هناك العديد من الأشكال للعلاقات بين الدول والمنظمات , وايجابية العلاقة ترتكز أحيانا على نوع من تبادل المصالح , وذلك بغض النظر عن تكوين هذه الدول أو المنظمات الداخلي , فلدولة مثل السويد علاقة اقتصادية وسلمية سياسية مع النظام السعودي على سبيل المثال , بالرغم من التضادالشاسع بين المفاهيم السياسية والاجتماعية السويدية مع نظائرها السعودي ,وهناك نوع آخر من العلاقات , الذي يفترض قيامها وجود نوع من التجانس السياسي والاجتماعي والاقتصادي , كعلاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي … وهناك علاقات مبنية على أساس التجانس الفكري والايديولوجي , وذلك بغض النظر عن المصالح الاقتصادية , كدعم كوبا للدول والمنظمات الشيوعية أو اليسارية بشكل عام , وهناك علاقات تأخذ ايجابيتها من العدو المشترك , كموقف فنزويلا من الدول التي تعادي أمريكا, ولا أريد الاستفاضة في موضوع العلاقات الدولية , لأن الموضوع الآن هو موضوع حماس وسوريا ,والقضية الفلسطينية بشكل عام.
ولدت حماس بشكل منظمة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى , الا أنه للاخوان بشكل عام علاقة قديمة مع فلسطين , وعمر هذه العلاقة يساوي عمر القضية الفلسطينية , فقد أرسل حسن البنا أخيه عبد الرحمن عام 1935 الى فلسطين حيث عمل في المجال الخيري الاجتماعي وشارك في الثورة الفلسطينية الأولى عام 1936 ثم أسس فروع لحركة الاخوان في فلسطين , وتطورت الحالة بعد ذلك حتى نجاح حماس في الانتخابات , وحتى فصل غزة عن الضفة الغربية , وبشكل موجز جدا اريد القول ان نجاح الاخوان المسلمين في الانتخابات (حماس) يعود الى فشل السلطة الفلسطيني ( فتح) في تحقيق التقدم في حل المشكلة الفلسطينية , وكذلك الى نشاط الاخوان السابق في المجالات الاجتماعية ..مثلا المشافي المجانية وغير ذلك من الخدمات التي قدمتها حماس عن طريق التبرعات والأموال التي أتتها من هنا وهناك , والأساسي في نجاح الاخوان في غزة هو وضع المحيط الدولي القريب من فلسطين والبعيد عنها .
العلاقة الايجابية بين الجمهورية السورية وحماس تمتد الى عام 1987 , وهذه العلاقة بنيت على انقاض علاقة سوريا مع الحركة الوطنية الفلسطينية , وذلك بعد أن حدث نوع من التناقض بين هذه الحركة وسوريا , والتناقض بلغ ذروته اثناء الحرب ضد العراق , حيث وقفت سوريا مع دول الخليج ومع أمريكا وحلافائها في الحرب ضد العراق , بينما وقفت فتح مع النظام العراقي , ثم ان العلاقة مع حماس تطورت بعد الفشل السوري في تحقيق أي مكسب من مؤتمر مدريد , حيث استخدمت سوريا حماس كحاضن لسياسة الرفض , العلاقة استمرت في التوطد بعد ابتعاد فتح النسبي عن الساحة العربية ودخول فتح المتزايد الى الساحة الأوروبية , حيث فقدت فتح الكثير من الدعم العربي ,’ ونالت الكثير من الدعم الأوروبي , وبالنهاية قبل عرفات بالكثير مما رفضه الآخرون , فقدت فتح الكثير من شعبيتها وشرعيتها بسبب مواقفها واكتسب تصلب حماس مافقدته فتح , خاصة في سنوات الاستنزاف بين 2001 و2004 , حماس قامت بالعمليات الاستشهادية ودعمتها وشرعتها بالاشتراك مع صدام حسين , وفتح استنكرت هذه العمليات , والجواب الاسرائيلي على هذه العمليات كان دائما تدمير قواعد فتح وسمعتها , وفي ظل العمليات الانتحارية صعدت حماس , والصعود الأكبر كان بعد أن غيب الموت كل من عرفات والشيخ ياسين وغيرهم كالدكتور الرنتيسي , ثم جاء عباس وحاول الاتفاق مع حماس , وحدث نوع من المقايضة بين فلسطين ولبنان ,أمريكا دفعت سوريا الى نوع من التساهل مع فتح وعباس مقابل فتح أبواب لبنان لها وتوطيد الدور السوري في لبنان …وبالنتيجة نجح عباس في الانتخابات , وبعد ذلك بشهور اغتيل الحريري , وصدرت قرارات الأمم المتحدة التي طلبت من سوريا الرحيل , ورحلت طوعا وبدون أي مقاومة تذكر , لقد كانت خطوة جيدة , تمكن النظام السوري من خلالها تحاشي الطرد عسكريا وما يترافق مع هذا الطرد من اذلال وتنازلات وغير ذلك من الخسائر .
