تفكيك الثورة.

الثورة تعني تغيير علاقات القوة في مجتمع ما، ويأتي التغيير الجديد إذا فهم الناس علاقات القوة في القديم، وواحدة من مشاكلنا في التغيير بالعالم العربي أن نقول الشيء ونقيضه حسب ما يتطلب الموقف، وهو ما يسمى في الغرب تلوين الحقائق، وهو شيء أقرب إلى الشهادة الزور.

كنا ننتقد المستشرقين عندما يكتبون عن مجتمعاتنا ويختصرونها في شخص الزعيم، فتختصر مثلا في كونها مصر ناصر أو مصر السادات أو مصر مبارك، كنا نتهم هؤلاء المستشرقين بقصور في الفهم، فمصر أكبر من أن تختصر في ناصر أو السادات أو مبارك، هكذا كنا نحاججهم أكاديميا، قائلين بأن علاقات القوة لا تتركز في الشخص كما يظنون، ومع ذلك تبنينا أفكار المستشرقين كما هي في ثوراتنا، فأصبحت الإطاحة بمبارك في مصر، أو علي عبد الله صالح في اليمن، أو بشار الأسد في سوريا، أو معمر القذافي في ليبيا – هي الهدف، لأن في تغيير الحاكم تغييرا للنظام، وهذا بالطبع ما نعرف جميعا أنه خطأ جسيم في الفهم، بحسب نتائج الثورات كما نراها على الأرض، فنهاية الديكتاتور لا تعني أبدا نهاية النظام الديكتاتوري.

عندما نختزل سريان القوة والسلطة في الرئيس، ننسى كعرب أن الثورة لا تعني تغيير الممثلين في مسرحية الديكتاتورية، بل تعني تغيير النص. ربما لا أستطيع الحديث بنفس الثقة عن اليمن وسوريا وليبيا، لأن هناك كثيرين ممن درسوا هذه المجتمعات ويعرفونها بشكل أفضل، وتأتي تحليلاتهم بإضاءات على مناطق معتمة لا يراها من هم خارج السياق. لذلك، أبدأ بمصر التي أعرفها معايشة ودراسة، لتوضيح الفكرة.

الديكتاتورية نظام مصر، بداية من بلطجي الحارة حتى الرئيس، نظام فرض إتاوات وتكميم للأفواه، باسم الوطنية أو باسم الدين، أو باسم النقاء والصفاء الثوري… إلخ. الفتونة هي المفهوم الحاكم، والصوت الأعلى المدعوم إما بسلاح جيش أو سلاح ميليشيا أو استئجار مجموعات من البلطجية بهدف الحماية للزعيم أو الهتاف له أثناء دخوله وخروجه من الحارة، وقد أبدع نجيب محفوظ في تصويره لعالم الحارة بما فيه من بغي وظلم، ولكنه الواقع من دون لمسات تجميل كتلك التي يقوم بها التلفزيون الحكومي.

نظام مبارك لم تكن فيه السلطة مركزة في قمة الهرم، فتحليل نظام مبارك يجب ألا يبدأ بصورة الهرم له قمة وقاع، فتلك صورة مضللة لما يحدث وكان يحدث في مصر.

 بداية فهم السلطة في مصر وسريان القوة في شرايين النظام الديكتاتوري المصري، هي صورة الشبكة الأفقية. فالنظام الديكتاتوري المصري كان مكونا من شبكات من العلاقات القوية

 التي كبلت المجتمع وحولته إلى مجتمع عبيد منذ يوليو 1952، هذه العلاقات بعضها علاقات قرابة ونسب بين من يحمون ومن يتحكمون،

والبعض منها شلل مغلقة لمجموعات مصالح مختلفة مثل شلل رجال الأعمال،

وشلل الصحافة، وغيرها، كلها تجمعات ديكتاتورية مغلقة

لا تسمح بدخول منتسبين جدد إليها، إلا حسب شروطها. وبينها جميعا اتفاق ضمني بدعم نظام تسلطي يسمح لهذه البؤر المختلفة في شبكة علاقات القوة في الوطن بالتفوق على غيرها.

لو فهمنا المجتمع المصري في إطار الشبكات المغلقة الداعمة للديكتاتورية، يتضح لنا أمران عالجهما البعض بشيء من السطحية، مسألة المصريين في الخارج ومسألة الأحزاب الدينية ودستوريتها.

بداية، لم يكن ليسمح للمصريين بالخارج بالترشح في الانتخابات، ليس لازدواج جنسية أو غيره لأن كثيرين ممن فازوا ويعيدون في الانتخابات يحملون جنسيات مختلفة غير الجنسية المصرية، الموضوع برمته لم يكن الجنسية، بقدر ما كان اختراقا للشلل المغلقة في الداخل، فدخول طرف آخر في المعادلة، عاش في الخارج وربما لديه أموال لدعم مشروعه، هذا يهدد استقرار الشبكات المغلقة الداعمة للنظام التسلطي، أما حاملو الجنسيات الأخرى المستقرون في الداخل والمنخرطون في نظام الشللية، فليسوا مصدر خطر على النظام، وبالنظام هنا لا أعني نظام الحكم، بل نظام الشبكات المغلقة التي لا يدخلها الغرباء من خلفها أو من أمامها. المصريون في الخارج يهزون الداخل إذا ما دخلوا، لذا يكون استبعادهم ضرورة.

لا يخجل المصريون أو يجدون حرجا عندما يكتبون «صرح إبراهيم زهران، رئيس حزب التحرير الصوفي، بأنه لن يتحالف مع (الإخوان) ممثلين بـ(الحرية والعدالة) أو السلفيين ممثلين بحزب النور»، أو أن يصرح رئيس الحزب السلفي، عماد عبد الغفور، بأنه لن يتحالف مع «الإخوان». فرؤساء الأحزاب أنفسهم يرون بعضهم البعض على أنهم أحزاب دينية ويتعاملون مع بعضهم البعض ومع التكتل الانتخابي المدعوم من الكنيسة بنفس الطريقة.

إذن، نحن نتحدث ونمارس الحزبية الدينية رغم أن الدستور السابق والإعلان الدستوري المستفتى عليه وإعلان دستور العسكر الذي تلاه، كلها تجرم وجود أحزاب مبنية على أساس ديني في مصر. إذن، نحن نتحدث عن أحزاب غير دستورية دخلت في عملية دستورية ستكتب دستور مصر الدائم. فهذا المجتمع جاد عندما تكون الفجوة ما بين النصوص الدستورية التي يتمسك بها الجميع، وبين الممارسات على الأرض كبيرة إلى هذا الحد.

لماذا يا ترى لا يجرؤ المصريون على الحديث عن عدم دستورية أحزاب «الإخوان» و«النور» و«الفضيلة»؟ سؤال كبير يحتاج إلى جواب أكبر. السؤال التالي هو: كيف استطاعت الشبكة الديكتاتورية لعلاقات القوة في المجتمع المصري أن تحافظ على تماسكها وبدرجة عالية من الاستقرار، رغم ما نسميه ثورة؟ عندما نستطيع أن نجيب عن أسئلة كهذه في العلن، تكون الثورة قد فتحت كوة في العتمة التي نعيشها في مصر.

نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط

(مأمون فندي)

  بالرجل الشمال نبدأ في مصر!

  حزب العزل

  “ذا إنفزيبول” فَرَج!

  ثقافة «البَوّ»

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *