لا أعرف مصدر كلمة “البجم” الا اني اعرف مايقصد بها , ومن خلال ذلك استطيع القول على أنه بين العرب الكثير الكثير من البجم , الذين لايفهمون ولا يستوعبون شيئا من حقائق الدهر والعصر , حتى انهم لايعرفون انهم متأخرون بكامل المعايير ان كانت علمية او انسانية أو سياسية , والتأخر لم يكن عند السلاطين حصرا ,وانما كانت وما زالت الشعوب أيضا متأخرة في فهم بعض جوانب الواقع .
بين بجم العرب والعالم كانت هناك وما زالت جدران وأسوار فاصلة , والسلاطين كانوا أكثر ادراكا لمخاطرالانفتاح وهدم الأسوار وازالة الجدران من غيرهم , الى أن أتت العولمة وهدمت الأسوار والجدران وألغت العزلة , تواصلت مع الشعوب , وتواصلت الشعوب مع بعضها , الشعوب تنورت وعرفت الكثير عن الحضيض الذي وضعها السلاطين به , واستوعبت هول الحالة وعمق المشكلة , وثارت , ونجحت في ما يجب أن تنجح به مبدئيا , والسلاطين بقوا في قصورهم وأوكارهم , وأصبحو سجناء أنفسهم ,لم يكن بامكانهم فهم الحقيقة التي تقول, على أن السطوة غير السيطرة , بالسطوة وحدها لايمكن منع الفكر والتواصل الاجتماعي والتعرف على الغير , وبالسطوة والكرباج لايمكن السيطرة على الشعوب وتوجهاتها , من يريد أن يقود ويؤثر على وجهة المسيرة عليه أن يكون قدوة , وأن يكون خادما للوطن , لا أن يحول الوطن الى مزرعة يتملكها .
المعارف الجديدة حول الحرية والديموقراطية صعقت الشعوب العربية خاصة الجيل الجديد , ودفعته للقيام بما لم يكن متوقعا ..لقد فقد الخوف وربح نفسه ..لقد ثار وأصر على اسقاط السلاطين وقلاعهم ورجالهم ومؤيديهم , بدأ بالرؤوس ولا يزال الاسقاط على قدم وساق , وما حققته الثورات لحد الآن في أكثر من خمس دول عربية هو اسطوري ,وقد كان ذلك دائما صعب التصور , لقد كان من الصعب تصور ثورة في سوريا ضد سلطة لاتتورع من فعل أي شيئ , تقتل الأطفال وتهدم المنازل فوق رؤوس ساكنبيها وتعرض البلاد الى عزلة مخيفة وتسمح لنفسها بالقيام بأعمال تدينها أمام المؤسسات الدولية والمحاكم , ومنها محكمة الجنايات الدولية ومفوضية حقوق الانسان ومنظمة العفوالدولية والصليب الأحر الدولي ومنظمة اطباء بدون حدود ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة , وحتى الجامعة العربية , التي رأت على أن اعمال السلطة موجبة لمثول السلطة أمام محكمة الجنايات الدولية , كل ذلك كان جزء يسير من موبقات السلطة على مدى أربعين عاما , وبالرغم من ذلك ترى السلطة في نفسها التأهيل الكافي لقيادة البلاد …وهل يوجد بجمية أكبر من هذه البجمية ؟
بالرغم من كل ذلك , لم يكن بامكان بجم السلطة السورية فهم واستيهاب ماهو مفيد من الواقع , لقد فهموا فقط على ان الوضع لم يعد ملائما لهم , وما كان منهم الا أن أشهروا اسلحتمهم ..عليهم ..عليهم…. قتلا وسحلا وتنكيلا , ثم اطلقوا العنان لمعامل الشتائم , ممارستهم الوحيدة , الى جانب التقتيل, هي الشتيمة ,وانطلاقا من احتقارهم لكل ماهو شعبي , ومن نظرتهم العدمية للشعوب , رفعوا مسؤولية الثورة عن الشعوب , وألقوا هذه المسؤولية على حلفائهم وشركائهم في الفساد من حمد الى سعود الفيصل وغيرهم من الاخوة والاصدقاء..فالثورة ليست ثورة بالرغم من مقتل عشرات الألوف من أفراد الشعب والجيش السوري , انها مؤامرة حمد ومؤامرة الصهيونية العالمية , وكأنهم يقولون , عجبا .. كيف يتحرك شعب قتلناه , كيف يعلوصوت كتمناه , كيف يتمرد مخلوق استعبدناه , الشعب ميت لاينهض , وانطلاقا من نفوسهم المريضة , اعتبروا ان الممول حمد وغيره هم الذين يستطيعون تحويل الميت الى حي , اما موضوع الحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية , فهذه أمور لايفهموها ولايستطيعون التعامل معها ..لأنهم بجم !
