ديناميكية التوحش السوري

تفجيرات يوم أمس في دمشق لاتمثل نوعية جديدة في حالة التأزم السورية , التي تحولت الى حرب أهلية , ففي الحرب الأهلية لاتوجد حدود أو قوانين يلتزم بها جميع الأطراف , وقد كان من الممكن نظريا تسمية هذه الحرب باسم الحرب الغير متناظرة , التي تفترض وجود جهة تلتزم بقانون ما , وجهة لا تلتزم بأي قانون أو عرف , أطراف الحرب الأهلية السورية لايلتزمون بشيئ اطلاقا , ولا يفكرون بالآخر اطلاقا , والوطن هو آخر اهتمامهم وهمومهم ,  عصابات  تتقاتل مع بعضها البعض  , وتقتل الوطن .
الحالة السورية تحتقن منذ نصف قرن , وبشكل متزايد يجري حقنها بما توفر من السموم ..تحتقن بالفساد الأسطوري ..تحتقن بالتسلط العائلي ..بتزايد الفقر ..بانعدام القضاء ..بانعدام تساوي الفرص ..بالمحسوبية ..بالعنف والسجن والتعذيب …بالاضطهاد والتفرقة العنصرية ..ان كانت دينية أو قومية , باحتكار وسرقة رزق البشر ..بسرقة حتى الجنسية والهوية …بالاقصاء بأشكاله المختلفة ..اقصاء من الوظيفة , حيث لاتستطيع أن تكون مدير مدرسة ابتدائية دون أن تكون بعثي ..وما هو البعثي ؟؟هل هو العقائدي الشريف الذي لايرتشي ولا يسترزق عن طريق الاستزلام ؟؟؟ هل هو المواطن السوري الذي يقبل أن يكون متساويا مع المواطن الآخر حقوقا ووجباتا ؟؟؟ لقد دستر التفاوت والعنصرية والتسلط عن طريق المادة الثامنة والثالثة , ودستر الظلم عن طريق المادة ٢٨٥ , ودستر التجهيل والدجل عن طريق قانون الاعلام , ودستر الردة الأصولية عن طريق قانون الاحوال الشخصية ..الخ .
كل احتقان سينتهي بالانفجار , والاحتقان السوري انفجر متأخرا جدا , انفجر بشكل حركة رفض واحتجاج أو ثورة أو حراك , وبه تمثل هذا الرفض بكامل أطيافه , هناك رفض مدني , ورفض علماني ,والصمت رفض , ورفض مسلح , وارتكاس طائفي لطائفية متواجدة منذ عشرات السنين , تجلت بتجنيد المرتزقة السلطوية بشكل رئيسي من صفوف طائفة معينة , مما أدى الى الاثراء لبعض اعضاء هذه الطائفة , وهذا لايعني ان الباب كان مغلق بوجه المرتزقة من الطوائف الأخرى .. السلطة رحبت بكل مرتزق ..الا أنه بين المرتزقة توجد مراتب ومراكز وخطوط حمراء ونقط سوداء وامتيازات خاصة وأمور عائلية وعشائرية ..انها حبكة متينة من العلاقات التي تهدف من أولها الى آخرها الى بقاء الرأس على الرأس …كل شيئ ممكن الا الرأس , الذي في سبيله هان كل شيئ ..الغالي والرخيص وحتى وجود سوريا بالكامل .
الاحتقان الذي انفجر وفجر الوضع ذو حركية ذاتية , ونمازج هذه الحركية الذاتية نعرفها من التاريخ , بشكل عام يتدنى مستوى التداول باضطراد الى جهة الوحشية والتوحش ,  والاتجاه الى جهة التوحش يتسارع طرديا مع انعدام الوسيلة التي تخفف أو تزيل الاحتقان , وما حدث منذ عشرة أشهر لايتضمن أي وسيلة لتخفيف الاحتقان , وما حدث في الأربعين سنة السابفة لايتصمن أي وسيلة لتخفيف الاحتقان , وانما تضمن كل مايرفع من درجة هذا الاحتقان , الذي انفجر مؤخرا بغوغائية متوقعة … من ظن على أن أشكال افرازات الانفجار سوف لن تتغير , ليس من هذا العالم …الشكل الجديد هو الشكل الانتحاري , الذي مارسته منطقيا الجهة التي تستفيد منه .
بعد دقائق من تفجير المراكز الأمنية عرفت السلطة , على أن المدبر لهذه العملية هي القاعدة , وبالواقع فان العملية شبيهة بعمليات القاعدة , الا أن القاعدة لاتملك قانونيا برأءة هذا الاختراع , الذي لايمكن تقليده ..ابتكار يمكن تقليده من أي جهة كانت ..النقطة الرئيسية هي “فقط” من له مصلحة بتفجير من هذا النوع يوم “جمعة” ويوم وصول بعثة المراقبة التابعة للجامعة العربية , ومن له مصلحة بلفت انتباه الرأي العام العالمي والعربي عن أحداث حمص وغيرها من المدن , حيث يجري القتل والتقتيل ..ليس بالعشرات , وانما بالمئات,  معرفة الانتحاريين بعد دقائق من قيامهم بالعمل الانتحاري ’, يوحي بأنهم معروفين قبل قيامهم بالعمل الانتحاري , هل يمكن  تفسير ذلك على أنهم شركاء ؟؟؟؟ أو غير ذلك ؟؟

هناك بعض الملاحظات حول القاعدة  ونشاطاتها , اذ يعاب على الأمريكان  تحالفهم مع القاعدة  ضد الاتحاد السوفييتي , كيف هو حال السلطة السورية مع القاعدة بخصوص  العراق , ألم لسير قوافل القاعدة الى العراق عبر الأراضي السورية , وتحت اشراف السلطة السورية , ألم تهلل السلطة لكل عمل انتحاري قامت به القاعدة  , خاصة   انتحارية ١١-٩ ؟؟ القاعدة مقبولة ومرحب بها عندما تغدر بالبشر  ..بشرط أن لا تغدر بمراكز  الأمن السوري , هل هذا الموقف مبدئي  أو انه موقف انتهازي ؟؟؟ , ثم عن المراكز الأمنية  , والتي تتباكى السلطة عليها , هل  ساهمت هذه المراكز في ارتفاع مستوى الأمن في البلاد , وانما كانت هذه المراكز  مصدر لعدم شعور المواطن بالأمان ؟؟, هل قتل الأمن في هذه المراكز  العديد من المواطنين  , أو الآلاف منهم ؟؟هل كان للسلطة انشاء هذه المراكز  أولا , أو الابقاء عليها ثانيا ؟؟؟من خدمت هذه المراكز ؟؟الشعب أو السلطة  أو كلاهما أو لا أحد منهما ؟؟؟هل مركز أمن كفر سوسة  هو بمثابة حديقة أطفال أو مركز لرعاية اليتامى  , أو أنه  مركز  لتيتيم الأطفال   وترميل الرجال وتثكيل النساء  ؟؟؟وبالرغم  من ذلك , فلم يكن لما حدث أن يحدث  , وازالة مركز تعذيب يجب أت، يتم  طوعيا , وبعد تفهم وقناعة بعدم ضرورته  وبأضراره  أيضا ..لاتوجد سلطة تريد الخير للوطن   وتبني  في نفس الوقت مراكز من هذا النوع  ,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *