هناك حديث عن المفارقات العربية , والقصد منه القول , ان الجامعة العربية تفعل شيئا غير مسبوق , تقرر وتنفذ وتعاقب وتهدد وتتوعد …ولم تفعل سابقا أي شيئ من هذا القبيل , وعوضا عن الفرحة بالبدء في فاعلية الجامعة , تنهال على الجامعة العربية من قبل الأطراف المتضررة من قراراتها , ومن قبل انصارهم ومن من تنتظرهم عقوبات مشابهة الانتقادات واللوم ,..انها الجامعة العبرية الى آخر هذا الكلام الساقط , وكيف تملك الجامعة العربية الجرأة على معاقبة عضو مؤسس ؟؟ثم التهميش والتخوين , وغير ذلك من افرازات الغوغائية العربية , والمفارقة ليست في محاولة الجامعة أن تكون فاعلة , بالرغم من عدم فاعليتها السابقة , وانما في انتقادها لأنها أصبحت فاعلة بعض الشيئ , والمنتقد يشكو بآن واحد من عدم الفاعلية السابقة ومن الفاعلية الحالية , وهنا المفارقة وهنا الازدواجية , التي من الصعب فهمها , الجامعة مرت في طور الطفولة المديدة , والارتكاسات الحالية تبرهن , على ان القصور لم يكن من الجامعة وانما من اعضاء هذه الجامعة , الذين يذهبون الى اجتماعات رفع العتب والتسلية وممارسة الشتم المتبادل.
مهما كانت الطريقة التي اتخذت بها الجامعة قراراتها , فقراراتها يجب أن تنفذ , وما طلبته الجامعة العربية بخصوص الوضع السوري ليس بالأمر السيئ والغير معقول , ..هناك خيارين حسب مبدأ “علي وعلى أعدائي يارب “, الأول هو تكريس الفاعلية بالانصياع الى قرارات الجامعة , بدون أخذ ورد ,ونتائج تبني هذا الخيار جيدة على المدى المتوسط والبعيد , والثاني هو تكريس التمرد على الجامعة وقراراتها بالأخذ والرد ونتائج تبني هذا الخيار سيئة على المدى المتوسط والبعيد , وتبرير التمرد بأن الأوضاع في دول عربية أخرى اسوء من الأوضاع السورية هو تبرير قاصر , لكل يأتيه الدور ..ان كان الملك أو الأمير أو الزعيم أو الرئيس , المسألة هي مسألة وقت فقط .
هناك تفاوت في تقييم نتائج قرارات الجامعة , الجهة السورية الرسمية تقول انه ليس لهذه القرارات أي تأثير على الاقتصاد السوري وعلى مصالح الفرد السوري ..قرارت قيمتها أقل من قيمة الورق الذي كتبت عليه , ومن ينتظر عقوبات مشابهة يقول ان تأثيرات هذه العقوبات على الفرد السوري كارثية , والجامعة تقول ان تأثيرات هذه العقوبات على الفرد ضئيلة جدا , وتأثيراتها على السلطة قوية جدا ..فمن نصدق ؟؟؟
هناك فريق يقول , ان نتيجة العقوبات ستكون تمزيق سوريا وضرب حركات المقاومة , وان كان هذا الأمر ممكن أو غير ممكن , فالأجدى بهذا الفريق أن يحاول اقناع سوريا بالانصياع , لأن الانصياع وتطبيق قرارات الجامعة ليس بتلك الكارثية على الاطلاق , بل ان العمل بالنقاط الأربعة التي صاغتها الجامعة منقذ للسلطة أولا وللشعب السوري ثانيا , والعمل بهذه النقاط قد ينقذ سوريا من تدخل عسكري أجنبي – عربي مشترك , ولا يفيد هنا التحصن في قلاع هوائية , كالقلاع التي بناها المدعو طالب ابراهيم , والتي تعرفت عليها في هذا الموقع .. حيث قال طالب ابراهيم على أن النصر العسكري سيكون حليف سوريا في مجابهة دولية , وسوريا هي التي ستفرض الحظر الجوي والبحري , وليس الغرب بتفويض من الأمم المتحدة , ولا أظن انه بامكان الانسان الواعي الواقعي قول ذلك .
الحرص على الشعب السوري ومستقبله هو مسؤولية اخلاقية عند الجميع , وعند النظام السوري بالأخص أولا , ولا يجوز الطلب من الجامعة العربية أن تحرص على الشعب السوري ومستقبله , قبل طلب ذلك من النظام السوري المسؤول أولا عن الشعب السوري وعن مستقبله , واذا قادت هذه العقوبات الى تطورات أسوء بكثير من التطورات الخاصة بالاضرار الاقتصادية , أي الى تدخل أجنبي-عربي عسكري , فالمسؤول عن حدوث ذلك هو الطرف السوري أولا , فالجامعة العربية والأمم المتحدة لم يطلبو من النظام أن يكون مستبدا أو فاسدا , وانما طلبوا من النظام أن يكون عادلا وشرعيا , ليس المهم من طالب بذلك ,المهم هي ماهية الطلب العادلة .
لايحق لمن لاينصاع الى القرارات الدولية , والجامعة العربية من ضمنها, أن يطلب من اسرائيل أي انصياع للقرارات الدولية , ومن يرى في عدم انصياع اسرائيل مروقا على القرارات الدولية , يجب أن يسأل نفسه عن تقييم تمرده على قرارات من هذا النوع . لا أريد القول ان الحق والعدل هم الخواص التي تميز الوضع القانوني في هذا العالم , الا أنه من الضروري البدء بالسير في طريق الحق والعدالة , والبدء سيكون بأحد أفراد العائلة الدولية , وعادة هو الفرد الضعيف نسبيا .
الخروج من حالة الأزمة الحالية مهم جدا , والأهم منه هو تفادي الأكثر ضررا , والأكثر ضرر سيكون التدخل الخارجي , الذي سوف لن يأبه كثيرا بحصون وقلاع الدكتور طالب ابراهيم , فحصون السيد طالب ابراهيم الهوائية ستكون المطب الذي قد يقع به الوطن السوري ..يجب التحرك بسرعة الى انهاء الأزمة بشكلها الحالي , ومن يملك أكثر مفاتيح الحل هو النظام , الذي عليه التحلي بالواقعية , وعدم الانجرار وراء هلوسات طالب ابراهيم وأمثاله .