لم يكن من الخطأ بالنسبة لسلطة لاهدف لها الا الحفاظ على استمراريتها وجني المكاسب من هذه الاستمرارية , ان تقوم في ظرف ما بشخصنة وتطييف وعسكرة السسياسة , وفي مرحلة ما كان الهجوم على العقل وقتله مفيدا لها , ومن المفيد لها كان التمويه والتجاهل والوحشية والديكتاتورية والقتل والسجون واستغلال الانتماء القومي كالعروبة من أجل مصالح تافهة بدائية خاصة …انه جمع الملياردات, الذي يمثل القاسم المشترك بين الجميع ملوك ورؤساء وجملوكيين , ومحاولة التوريث , التي نجحت هنا وفشلت هناك , ومن أجل كل ذلك حللوا اغتصاب الشعوب وساهموا في فرز هذه الشعوب قبليا وعشائريا وطائفيا , واستبدلوا تلبية حاجات المواطن الحقيقية بالترويج الى صراعات وهمية مع العدو , ثم التصدي اليه ومجابهته افتراضيا, قلبوا القيم وصنعوا من الهزيمة نصرا , ومن الخسارة ربحا ومن الصدق كذبا ومن المواطنية عمالة ومن الأمانة سرقة , ومن القتل فضيلة …كل ذلك ..وأكثر.. من أجل الدفاع عن سلطة , ترخص في سبيلها مقدرات البلاد وارواح العباد , وبجمية السلطة تتجلى بكونها لم تشعر بتغير الزمن والمناخ, ماكان حتى يوم أمس مفيدا , أصبح اليوم ضارا , لقد غاب عن نباهة السلطة عامل الزمن وحتمية التطور كليا ..
لم تفهم السلطة على أن هناك اسباب للثورة , ولم تستوعب السلطة اندلاع هذه الثورة , ولم تتعرف السلطة وأذنابها على الثقافة الجديدة التي أتت بطرق لم يحسبوا لها حساب ..الفيسبوك مثلا .., ثقافة الحرية والديموقراطية , ولايمكن للسلطة أن تتصور ثقافة الا ثقافة الفساد والاستعباد التي مارستها وتمارسها لحد الآن ولنصف قرن من الزمن , ولو كانت تتصور غير الفساد والاستعباد لكان لها فعلة مخالفة لأفعالها , فقدت الحساسية للطبيعي في كيان الانسان , والطبيعي هو أن يفكر هذا الانسان , وبالذات في هذا اليوم نلمس شكلا مرعبا لفقدان هذه الحساسية .. فتحت وابل القنابل دعي الانسان السوري للاستفتناء على دستور , لم يتثنى له أن يقرأه ..فصل جديد من فصول الدجل وغدر جديد بالمواطن وحريته …اذ لاتوجد ضرورة لكي يفهم المواطن أي شيئ..المواطن ..ماهو المواطن ؟..انه سلعة يستهلكها السلطان بلحمها ودمها .
في النهاية اريد القول , على أنه من الممكن تفهم مسلكية وموقف السلطة جزئيا من التطورات , فالتطورات كانت مفاجأة لسلطة لم تفعل في عشرات السنين الماضية الا مايجنبها من تطور كالتطور الأخير , لقد ظنت على أن مناعتها تامة , كاملة وشاملة , اضافة الى ذلك ايمان السلطة العميق بمقدرتها القمعية ومداخلاتها وتركيبة زبانيتها , كل ذلك وقف أمام حركة شبابية عفوية تلقائية وبريئة , لاتملك الا التلقائية كتنظيم ولا تملك قيادة تنظمها , ولمن يستطيع الفهم (ليس البجم طبعا) كانت الثورة الثورة مناسبة جيدة , لكي تستطيع السلطة انقاذ نفسها جزئيا ..تصور يا أيها القارئ الكريم هذا السيناريو :سلطة فاسدة ونهايتها حتمية , تندلع ثورة تلقائية غوغائية بدون قيادة , فاما أن ترفضها السلطة , وعندها يحدث ماحدث لحد الآن ..الثورة ترتمي في احضان الأصولية وتتسلح ثم ترفع سقف مطاليبها باستمرار , واما أن تحتضنها السلطة وتعمل معها بسلمية ..تتنازل عن بعض الأشياء مقابل تنازل الثورة عن أشياء أخرى , تتبنى الثورة وتسميها على سبيل المثال حركة تصحيحية أو غير ذلك ..لم يحدث ذلك , لأن السلطة ملزمة بحماية أصغر اللصوص من الزبانية ,تتحدث عن الاصلاح , ولا نعرف على أنها عاقبت ولوواحدا من زبانيتها اللصوص ,ولم اسمع لحد الآن شيئا عن محاكمة أي سارق منهم . السبب هو أن السلطة لاتريد فتح هذا الباب عليها , فالبدء بالصغير ينتهي بالكبير ..والعياذ بالله