الأسد: الإصلاحات تشمل الحزب والدولة.

الأسد: الإصلاحات تشمل الحزب والدولة.

هي الحرب على سوريا.
هكذا بات الجانب الأكبر من الصورة حيال ما يجري في سوريا. لا يعني ذلك البتة أنه ليست هناك مشكلة داخلية كبيرة، وأن نظام الحكم ليس في حاجة إلى تغييرات جذرية، في الجوانب الاقتصادية والإدارية قبل السياسية. هي تغييرات تتطلب تعديلات دستورية جوهرية لم يعد هناك من يعتقد بإمكان تجاهلها. لكن جنوح الخارج نحو تصعيد فيه شيء من الهستيريا، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يعيد المشهد إلى بعد مختلف. وهو أمر له تأثيره الكبير على مسار الاحتجاجات القائمة في سوريا، خصوصاً أن ناشطين كثراً باتوا يعبّرون صراحة عن رفضهم موجة العسكرة التي تجتاح المعارضة في كثير من المناطق، ورفضهم لقيادات كثيرة من المعارضة الناشطة في الخارج، والتي يبدو أنها فقدت كل استقلالية، وبات جدول أعمالها رهن ما تقرره الدول الراعية لها، سياسياً ومالياً وإعلامياً، وحتى مادياً.
داخلياً، يؤكد زوار الرئيس السوري بشار الأسد أنه يعي حقائق كثيرة. يقول بعضهم إن الأسد تعرّف كثيراً إلى سوريا خلال هذه السنة، وإن لقاءاته المكثفة والمستمرة مع حشد كبير من الشباب ومن القيادات المحلية والأهالي، أتاحت له التعرّف إلى الكثير من الأمور، وجعلته يدرك أن هناك أزمة تفوق ما يجري الحديث عنه من قبل مسؤولي الدولة. وهو أشار بوضوح إلى أن حزب البعث نفسه يحتاج إلى انتفاضة جدية، وإلى تغييرات كبيرة تتناول آلية تفكيره وطريقة عمله وهيئاته القيادية، وأن الدولة بمؤسساتها كافة بحاجة إلى ورشة متواصلة ستستغرق وقتاً غير قصير. لكن لم يعد بالإمكان التعايش مع حالة الوهن التي تصيبها، ومع حالة التراخي التي أدت إلى جعل الفساد عنواناً حيوياً في كل شؤون الناس.
في مجال الحريات السياسية، يبدو الأسد أكثر إدراكاً لحاجة الشارع، بمختلف فئاته، إلى آليات وأطر ومنابر تعبّر عن أفكاره، وتكشف عن مبادرات حقيقية لديه، وتتيح رقابة فعلية على سلوك الدولة والمسؤولين. وإذا كان الرئيس السوري يقرّ ضمناً بضرورة إحداث تغييرات جوهرية في مجالات الحريات السياسية والإعلامية، إلا أنه لا ينفي خشيته الواضحة من محاولة كثيرين التدخل لجعل الإعلام في سوريا يتخذ بعداً على شكل ما تتخذ جهات إعلامية كبيرة ترعاها جهات مموّلة لديها حسابات سياسية. وهو، هنا، يشدد أمام زواره على فكرة الإطار الوطني والقومي لسوريا، رافضاً أي محاولة من قبل سوريين، معارضين أو موالين، أو من جهات عربية أو دولية، لدفع السوريين إلى رفع شعار سوريا أولاً، لأن في ذلك ما يعني دعوة سوريا إلى الانعزال، وبالتالي الذهاب نحو بناء علاقة تبعية ذات طابع اقتصادي ظاهر، ولكن ذات مضمون سياسي يجعل سوريا تخسر موقعها الإقليمي المؤثر. ويلفت الأسد، هنا، إلى أن مشكلة سوريا مع العالم، المستمرة منذ ما بعد حرب تشرين، تتركز في رفض فكرة الصلح مع إسرائيل، وفي رفض تسوية منفردة تعطي سوريا قسماً من حقوقها في الأرض المحتلة، وتجعل الفلسطينيين متروكين لمصيرهم أمام الوحش الإسرائيلي وداعميه من العرب والغرب.
يشدد الأسد أمام زواره على أن نظرته إلى العملية الإصلاحية تقوم على تثبيت موقف سوريا من المسألة القومية، وهذا يعني بوضوح تثبيت السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية، بما في ذلك آليات التعاون القائمة مع دول صديقة لسوريا مثل إيران وروسيا، وبما يعني التزام الوقوف إلى جانب قوى المقاومة في لبنان وفي فلسطين أيضاً. وهذا أمر له ثمنه على أكثر من صعيد.
لكن الأسد يعرف أن السوريين الآن في مرحلة السؤال الكبير عن مصير بلادهم. وهو يدرك جيداً أن كثيرين من الذين يتظاهرون اليوم دعماً للإصلاحات يبدون خشيتهم على سوريا، وأن فئة من داعمي المعارضة الذين خرجوا من الشوارع يخشون تكرار صورة العراق ولبنان في سوريا، وأن غالبية سورية ــــ بما فيها قسم من المعارضين ــــ هالها التصرف الصادر من دول عربية وغربية، وأن السوريين عموماً تستفزهم كثيراً فكرة الوصاية أو الاحتلال أو التدخل.
الأسد يؤكد أمام زواره أن الحكم سيمضي في خطوات إصلاحية تبدأ بالدعوة إلى استفتاء على دستور جديد، وتأليف حكومة جديدة تكون لديها صلاحيات واضحة في غالبية الملفات الداخلية، وآليات تعكس حرص النظام على إطلاق الحريات بطريقة مختلفة كثيرة عن السابق، وهو يشير إلى أن مؤتمر حزب البعث سيعطي الإشارات الضرورية إلى استعداد البعثيين للتنازل عن مكاسب كبيرة، وعن امتيازات داخل الدولة، لمصلحة بقية المواطنين. وهي خطوة كبيرة على ما يقول.
ومع أن غالبية من يعارضون الأسد يشككون في حقيقة هذا الموقف، فإن هؤلاء ينقسمون بين فئة تعتقد بأن الإدارة القائمة في سوريا اليوم غير قادرة على السير بالإصلاحات، والبعض الآخر يعتقد أنه لا يمكن إيكال مهمة الإصلاح إلى من كان سبباً في الفساد والخلل، والبعض الثالث يعتقد أن على الرئيس السوري وعلى حزب البعث الابتعاد عن السلطة وترك فئات أخرى من سوريا تقوم بالعملية الإصلاحية.
وسط كل هذا النقاش، ثمة فئات معارضة للنظام، لم تعد تريد سوى السلاح وسيلة للمواجهة، والسلاح يجر الدماء خلف الدماء. وهو أمر قد يكون مغرياً لبعض أهل الحكم في سوريا من الذين يرفضون التغيير.

 

ابراهيم الأمين

 

العدد ١٦٣٠ الاربعاء ٨ شباط ٢٠١٢

سياسة

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *