نحن أمام فضيحتين إعلاميتين جديدتين في سوريا، الأولى هي تشكيل ما يسمى بالمجلس الوطني للإعلام، والثانية، قيام نفس هذا المجلس، وعلى الفور، بسحب عدد يوم الأربعاء 23/11من جريدة خاصة سورية، بسبب مقال(1) ينتقد ما يسمى بالبعث والبعثيين، وإليكم تفاصيل الفضيحتين.
فحين قرأت أسماء ما يسمى بمجلس إعلام جديد في سوريا، أصبت بحالة من الرعب، والخوف والهلع، بقدر، ما انتابتني صدمة، ووعكة، وحكة جلدية، وحالة وجع، وهرش جلدة الرأس مجهولة المصدر كما قال لي صديقي الطبيب قرفان حالو. وأعتذر عن ذكر أسماء أعضاء المفلس الوطني للإعلام (وكالعادة، لا يوجد خطأ إملائي ها هنا)، بسبب الالتزام بشروط النشر في المواقع الإليكترونية ووقوفي مع جورج بوش في جزئية حربه على الإرهاب، إذ يمنع نشر أية مواد فيها رعب، أو عرض مشاهد فيها عنف، والإشارة إلى رموز مخيفة، قد تسبب استفزازا للرأي العام وتسيء لمشاعر الناس، ناهيك عن أن بعضاً، من الصغار في سوريا، قد يقرؤون مقالي هذا على الفيسبوك الذي اخترق كل بيت في سوريا، وقد يتسبب ذكر أسماء أصحاب المفلس بحالات خوف وهلع لهم.
ولم يخيّب المفلس الإعلامي الجديد ظني به على الإطلاق، ولا ظن أي سوري، ويشكر ويثاب على أية حال، وكان كما ظن، وكل الظن هنا غير إثم، و”تخوف وتوهم” الجميع، وكعادة الشباب، أداة قمعية حادة، وجارحة، باترة وقاطعة واستئصالية(2)، لكل ما من شأنه أن يتعارض، ويتنافي، مع السياسة الخشبية الإعلامية التي ميـّزت هذا الحقل الإبداعي والوطني عبر خمسة عقود في بلاد الرسالة الخالدة. وكانت من أولى إنجازاته بتر وسحب ومنع عدد من جريدة بلدنا التي يملكها مجد سليمان، ابن نجل اللواء بهجت سليمان الرئيس الأسبق لفرع الأمن الداخلي في ما يسمى بإدارة أمن الدولة، والسفير السوري الحالي لدى الأردن، بسبب مقال عادي جداً في معايير النشر والكتابة الصحفية والإعلامية، لكنه بالنسبة للإعلام الستاليني الموجه والمغلق جناية خطيرة تستوجب القطع والبتر.
ولا ندري في الحقيقة، فالأمر، أي سحب العدد، قد يكون له عدة وجوه وأبعاد، فناهيك عن أن الإجراء، والعودة للنمط القديم-الجديد الإصلاحي في التعاطي مع مجرد رأي، يبقى –أي الرأي-موضع أخذ ورد في النهاية، وقد يكون صحيحاً أو غير صحيح، فقد تكون الرسالة، موجهة بذات الوقت، لصاحب الجريدة، وممولها، تلك الجهة النافذة، والقوية، في سوريا عبر عقود من الزمن، والقول بأن لا أحداً فوق القانون. أو أن يكون مقدمة لإعادة تعويم البعث داخلياً، وتأمين حصانة للبعثيين ومنع نقدهم ، في ضوء الكلام الكثير ورفع الصوت وحدة النقد لهم، وفي ظل كلام متداول عن الشروع في إلغاء المادة الثامنة الشهيرة من الدستور التي يحتكر البعث بموجبها كل شيء في سوريا ويسيطر، ومن دون وجه حق، ويقبض على كل مفاصل الدولة والمجتمع، وإلغاء دور البعثيين معه، وكف يدهم عن الشأن العام في سوريا، كون المقال قد طال بالنقد العنيف والقاسي البعث، والبعثيين، وممارساتهم في سوريا، غير أن الأمر يؤكد في النهاية على حقيقة أن لا جديد ولا من يحزنون ويفرحون ويرقصون.