عام 2007 بلغت حماس ذروة قوتها , وبالرغم من ذلك فقد كانت معرضة للهلاك , والدعم السوري لها أنقذها , ومكنها من فصل غزة عن الضفة الغربية , الذي هو من كبريات السلبيات بالنسبة لفلسطين والقضية الغلسطينية بشكل عام , ولو حدث العكس , أي أن سوريا لم تدعم حماس وانما دعمت السلطة الفلسطينية , لما كان بامكان حماس أن تشطر مابقي من فلسطين وتؤسس دولة الاخوان في غزة .
في أي مصنف يمكن تصنيف العلاقة بين حماس وسوريا , هذه العلاقة التي بدأت بالبرودة والفتور بعد تحفظ حماس على التطورات السورية في هذا العام , وبعد أن بدأت حماس بالنزوح من سوريا , وحدوث ذلك يعني بشكل أو بآخر انحسار الدعم السوري لأي فصيلة فلسطينية , لاحماس ولا فتح , وكيف يمكن القول هنا ان خط الدعم السوري للمقاومة الفلسطينية لن يتراجع ولن ينعكس ؟؟؟
تلخيصا يمكن القول ان دعم حماس قاد الى صعود هذه المنظمة والى شطر مابقي من فلسطين , والى اضعاف فتح , والى ادانة جزء من المقاومة الفلسطينية (حماس) الى جانب ادانة اسرائيل من قبل الأمم المتحدة , ودعم حماس التي شطرت مابقي من فلسطين لايمكن أن يكون دعما لفلسطين بشكل عام , انه دعم لفئة معينة مقابل مكاسب سياسية معينة لاعلاقة لها بفلسطين بشكل عام , كما أن هذا الدعم قاد الى تقوية الموقف الاخواني في الشرق , هذا الموقف الذي تحاربه السلطة السورية في سوريا , ازدواجية غير مألوفة !!!.
التحفظ من قبل حماس على الاجرآت السورية الداخلية ضعضع العلاقة , التي قاربت على نهايتها , وهذا برهان غير مباشر, على أن حلف سوريا مع حماس ليس بالحلف الذي له هم وحيد هو دعم المقاومة, انه نوع من المقايضة , ونوع من تبادل المصالح والفوائد , ولا علاقة لولادة هذا لحلف بالمستقبل الفلسطيني الأفضل , اذ أن تسلم اخوان حماس للسلطة في فلسطين لايمكن أن يكون جيدا لفلسطين وللفلسطينيين , كما أن تسلم الاخوان للسلطة في سوريا لايمكن أن يكون جيدا لسوريا والسوريين .
أظن انه من الضروري أن تكف السلطة السورية ومن يؤيدها عن ممارسة التبجيل والتبخير والتمجيد للدور السوري في مسألة الدعم ,لم يدعم أحد الفلسطينيين منذ عام 1946 الا انطلاقا من مصلحته الخاصة , وهذا هو سبب الفشل في تحقيق أي مكاسب تذكر للقضية الفلسطينية ..انه استمرار في الاتجار بالقضية والفلسطينية , اتجار بدأ حتى قبل اعلان ولادة اسرائيل كدولة , ولا يزال قائما حتى هذه الساعة .