعبارة أو كلمة أو مدلول واحد , وانما يجب تعريفها بالعديد من العبارات , فالقول ان التغيرات تتضمن ثورة هو صحيح , لأن القاسم المشترك بين مفهوم “الثورة ” وبين هذه التغيرات موجود , التغيرات تتضمن هدفا معينا هو اسقاط النظام , لذا فان هذه التغيرات ثورية , أي ثورة . والتغيرات تتضمن نقدا لبعض الاعوجاجات , لذا فان التغيرات هي حركة احتجاجية , التغيرات كانت بالنسبة للبعض مفاجأة , واتخذت منحى حاد , لذا فان هذه التغيرات هي انتفاضة , وهكذا نستطيع اكتشاف الكثير من المكونات الجزئية ضمن المكون الأكبر , الذي هو الربيع العربي , وأكبر المكونات هو مكون الثورة , لذا دعوني تجاوزا أقول انها ثورة .
ان نفي صفة الثورة عن التغيرات لايهدف ممارسة نقاش علمي حول مفهوم “الثورة” وانما يريد عن طريق الانتقاص من الحدث , هدم هذا الحدث , جهلا بأن هدم الحدث لايمكن له أن يتم عن طريق تغيير الاسم , الا أنه لممارسة تغيير الاسم التضليلية تراث , فقد غير الرئيس السابق اسم هزيمة 1967 وحوله الى “نصر” 1967 , قائلا لقد انتصرنا على اسرائيل لأنها لم تفتدر على اسقاط نظامه التقدمي ..وعن 1973 نفس المنوال ..وكل الحروب العربية كانت انتصارات بالاسم , وكل التأخر العربي هو تقدم , وكل التجزء العربي هو توحد …هناك اذن خبرة في ممارسة التعميد تحت اسم آخر .
لم يفتقر “ثوار” الثامن من آذار في عام 1963 الى موهبة ممارسة التزوير وتغيير الأسماء , فبعد انقلاب , حيث أفصح الانقلابيون بعد حدوثه عن موجباته , بلغ اعجاب الانقلابيين بالانقلاب أوجه , حيث أطلق عليه اسم “الثورة المجيدة ” ووضعت هذه الثورة المجيدة اضافة الى ذلك في الدستور , اذ ان تبني أهداف ثورة الثامن من آذار هو فرض على المواطن , ومن لايتبنى هذه الأهداف ان كان شخصا أو مؤسسة أو حزبا يناله العقاب والسجن لعشرات السنين .
السلطوي هو من يحتفل بذكرى” ثورة ” الثامن من آذار 1963 , وهذا السلطوي هو المماحك حول تسمية ” ثورة” الخامس عشر من آذار 2011, ومقارنة بسيطة بين الحالتين تقود الى نتيجة غير مشرفة لثوار الثامن من آذار , لقد سموها ثورة , وهي انقلاب . وعكسوا ذلك بخصوص ثورة 2011, وان كان لذلك دلالة فهي دلالة التأكيد على محاولتهم تهديم الحدث , بأساليب زائفة , كما كان حال النصر في عام 1967 .
نعم تسمى الحركة ثورة عندما يكون لها هدف واضح , وهدف المعارضة أصبح في سوريا واضح ومضمونه يتعارض مع المضامين الموجودة بشكل جذري ..انه اسقاط النظام , لذا فالوضع ثوري بامتياز .
قولك على أن المعارضة مؤلفة من العديد من المكونات الغير متشابهة أو الغير متجانسة أو المتضاربة احيانا , هو قول صحيح جدا .. وبرأي ان عدم التجانس هو الأساس للديموقراطية , وانتقاد المعارضة لأنها غير موحدة , هو انتقاد أساسه التلوث بالفكر الديكتاتوري ..الديموقراطية لاتعرف الوحدانية , وكل وحدانية هي قسرية , وكل قسرية هي ديكتاتورية .
لاشبه بين انقلابية الثامن من آذار وبين ثورية الخامس عشر من آذار, والبرهنة على ذلك آتية