من جهة أخرى، سيطر أعضاء هذا المفلس الوطني للإعلام على دهاليز الإعلام السوري لعقود طويلة فاشلة وخائبة ومتواضعة أنتجت أرث وأبأس تجربة إعلامية في المنطقة، لم تجن سوريا منها شيئاً، وكانوا كابوساً بليدا وثقيلاً عليه، وشبه معزولين عن قواعدهم الإعلامية، وغير معروفين شعبياً، ولا إعلامياً، خارجياً، وارتسمت صورة سلبية ونمطية عن أدائهم وممارساتهم واجترارهم الفكري، وكانوا يتنقلون في قياداته الإعلامية، وينطون، كأبطال الجمباز وسباق الحواجز، برشاقة وخفة، من منصب إلى منصب، ومن إدارة إلى إدارة، وكأن الله الذي خلقهم وكسر القالب ولم يخلق غيرهم، بعدها، واحتلوا الواجهة الإعلامية السورية على مدى عقود طويلة، بما في ذلك من تهجير وتهميش لمئات الكوادر الإعلامية الشابة، ودون أن يقدموا، في نفس الوقت، للإعلام السوري تلك النقلة الإعلامية المطلوبة والمأمولة والتي تليق بشعب سوريا الحضاري العظيم، والتي ظهرت أهميتها، أي النقلة، وضرورتها في الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث تبين أن سوريا قد فرّغت تماماً من كوادرها الإعلامية، وعجزت الوزارة عن تصنيع وإطلاق كوكبة من نجوم الإعلام في الفضاء، فاستعانت بثلة، من خارج النطاق الإعلامي، وبكل أسف، مقربة ومحسوبة على أجهزة نافذة، ووجهاء كبار، وأقربائهم، و”حبايبهم”، وإخوتهم(1)، إضافة لكتيبة المغاوير الإعلامية اللبنانية المعروفة، إياها “تبع” خلصت، التي سدّت إلى حد ما النقص الهائل في الكادر الإعلامي الفضائي السوري المؤهل لهكذا مواقف وأحداث، وإذا علمنا أن المواجهة والحرب اليوم في سوريا، جلـّها، وفي قسمها الأكبر إعلامي ونفسي، ندرك مدى الحاجة الوطنية العامة لإصلاح هذا القطاع وإعادة تأهيله والرفع من شأنه ليواكب عظمة، وقوة، وهيبة ومكانة سوريا العظيمة وتليق بشعبها الحر الأبي الحضاري العظيم.
يكفينا إصلاح يا شباب، والله العظيم “فلقتونا” وأشبعتمونا إصلاحاً، و”ما عم نلحق” إصلاح يا رجل، حتى كدنا وبتنا نختنق من كثرة الإصلاح، وخاصة بعودة أعضاء المفلس الإعلامي ليحتل مجدداً واجهة الإعلام في سوريا. والسؤال إذا كان الإصلاح هو العودة إلى المومياءات والمستحاثات ونبشها من قبورها بعد أن استهلكت، وبان عجافها، وقد بلغت من العمر عتياً، وانتهت صلاحياتها، فبالله عليكم، يا نفس الشباب في أعلى الفقرة، وليس بالفقرة التي سبقتها، كيف سيكون عندها اللا إصلاح أو الخراب عندئذ؟ أعتقد أن الجواب حاصر تماماً وهو العودة لـ “بعث” الرسالة الخالدة. وعشتم وعاش الإصلاح ولولولوووووووش.
1-المقال للكاتب بسام جنيد، بعنوان لنتفرغ الآن إلى وطن اسمه سوريا.
2- قال المدعو قاضي أمين طالب رئيس المفلس المذكور، بأنه سيقاضي (اسم على مسمى، وألف يخزي العين) الكاتب ويسجنه، وذلك في مقابلة مع ما تعرف بمحطة شام إف. إم يوم الأحد 28/11/2011
3-يقال والله أعلم أن نفراً، ممن يسمون محللين استراتيجيين في سوريا، (أحدهم ملاكم سابق)، هو شقيق لمسؤول نافذ كبير، والمشكلة ليست ها هنا، فهو من خارج نطاق الإعلام، وبغض النظر عن أدائه ومدى نجاحه وفشله، فإنه لم يسبق له أن عرف إعلامياً، وتم “دحشه” في هذا على البركة، و”جابوه”، بينما كان يلعب “دق منقلة”، على البيدر، بوساطة وتوصية من أخيه فقط، وهذه هي كل مواهبه.
نضال نعيسة